مؤيد عبد الستار
نشر ويسترغارد N.L.Westergard نصوص الزند (افستا) المتبقية من العصور السابقة، والمحفوظة في جامعة كوبنهاغن، والتي نجح ايراسموس راسك Erasmus Rask في الحصول عليها خلال زيارة علمية لبومبي عام 1820م وبعض النصوص التي حصل عليها من صديقه الدكتور جون ويلسون من بومبي Dr.John Wilson ونصوصا اخرى تعود للمتحف البريطاني ومكتبة اوكسفورد ومكتبة الامبريال في باريس ، وتلك التي تعود ليوجين بورنوف. نشرها في الجزء الاول من كتابه الزند افستا وترجمها الى الانجليزية ، والبروفسور ويسترغارد كان استاذ اللغات الشرقية في جامعة كوبنهاغن، ونشر كتابه في ثلاثة اجزاء بين عامي 1852 و1854م.(1)
جاء ذكر زرادشت نبي الديانة الزرادشتية لدى مؤلف اغريقي في القرن الرابع قبل الميلاد، اي قبل ظهور الاسلام بالف عام، وكتاب الزند افستا هو الكتاب المقدس عند الزرادشتيين، ونلاحظ في لغة الزند افستا لهجتين متميزتين اقدم من اللغة الفارسية القديمة التي عرفت في زمن داريوس – وهي اللغة التي استخدمت الكتابة المسمارية التي تم حل رموزها من قبل علماء الاشوريات والسومريات، من خلال اللوح السومري في عيلام / كوردستان- وهي اقرب فرع للغة الزند افستا،(عيلام هي إحدى محافظات كوردستان ايران، وعاصمتها التاريخية تسمى في العربية سوسة، والحضارة العيلامية إحدى الحضارات القديمة المعروفة والمعاصرة لحضارة وادي الرافدين.)*
استطاعت الديانة الزرادشتية المحافظة على تعاليمها رغم تغير الازمان ومازال لها أتباع في ايران والهند – في الهند يطلق عليهم البارسي Parsi -.
كتبت الزرادشتية بلغتين، الاولى هي زند، تعود لحقبة قديمة وتشمل النص الاقدم، واللغة الاخرى البهلوية، وتعود لحقبة أحدث وتستخدم في ترجمة نصوص الزند.
يتكون الزند افستا من مجموعة نصوص مقدسة توارثها أبناء الديانة الزرادشتية، وهي النصوص المتبقية من العصر الزرادشتي في ايران، وقد نجح الباحث الدانمركي ويسترغارد في نشر ماجمع منها في ثلاثة اجزاء منفصلة، الجزء الاول هو نصوص كتب الزند افستا، والجزء الثاني يتعلق بلغة الافستا وفحص نصوصها وقواعدها ومقارنتها باللغة الفارسية القديمة التي تعود للعصر الاخميني، والجزء الثالث ترجمة نصوص الزند افستا من السنسكريتية الى اللغة الانجليزية.
وأنقـل في هذه المقالة أهم ما جاء في مقدمة كتاب ويستغارد من الانجليزية الى العربية اضافة لملاحظاتي، لتكون معينا للاطلاع على هذه الديانة العريقة وكتابها المقدس الزند افستا، علما انها كانت ديانة شائعة في ايران وكوردستان والعراق، وانحسرت بعد الفتوحات الاسلامية، وهي التي اطلق على اتباعها عبدة النار دون وجه حق، من أجل التقليل من مكانتهم الدينية، وتسهيل القضاء عليهم.
ان كلمة زند Zend زند بكسر الزاي، او زند Zand بفتح الزاي ترجمة لكلمة أفستا، فان لغة الزند هي البهلوية التي تستخدم من قبل الفرس، ومنهم مجموعة في الهند تدعى البارسي Parsi – وهم الزرادشتيون في الهند، وهم جالية صغيرة غنية تعيش في بومبي، هاجرت الى الهند من ايران بعد سقوط الدولة الساسانية، وهم الذين استخدموا السنسكريتية في كتابة الافستا.
ان كلمة زند Zend زند بكسر الزاي، او زند Zand بفتح الزاي ترجمة لكلمة أفستا، فان لغة الزند هي البهلوية التي تستخدم من قبل الفرس، ومنهم مجموعة في الهند تدعى البارسي Parsi – وهم الزرادشتيون في الهند، وهم جالية صغيرة غنية تعيش في بومبي، هاجرت الى الهند من ايران بعد سقوط الدولة الساسانية، وهم الذين استخدموا السنسكريتية في كتابة الافستا.
يقول نيريوسنغ Neriosangh مترجم الافستا الى السنسكريتية، انه ترجم كتاب الياسنا الى السنسكريتية من البهلوية – والياسنا نص زرادشتي وهو جزء من الزند افستا–.
إن سوء فهم كلمة زند تعود للعصور الحديثة، اذ يذكر W.Jones عام 1789 م . ان بهمن – كاهن زرادشتي – أخبره أن حروف كتاب نبيه زرادشت تسمى زند، ولغة الكتاب تسمى افستا، ويقول ويسترغارد أن جميع نسخ الزند افستا التي حصلنا عليها في حقب مختلفة، رغم اختلافها، فان النص الوارد فيها هو نفسه في جميع النسخ.
إن النسخ تختلف كثيرا في اسلوب هجاء الكلمات، ولكن مهما كان اختلاف الهجاء كبيرا الا أن الكلمة هي نفسها، حتى وإن كنا لانستطيع تتبع ومعرفة شكلها الاصلي أحيانا بسبب تعرضها للحوادث والاهمال، الا اننا نجد أن الكلمة تتبع الكلمة بنفس النظام، والعبارة تاتي إثر العبارة، والقطعة بعد القطعة، والفصل بعد الفصل، بترتيب متسق.
ونلمس حقيقة أخرى من تشابه النسخ هي ان الحقبة التي جُمعت فيها، ليست عين الحقبة التي ألفت فيها، ونستطيع القول إن النص القديم للزند افستا الذي لدينا يعود لزمنين، الاول هو زمن انتاج النص، والاخر هو زمن جمع النص – النص المتبقي والذي حصلنا عليه بصورته الحالية.
لقد اثرت التقاليد القديمة في الزرادشتية، ومن الطبيعي ان لا يكون هذا السفر – الزند افستا – من ابداع شخص واحد فقط ، سواء أكان زرادشت نفسه أو أحد تلامذته، ولاتحتوي الزند افستا على تعاليم محددة او نظام ديني قانوني شخصي، عقائدي وتعليمي.
وفي نفس النسق فان اناشيد الفيدا واغاني الايدا – مقطوعات في الزند افستا- لابد وانها ذات جذور قديمة وانها جاءت من مختلف الشعراء والاساتذة ، الذين قدموا مختلف المواضيع، كل واحد استنادا الى رؤياه الخاصة.
وتدل كتابة الزند افستا على انها تعود لشمال بلاد ايران، وتتألف من لهجتين، اللهجة الاولى هي التي نجدها في كتاب ياسنا – الجزء الاول من الافستا- وهي لهجة قوم من سكان الجبال الوعرة، بينما اللهجة الثانية تعود لاقوام من سكان السهول، وبذلك تكون اللهجة الاولى هي اللهجة المبكرة التي تعود للفرع الشمالي من ايران واللهجة الثانية تعود لعهد داريوس من غرب ايران. (غرب ايران مصطلح يطلق على عيلام ، وهي بلاد اللور الكورد وعاصمتهم – سوسة – كما ترجمت عن السومرية الى الانجليزية Susa وارجح ان اسمها سوزة ويعني بالكوردية الاخضر او الخضراء دلالة على كثافة الغابات ).
لقد أهملت الزرادشتية ونسيت، ولا ننسى ان الاسكندر الكبير أمر باحراق الكتب المقدسة القديمة، ومع ذلك ظل الناس على ايمانهم، ولما ظهر الساسانيون على المسرح بعد حوالي خمسة قرون – حوالي 226م – وجدوا الدعم القوى من خلال ايمان وعقيدة ودين الناس وكان ان سمى اردشير وابنه شاهبور واحفادهم أنفسهم عباد مزدا
ويمكننا ان نمثل المقارنة بينهما باللغة البولونية والروسية ذات الاصول المشتركة، ولكن لان اللغات الايرانية المستخدمة في الزند افستا تعود لقرون قديمة، فان الفروق بينها ليست كبيرة مثلما هي الفروق بين اللغات الاخرى.
إن تصور الزرادشتية للاله وصفاته كانت بلا شك فلسفية عميقة ،فلم توجد من قبل مثل هذه الفكرة وبهذا العمق عن الله، وبهذا الشيوع والايمان بها، ومع دخول الاسكندر الكبير الى ايران حدث تغيير كبير لم يكن في صالح الثقافة الوطنية، فقد خضعت ايران كلها لحكام أجانب، وكافحت الثقافة الهيلينية للحصول على موطىء قدم لها في ايران، وتتابعت على ايران اقوام حكمتها لقرون، ما جعل لغة الزند افستا تتغير بعض التغيير، وعلى سبيل المثال فان الكلمة القديمة ميبرو Mipro تغيرت الى ميهرو Mihiro**، كما داهم خطر اخر الزرادشتية من الشرق، هو البوذية، التي انتشرت زمن الحاكم اشوكا – حوالي 263قبل الميلاد- ووصلت الى الحدود الشمالية للهند، وفي القرن الاول قبل الميلاد وصل اتباعها الى بلخ – تقع بلخ في الوقت الحاضر في افغانستان، وكانت سابقا مقاطعة كبيرة تمتد في ايران وافغانستان- ومنذ ذلك التاريخ بدأ افول الزرادشتية.
لقد أهملت الزرادشتية ونسيت، ولا ننسى ان الاسكندر الكبير أمر باحراق الكتب المقدسة القديمة، ومع ذلك ظل الناس على ايمانهم، ولما ظهر الساسانيون على المسرح بعد حوالي خمسة قرون – حوالي 226م – وجدوا الدعم القوى من خلال ايمان وعقيدة ودين الناس وكان ان سمى اردشير وابنه شاهبور واحفادهم أنفسهم عباد مزدا، وقد جاء في الحكايات ان أردشير جمع الموابذة – جمع موبذ – كهنة المعابد من أجل إعادة الحياة للديانة الزرادشتية وجمع الكتب القديمة.
كانت الكتابة المسمارية تستخدم من قبل الاخمينيين ولدينا اثارها، ولانجد لدى سكان شمال ايران حروفا اخرى، اما الملوك الهيلينيين الاوائل فقد استعملوا الحروف الاغريقية على نقودهم ومسكوكاتهم، بينما استخدم معاصروهم في الشرق اللغة الهندية والرموز الهندية.
كما لم يستخدم البلخيون أية لغة ايرانية، ولكنهم حين وجدوا ان بامكانهم استخدام لغة خاصة بهم استخدموا لهجة هندية مع الفباء آرية، الالفباء التي اقتبسوها من سكان جبال الهندكوش.
ولما كانت هذه الالفباء قد وصلت منذ وقت طويل الى الهند حيث استخدمت عند الضرورة في الهند، كما استخدمها الامبراطور آشوكا، ولاحقا استخدمت في العصر البارثي Parthian، واخيرا من قبل الساسانيين،ومن المحتمل جدا ان البلخيين كانوا يمتلكون مثل هذه الحروف – الالفباء – وان الزرادشتية قد دونت في فارس وبلخ ، قبل الساسانيين بزمن طويل، إذ ارجعت الروايات لا ردشير شرف جمع النصوص الزرادشتية وان نجيرفان – نوشيروان، نوشيرفان – جمع في القرن السادس من جميع اركان امبراطوريته، قصص الملوك والابطال، وخزنها في مكتبته، وقد استأنف الشاه الساساني يزدجرد هذا العمل واوكل الى واحد من المع اتباعه في بلاط المدائن الدهقان دانشوار ترتيب ما جمعه نجيرفان ومعالجة النواقص من قبل الموابذة – الكهنة – .
بعد ان جمع الاخمينيون الكتب والنصوص المقدسة الزرادشتية القديمة، اعتنى بها الساسانيون الذين كانوا يجيدون الكتابة، ويستخدمون الرموز المسمارية الشائعة في عيلام وسومر وبابل، واصبحت الزرادشتية الدين الرسمي للساسانيين، واعادوا كتابة النصوص باللغة البهلوية او الفارسية.ًً
وفي الهند ترجمت من البهلوية الى الكوجراتية – لغة مقاطعة كوجرات.