الجزء الثاني والأخير
حاوره: د توفيق رفيق التونجي
س:-الفساد اثر على اداء مجمل النظام العدلي في العراق وكان القانون مجرد كلمات يسطرها الحاكم ويمليه على القضاة والمحامين في العهد السابق ، كيف ترون مستقبل منظومة العدل في العراق في المستقبل؟
تراكمت الوعود والقرارات التي تنادي بمكافحة الفساد، كما كثرت المطالبات بضرورة اتخاذ خطوات جدية من شأنها الحد من استمرار الفساد أولا ومن ثم الإطاحة وفق القانون بحيتان الفساد واذرعه التي تنشب اظفارها بجسد العراق، المعاناة الكبيرة التي يعاني منها العراق والتي تنعكس سلبيا على جميع أبناء العراق تتطلب الموقف الوطني الصادق للتصدي الى ظاهرة الفساد والفاسدين، وشبعنا من الوعود والتهديدات الخطابية من دون ان نلمس خطوات جادة ومهمة في هذا المجال، ولهذا فإننا بأمس الحاجة إلى اعتماد إستراتيجية وطنية مستمرة في مكافحة الفساد، وفق أسس وخطط ثابتة وبعيدة المدى من اجل ضمان بناء مجتمع تسوده العدالة ويحكمه القانون، ومن اجل ان نستعيد تلك القيم والخصال التي كان يتمتع بها الموظف او المكلف بالخدمة العامة، وان نحرص على استعادة الأموال العراقية التي تم الاستحواذ عليها نتيجة الفساد وصفقات الفاسدين، هذه الخطوات لن تكون بمعزل عن مشاركة المواطن صاحب المصلحة الحقيقية في القضاء على بؤر الفساد، بالإضافة إلى مشاركة فاعلة من منظمات المجتمع المدني، فمثل هذه الخطوات لن تتمكن هيئة النزاهة او اللجان المكلفة مباشرة بتحقيق وتنفيذها، ولن تتمكن أيضا الحكومة بمفردها من تنفيذها ما لم تقترن عملية التنفيذ بمشاركة شعبية فعالة، من خلال التعاون والتنسيق ونشر الثقافة القانونية والوعي الشعبي، ومن خلال دعم الظواهر الايجابية وتشخيص السلبيات منها، ومن خلال تحديد معوقات خطط تنفيذ مكافحة الفساد بشكل صريح وصادق.
ان يتم الإعلان عن وسائل التنفيذ وتحديد المسؤوليات والبرامج الممكنة، التي تعكس لنا ناتج ومؤشر إيجابي يدلل على الشروع بعملية تطوير مكافحة الفساد وتقليص أنشطته ومكامنه، وتغليب المبادرات التي تعكس الوجه الايجابي للنزاهة.
“مكافحة الفساد لا تتم عن طريق الاستنكار والشجب ولا عن طريق الرفض والتمنيات، انما تكون تلك الخطوات بإعداد قانون يتبنى التشجيع على الأخبار وتقديم المعلومات والتعاون مع الجهات التحقيقية القضائية والرقابية لاستئصال تلك الآفة التي حلت في الجسد العراقي، وتوفير الحماية الجدية والحقيقية للشهود والمخبرين والضحايا والخبراء وتبسيط إجراءات الأخبار”
إن دراسة تعتمد على معطيات الواقع وتشخص بدقة مكامن الخلل التي تؤدي إلى انتشار ظاهرة الفساد ووجود الحاضنة المتناسبة مع خطورتها، وتحليل جوانبها الاجتماعية والاقتصادية، هذه الدراسة جديرة بأن تسهم في ترسيخ أسس تلك الخطوات التي يمكن أن تكون آلية لتنفيذ خطة مكافحة الفساد، ليس فقط في محاربة الفاسدين وإنزال العقوبات الشديدة بحقهم باعتبارها مقترنة بالظروف المشددة التي توجب تشديدها، وليس فقط في وسائل المراقبة والتدقيق، إنما تكمن في تلك التحليلات وترسيخ أسس الشعور بالمسؤولية والمواطنة الحقيقية، الشعور بالواجب الذي نص عليه الدستور.
المساهمة في رفع مستوى الوعي لدى المواطن من خلال مشاركة الأعلام بكل أجنحته، ومن خلال المشاركة الفعالة والجدية لمنظمات المجتمع المدني، وكذلك من خلال ثقافة الأحزاب الوطنية المعنية بتلك الإستراتيجية ونشر الوعي بشأن مخاطر الفساد وأهمية المشاركة المجتمعية في مكافحته، بمشاركة هيئة النزاهة التي تتقدم وتتصدى لهذه الظاهرة، باعتبار أن تلك الإستراتيجية لا تسهم في محاربة الفساد في الدولة، إنما تستأصل تلك الظاهرة من حياة المواطن، وبذلك فأنها ترسم تلك الخطط لضمان حياة للمواطن خالية من الفساد وبعيدة عن الخلل. وان تنسجم تلك الخطوات مع موقف إيجابي للقضاء العراقي لتطبيق العقوبات المشددة والمعلنة على الفاسدين، وان تكون سريعة ودقيقة تلتزم بها المحاكم المختصة بالنظر في قضايا الفاسدين.
هيئة النزاهة في العراق باعتبارها المكلفة وطنيا بمكافحة الفساد سعت مع كل الظروف الصعبة التي واجهتها وتواجهها، ومع كل المعوقات والعوائق التي تعترض عملها، فأنها تدرك جيدا أن عملية تنفيذ حملة جادة وشاملة ضد الفاسدين دون أي اعتبار لمراكزهم او مناصبهم او احزابهم، على أن تتم الاستفادة والإلمام بالتجارب التي مرت بها بلدان قبل العراق في هذا المجال، لما لتلك التجارب من فائدة وترصين للخطوات في مجال محاربة الفساد خبرة ودراية في مواجهة هذه الظاهرة، ان الخطوات الجادة في مكافحة الفساد لا تتم عن طريق الاستنكار والشجب ولا عن طريق الرفض والتمنيات، انما تكون تلك الخطوات بإعداد قانون يتبنى التشجيع على الأخبار وتقديم المعلومات والتعاون مع الجهات التحقيقية القضائية والرقابية لاستئصال تلك الآفة التي حلت في الجسد العراقي، وتوفير الحماية الجدية والحقيقية للشهود والمخبرين والضحايا والخبراء وتبسيط إجراءات الأخبار.
نعتقد أن تلك المهمة وطنية وضرورية يغلب عليها طابع الحرص على استغلال كل الدعم الذي تقدمه جميع مكونات المجتمع العراقي المطالبة بالقضاء على الفساد والفاسدين، وأول تلك الخطوات يتصدرها الوقاية من الفساد ومن ثم خطوات الحد من الظاهرة وتحجيم مداها وتشخيص الفاسدين والإسراع بالزام جميع العاملين بالدولة العراقية الكشف عن ذممهم المالية قبل الوظيفة وما بعدها، ومنح فرصة التخفيف بالعقوبة لمن يعيد المال العام او يعمل على استعادة اصوله، وبعد كل هذا لا نجد اكثر الخطوات التي تسهم بالقضاء على الظاهرة بإحالة الفاسدين، على المحاكم المختصة بعد ان يتخذ القضاء خطواته وقراراته بمنع سفرهم وحجز أموالهم .
ان يكون هناك انسجام في التنفيذ من قبل الجهات التنفيذية والتطبيق القانوني لنصوص القوانين دون أي اعتبار يميز المتهم سوى ما ينص عليه القانون من حقوق لضمان فاعلية الإجراءات والخطوات اللازمة للتنفيذ، وضرورة المراجعة الزمنية لتحديد ما تم انجازه وما تحقق من خطوات تسعى الإستراتيجية لتنفيذها عبر آليات التنفيذ، وتحديد المعوقات لتخطيها وإيجاد السبل والوسائل القانونية البديلة لإنجاحها وإيجاد التدابير المناسبة لحماية المخبرين وفقا للوسائل القانونية المعتمدة، وبما لا يخل بقانونية العملية . ندرك جيدا ان مماطلة في التنفيذ يمكن ان تحصل، كما ان إعاقة لمجريات التحقيق وسير العدالة ستحصل، وان سبل هروب المتهمين متوفرة غير اننا نتمسك بما يوفره القانون من خطوات تبدأ بالتحقيقات الأولية والقبض والتوقيف ومنع السفر وحجز الأموال المنقولة او غير المنقولة والاحكام الصادرة بحق ممن تتوفر الأدلة ضدهم، وتنتهي بالملاحقة القضائية وتفعيل خطوات الاسترداد. حاجتنا الى تلك الخطوات تزيد من قناعاتنا بجدية المطالبين بمكافحة الفساد وتخليص العراق من هذا الوباء عملية اصلاح النظام الاقتصادي والنهوض وفق الأسس الاقتصادية السليمة والحديثة، وبما يحقق خدمة المواطن العراقي الذي شبع من الضيم والظلم والإهمال والفقر، بالرغم من الموارد العظيمة والمتعددة التي ترفد هذا الاقتصاد، تعيقها أسباب بدت ظاهرة وملموسة حتى لمن لا يعرف بأسس الاقتصاد ودور القطاعات في عملية الإصلاح، من بين اهم تلك الأسباب مواجهة الهجمات الإرهابية التي استهدفت العراق وشعبه بالذات ودون غيره، والتي استنزفت من جسد العراق طيلة السنوات الماضية خسائر بشرية ومادية ومعنوية، وعرقلت عمليات الإصلاح التي ورثها من تركة النظام السابق، وفي ظل هذا السبب برزت ظاهرة الفساد في اكثر صورها بشاعة وانتشارا، لتترك آثارها عميقة وغائرة في جسد العراقيين وسمعة العراق الدولية، وكلا الظاهرتين بالرغم من نتائجهما السلبية وآثارهما التخريبية، يمكن معالجتهما في حال توفر النية الصادقة والايمان الحقيقي بان هذا الشعب يستحق أن يعيش بكرامة خصوصا بعد انتهاء حقبة الدكتاتوريات وجمهوريات الانقلابات العسكرية حياة كريمة تليق به بعد كل هذه التضحيات الكبيرة التي قدمها، وبالنظر للدراسات والأبحاث التي قدمها المختصون والمحللون حول ظاهرة الإرهاب وسبل القضاء عليه نهائيا، فإننا امام معضلة الفساد التي لا تقل خطورة وآذى من غيره من الأسباب، حيث لم يزل ينتشر متحديا الوسائل والسبل التي تدعو لمحاربته وايقافه عند حدوده. نسمع دوما تصريحات المسؤولين عن سير العملية السياسية العراقية أنهم ضد الفساد وبصدد اعتماد إستراتيجية وطنية مستمرة في مكافحة الفساد واجتثاث جذوره، إننا بحاجة ماسة لأن نلمس على ارض الواقع جدية مكافحة الفساد وفق أسس وخطط ثابتة وبعيدة المدى من أجل ضمان بناء مجتمع تسوده العدالة ويحكمه القانون، وهذه الأسس والمعايير لن تكون بمعزل عن مشاركة المواطن صاحب المصلحة الحقيقية في هذه الإستراتيجية. بالإضافة إلى مشاركة فاعلة من منظمات المجتمع المدني، فمثل هذه الإستراتيجية لن تتمكن هيئة النزاهة المكلفة مباشرة بتحقيق وتنفيذ هذه الاستراتيجية لوحدها، ولن تتمكن أيضا الحكومة بجميع أجهزتها التنفيذية من تنفيذها ما لم تقترن عملية التنفيذ بمشاركة شعبية فعالة، من خلال التعاون والتنسيق ونشر الثقافة القانونية والوعي المجتمعي، ومن خلال دعم الظواهر الايجابية وتشخيص السلبيات منها، ومن خلال تحديد معوقات خطط تنفيذ الإستراتيجية، ووسائل التنفيذ وتحديد المسؤوليات والبرامج الممكنة التي تعكس لنا ناتجا ومؤشرا إيجابيا، يدلل على الشروع بعملية تطوير مكافحة الفساد وتقليص أنشطته ومكامنه، وتغليب المبادرات التي تعكس الوجه الايجابي للنزاهة، والشروع بتوجيه ضربات قاصمة للفاسدين باعتماد الطرق القانونية وتشديد العقوبات، واللجوء إلى حجز أموالهم ومنع سفرهم، ومن ثم اصدار الاحكام المتناسبة مع فسادهم دون تأثير للدرجات الوظيفية أو الحزبية أو المناطقية، ودون مساومات هزيلة معهم على حساب مصلحة المجتمع وحرمة المال العام.
المحاور التي يرتكز عليها الأساس القانوني لمكافحة الفساد تكمن في الوقاية من الفساد، والثقافة والتدريب على تلك الشفافية في المكافحة والتصدي للفساد، وفي تشريع القوانين التي تسهم في تنفيذ تلك الإستراتيجية، وتنسيق الجهود بين كل المؤسسات والجهات المعنية بالمكافحة، وتنسيق الجهود الوطنية مع الجهود الدولية في سبيل ضمان فاعلية الإجراءات والخطوات اللازمة للتنفيذ، وضرورة المراجعة الزمنية لتحديد ما تم انجازه وما تحقق من خطوات تسعى الإستراتيجية لتنفيذها عبر آليات التنفيذ، وتحديد المعوقات لتخطيها وإيجاد السبل والوسائل القانونية البديلة لإنجاحها وإيجاد التدابير المناسبة لحماية المخبرين وفقا للوسائل القانونية المعتمدة، وبما لا يخل بقانونية العملية. إن التركيز على تنفيذ فقرات الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، يعد مسألة مهمة وتمهد التنفيذ الجاد والسريع، لكونها تبحث في إعاقة سير العدالة، والملاحقة والمقاضاة والجزاءات، والتجميد والحجز والمصادرة، وحماية الشهود والخبراء والضحايا، وحماية المبلغين والتعويض عن الضرر وغيرها من العناوين المهمة في هذا المجال، ونجد أن بحث تلك العناوين بما يتوفر من خبرة للمعنيين بمكافحة الفساد من العراقيين مهما كانت درجاتهم الوظيفية، وبما اكتسبوه من دراية وتجربة، خلال الندوات التي حضروها والمناهج التدريبية التي استفادوا منها، يمكن أن تنتج الخطوات الصحيحة على طريق تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في العراق، وأيضا نتاج لتنفيذ تلك السياسة التي تتمسك هيئة النزاهة في العراق بها، من خلال التنسيق والتعاون بين المنظمة الدولية الإنمائي ومع الشبكة العربية لمكافحة الفساد ومع الأكاديمية الماليزية المختصة في هذا الجانب، إننا نشعر بالحاجة إلى عراق معافى خالٍ من الفاسدين، ونطمح ان تعود قيم المجتمع العراقي الإيجابية باحتقار الفاسد، وعزله والوقاية منه، حتى لا ينشر مرضه ليصيب الآخرين .
“إننا بحاجة ماسة لأن نلمس على ارض الواقع جدية مكافحة الفساد وفق أسس وخطط ثابتة وبعيدة المدى من أجل ضمان بناء مجتمع تسوده العدالة ويحكمه القانون، وهذه الأسس والمعايير لن تكون بمعزل عن مشاركة المواطن صاحب المصلحة الحقيقية في هذه الإستراتيجية”
في ختام لقائنا مع القاضي المتقاعد زهير كاظم عبود نتمنى ومعه ان ترسو السفينة والسفنة والربان بسلام وطمأنينة في الميناء ، نودعه شاكرين له رحابة صدره في الإجابة على أسئلتنا،متمنين له الصحة والعافية وراحة البال.
الأندلس
2023