التآخي ـ وكالات
اعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني انسحاب بلادها من مبادرة الحزام والطريق الصينية للبنى التحتية المعروفة بطريق الحرير.
وقالت ميلوني عن المبادرة “كأداة لم تعط النتائج المتوقعة، ولكنني أعتقد أيضا أنه يجب الحفاظ على علاقات التعاون التجاري والاقتصادي مع الصين وتحسينها”.
وجاء حديث ميلوني على هامش حدث في مركز المعارض في ميلانو في 7 كانون الاول، وبعد يوم من تسريبات صحفية تفيد بأن روما أبلغت بكين رسميا بقرار عدم تجديد مذكرة التفاهم الخاصة بالاتفاقية التي وقعتها حكومة جوزيبي كونتي (بقيادة حركة خمس نجوم) في آذار 2019 ابان زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لإيطاليا.
وردا على سؤال عن رأيها في جوزيبي كونتي، الرئيس الحالي لحركة خمس نجوم، الذي وصف انسحاب إيطاليا من الاتفاقية بأنه فشل ذريع، قالت “يجب على كونتي أن يشرح لنا السبب وراء كوننا الدولة الوحيدة في مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى وانضممنا إلى طريق الحرير، ولكن نحن لسنا الدولة التي لديها أكبر تجارة مع الصين، بمن فيها ثلاثة اقتصادات أوروبية”.
وكانت ميلوني قد وصفت قبل توليها رئاسة الحكومة أن انضمام إيطاليا، الدولة الوحيدة في مجموعة السبع، للمبادرة بـ “الخطأ الكبير”، وقالت “إذا وجدت نفسي مضطرة للتوقيع على تجديد تلك المذكرة صباح الغد، سيصعب على ذلك”.
وكان مسؤول محلي صيني مقيم في إيطاليا، قد صرح إنه “لم نتفاجأ من ناحية خروج إيطاليا من معاهدة الحزام والطريق”، طريق الحرير الجديدة، كما “يجب تجنب التداعيات”، مشددا على أنه “لا يوجد أي شعور بالحنق أو الاستياء، بل مجرد استسلام هادئ فقط”.
وأستذكر ماركو وونغ، عضو الجالية الصينية في مدينة براتو (مقاطعة توسكانا ـ وسط)، وكذلك عضو المجلس البلدي في المدينة، في تعليق لمجموعة (أدنكرونوس) الإعلامية الإيطالية، أنه “عندما جاء الرئيس شي إلى إيطاليا، كانت هناك تعبئة كبيرة، واستُقبل بأبهة كبيرة مع استدعاء مختلف الجمعيات الصينية لتنظيم مظاهرات لدعم المبادرة”.
وأشار وونغ إلى أنه “من الواضح أنه جرى إيلاء اهتمام كبير للمبادرة في ذلك الوقت، لكن خروج إيطاليا من الاتفاقية، في الأقل بالنسبة لنا نحن السكان، ليس مفاجئا”، مبيناً أنه “كان واضحاً تماماً أن إيطاليا لن تجدد المعاهدة”، مستدركا “ربما كان هناك مزيد من الأمل من جانب الصين بإعادة نظر بالأمر من جانب الحكومة”.
وذكر عضو مجلس بلدية براتو، أن “الصين تساءلت حتى النهاية عما يجب فعله لجعل إيطاليا تغير رأيها، وعند وصول الأخبار الأكيدة، كانت هناك خيبة أمل كبيرة بالتأكيد”، ومع ذلك “فنحن الذين نعيش في إيطاليا، نمتلك بالتأكيد تصوراً مختلفاً لما كان سيحدث: لقد كان الأمر واضحاً تماماً منذ بعض الوقت”.
ولفت وونغ إلى أن “أحدهم تحدث عن عدول محتمل، لكن في الواقع، كان الالتزام بمسار طريق الحرير الجديدة، بمنزلة اتفاق ما يزال بحاجة إلى بناء بالحقائق والمضامين”.
وبشأن ما إذا كان خروج إيطاليا من الاتفاقية يؤدي إلى تداعيات، رأى أن “الأمر يعتمد على عوامل مختلفة، أولها حنكة الحكومة على المستوى السياسي، وثانيها على الجهات الاقتصادية الفاعلة المعنية، وبشكل خاص الشركات وغيرها، لضمان عدم حدوث ذلك”.
ورأى عضو الجالية الصينية، أن “التحرك في داخل إطار مؤسساتي هو الأفضل دائماً”، لكن “في غياب هذا الإطار، يمكن القيام بأمور كثيرة مهما كانت الأمور”. واختتم بالقول إن “السيناريو الأسوأ، الذي آمل ألا يتحقق، هو ذلك الذي يختفي فيه الإطار المؤسساتي والإرادة على شتى المستويات، لاستئناف العلاقة”.
وكانت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، قد اشارت في وقت سابق إلى أن إيطاليا تعتزم الخروج من مبادرة الحزام والطريق، التي صارت اختبارا لعلاقات بلادها مع الولايات المتحدة، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن وكالة “بلومبيرغ” للأنباء.
وأبلغت ميلوني رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، خلال اجتماع عُقد، على هامش قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في الهند في ايلول الماضي، أن إيطاليا تعتزم الانسحاب من المبادرة الرائدة التي أطلقها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، فيما لا تزال تتطلع إلى الحفاظ على العلاقات الودية مع بكين، بحسب مصدر مطلع طلب عدم ذكر اسمه.
أما وكالة الصحافة الفرنسية فأشارت إلى أن لقاء ميلوني ولي تشيانغ، جرى في ظل تكهنات متزايدة عن احتمال انسحاب إيطاليا من مبادرة “حزام وطريق” الصينية، أو أقله إعادة تقويم مشاركتها فيها.
ونقلت الوكالة عن بيان أصدره مكتب ميلوني، أن اجتماعها مع لي تشيانغ “أكد العزم المشترك على تعزيز وتعميق الحوار بين روما وبكين، بشأن القضايا الأساسية الثنائية والدولية”.
يذكر أن الحكومتين الصينية والإيطالية وقعتا عام 2019 مذكرة تفاهم “غير ملزمة” لتأكيد انضمام روما إلى مشروع “طريق الحرير الجديدة” الصيني، لتكون إيطاليا أول بلد في مجموعة السبع ينضم إلى المبادرة، ويتجدد الاتفاق بين روما وبكين تلقائيا في آذار 2024 ما لم تنسحب إيطاليا منه بنهاية 2023، وهو الامر الذي يتحقق الآن.
من جهته عد وزير الخارجية الإيطالي، أن مبادرة «طرق الحرير الجديدة» الصينيّة المثيرة للجدل، لم تحقق الفوائد المتوقعة لثالث اقتصاد في منطقة اليورو، وذلك عشية زيارته لبكين.
وقال أنطونيو تاياني في المنتدى الاقتصادي «البيت الأوروبي – أمبروسيتي» الذي انعقد في تشيرنوبيو، على ضفاف بحيرة كومو بإيطاليا في ايلول 2023، «نريد مواصلة العمل بشكل وثيق مع الصين ولكننا بحاجة أيضاً إلى إجراء تحليل للصادرات: طرق الحرير لم تحقق النتائج التي كنا نأملها».
وأشار إلى أن «صادرات إيطاليا إلى الصين في عام 2022 بلغت 16.5 مليار يورو، وإلى فرنسا 23 ملياراً وإلى ألمانيا 107 مليارات».
وفي عام 2019، أصبحت إيطاليا التي تعاني مشكلة ديونها العامة، الدولة الوحيدة العضو في مجموعة السبع التي أعلنت الانضمام إلى هذا البرنامج من الاستثمارات الضخمة لبكين، الذي عدّ معارضوه أنه يهدف إلى ترسيخ نفوذ الصين.
ويهدف هذا المشروع الطموح الذي أطلق بدفع من الرئيس الصيني شي جينبينغ، إلى تحسين الروابط التجارية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا وحتى خارجها عن طريق تطوير طرق وموانئ وشبكات للسكك الحديد ومطارات وتجمعات صناعية، بحسب وكالات الانباء.
ويتجدد الاتفاق الإيطالي الصيني تلقائياً في آذار 2024 ما لم تقرر روما الانسحاب منه بنهاية عام 2023.
هذا الانسحاب «وافقت عليه السلطات الصينية من حيث المبدأ، كدليل على احترام القادة الصينيين»، وفق ما أورد في مذكرة كبير الاقتصاديين السابق في وزارة المال الإيطالية لورينزو كودونو.
وكان سلف ميلوني، ماريو دراغي، الذي تولى منصبه في شباط 2021، قد جمد الاتفاق واستعمل حق الحكومة في التعطيل في القطاعات التي تعدّ استراتيجية لمنع أي استثمار عالي المستوى من قبل الشركات الصينية في إيطاليا.
وانعقد المنتدى الدولي الثالث لمبادرة “حزام واحد، طريق واحد” في بكين، في منتصف تشرين الاول 2023.
و “مبادرة الحزام والطريق” (BRI)، هي خطة أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ، قبل نحو 10 سنوات، ويأمل أن تؤدي إلى تعزيز البنية التحتية العالمية، وشبكات الطاقة التي تربط آسيا بإفريقيا وأوروبا عبر الطرق البرية والبحرية.
وألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ، كلمة في حفل افتتاح المنتدى، الذي ضم ممثلين عن 130 دولة و30 منظمة دولية، وتغنى الرئيس الصيني بهذه المبادرة، مشددا على أنّ بلاده ترفض “الإكراه الاقتصادي” و”المواجهة بين الكتل”.
وقال شي في خطاب ألقاه أمام الوفود الـ 130 للدول التي شاركت في المنتدى إنّ بكين لن تنخرط في أيّ “مواجهة أيديولوجية أو ألعاب جيوسياسية أو مواجهة بين الكتل”، مضيفاً “نحن نعارض العقوبات الأحادية والإكراه الاقتصادي وفكّ الارتباط”.
يشار إلى أن مبادرة الحزام والطريق استقت اسمها من إحياء طريق الحرير القديم، لتعزيز البنية التحتية للتجارة العالمية، لكن يرى منتقدو المبادرة لا سيما منهم الدول الغربية، أن هذه المبادرة هي “حصان طروادة” اقتصادي تهدف بوساطته بكين إلى كسب نفوذ سياسي.