اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 5- 12- 2023
كتاب ( الفن التشكيلي العربي وأبرز مبدعيه) لــ ( محمد مهدي حميده) من مصر حصل على الجائزة الاولى للابداع الفكري والأدبي، التي هي من جوائز د. سعاد الصباح، كان قد صدر عن دار سعاد الصباح من دون تاريخ، وقد ورد في عنوان فرعي ( الفنانون العراقيون والأساليب الفنية السائدة:
– ” بإطلالة الخمسينيات من القرن العشرين أخذ عدد من الفنانين الذي درسوا في الخراج يعودون، وبرزت أسماء عدداً آخر من الفنانين الشباب، وفي الوقت نفسه نشطت حركة التجديد في الشعر العربي ببغداد على يد نازك الملائكة، بدر شاكر السياب، وعبدالوهاب البياتي، وسرعان ما أدت إلى ثورة أسلوبية في كتابة الشعر توازي الثورة الأسلوبية فى الفن. وتبادلت كلتا الثورتين المؤثرات والتفاعلات، وفي هذا الجو بقي رواد الأربعينيات في القرن العشرين على نشاطهم، من أمثال أكرم شكري، عطا صبري، حيث أدخل أكرم شكري طريقة إسالة الأصباغ بغزارة شبكية في رسم لوحاته، واسترسل عطا صبري في اختزال ألوان الطبيعة وتعريض خطوطها فيما رسم من مشاهد الطبيعة، مقتفيا أثر الانطباعيين، أما جواد سليم فكان اتجاهه منصبّاً على إلتقاط رموز المواضيع الشعبية لأنه أخضع الكثير من مفرداتها إلى رؤيته ويتعامل معها ببساطة واقتصاد وبإشارات موجزة وبرموز ذات دلالة وكان يبلور رؤيته للقيم والمفردات وللوحدات الزخرفية الإسلامية، وكان يجد في الأقواس شيئاً من النظام الكلّي للكون في شكل الدائرة، وكان يختزل الكثير من الملامح في الوجوه والأشخاص وفي الأشياء الطبيعية، ولقد كان التلاحم مع الحياة بشكل عالم جواد سليم لذلك حاول السير وفق ذلك الفهم وبحث عن علاقة ترابط روحية بين استلهامه للتاريخ العراقي القديم وطبيعة وأشكال العصر، وتدل تلك القدرة على وجود فنان عربي استطاع بحسه أن يعرض للفن في العراق بعض ملامحه.
وكان لمحمود صبري – من جماعة الرواد – تخطيط قوي جعله الأساس فيما يرسم من مشاهد الفقر والشظف والتمرد، مؤكدا الطريقة العراقية في الحياة، جاعلا منها صرخة عنيفة في وجه الظلم. أما شاكر حسن – من جماعة بغداد – فقد جمع في الخمسينات إلى حـسه الاجتماعي العنيف حسّاً مأساوياً، مع جمالية خاصة ربما أتته في فترة ما عن ( بول كلي) أو في فترة أخرى عن بعض الرسامين المكسيكيين، ثم تطور فنه فأدركته في أواسط الستينيات من القرن العشرين صوفية مؤمنة أقنعته بضرورة نوع من الفن التجريدي لا يناقض مشاعره الدينية، وهنا اشتد اهتمامه بما يسميه البعد الواحد الذي يستخدم من أجله الحرف العربي، وأقوى ما انتج شاكر حسن لوحات الخمسينيات التعبيرية، ورسومه التخطيطية لحكايات ألف ليلة وليلة. وانصرف خالد الجادر إلى بحثه بتكنيك انطباعي يستخدمه في تصوير واقع الناس، وواقع الطبيعة، لا سيما في الريف. وعلى طرف آخر من ذلك كله، حيث للمدينة سحرها التشكيلي نجد اتجاها تكعيبيا طاغيا في لوحات حافظ الدروبي، ويقاربه في هذا الاتجاه تلميذه ياسين شاكر الذي يحاول أن يحقق ذلك التوازن الصعب بين رؤيته الداخلية والعالم الخارجي، أما العالم الخارجي لديه فهو عالم بغداد نفسها، وتجربته متأصلة بجذور المدينة، تلك التي تتمثل في أوجه الحياة الشعبية فيها، ويراها جميعا على نحو تكعيبي كثيرة الألوان.
ولكن التطرف في عشق المدينة لذاتها، لاسيما أحيائها القديمة التي هـي في زوال سريع، نجده في لوحات ( لورنا سليم) التي رسمتها في الستينيات. وهناك ضرب آخر من الشاعرية، ضرب غنائی صرف نجده عند إسماعيل الشيخلي وعند إسماعيل فتاح نجد تراوحا بين التشبيه والتجريد في اللوحة الواحدة، مقيما بذلك الصلة بين الأجسام المستدقة التي يهواها كنحّات، وشفافية البياضات والزراقات التي يهواها كرسام. والمرأة العراقية في أنماط حياتها موضوع محبّب لدى الكثيرين لا سيما الرسامات كـ ( سميرة الصراف، لورنا سليم، ونزيهة سليم)، والأخيرة تأتي ملاحظتها عن حياة النساء وعاداتهن ملأى بالعطف في أسلوب يتوخى تبسيط الأشكال وملؤها أحيانا ببريق من الألوان. ومن الفنانين العراقيين أصحاب التجارب المتميزة الفنان سلمان عباس، صالح الجميعي، عامر العبيدي، حميد العطار، غازي السعودي، هاشم السمرجي، رافع الناصري، سالم الدباغ، إبراهيم زاير، مديحة عمر، وجميل حمودي الذي أدخل الحرف في تجريداته أيام كان في باريس منذ أوائل الخمسينيات. وعصام السعيد، سعد الكعبي، خضير الشكرجي، سعد الطائي، نزار سلیم، رسول علوان، طالب العلاق، ستار لقمان، محمد علي شاكر، فؤاد جهاد، غالب ناهي…… وغيرهم. ومن الفنانين الذين أكدوا حضورهم الفني فى الآونة الأخيرة: كاظم حیدر، ضياء العزاوي الذي- في أول الأمر- كان شديد التأثر بتشكيلات أستاذه فائق حسن، ثم بعد تعريجه على الموتيفات الإسلامية، وولعه بالأساليب السـومرية”.
وللدكتور محمد حسين آل ياسين كتاباً فيه مجموعة شعرية ترجمة سعد الحسني ومراجعة د. محمد درويش، صدر عن دار المأمون للترجمة والنشر ببغداد عام 2010، وجزء من الشعر الذي ورد في الكتاب ما يلي:
– ” شكوى مكلوم ([1])
أأبقى رهين الأسى معتقل أحل مع المشتكى حيث حل
مللت حياتي وايامها واقتل ما في الحياة الملل
فلا فائت من هنا كي اعيش عليه، ولا قادم يُقتبل
سؤال يلحُ على خاطري وما اضيع الفـطر إما سأل
لماذا اعيش وفيم الحياة وكيف اموت وانى وهل؟
وقد كنت قبلا اعلل نفسي وقد تقنع المرء بعض العلل
فان بت احسو مرارة كأس وجدت مرارتها كالعسل
وان امل ضاع بالامس مني تجدد من حال يومي امل
وان راح قلبي يشكو الفراغ تعلق ريح الصبا فانشغل
ولكن حياتي تلاشت سدى ممزقة بالاسى والكسل
وصرت اراها خلواً ولهواً وكانت معرسة بالعـمل
واذ كنت اخشى بها عطلة رجعت ارى كل عمري عطل.
الجسد المضطرم
شعر مجنون الخصلات
يتطاير كالموج العاتي
عيون.. ظامئة.. فيها
تاريخ الماضي والآتي
عطشى.. تصرخ فيها الشهو
أين النجدة.. أين النخر
لتقبل أرجل ساقيها
وفم.. الصمت به صخب
والعسل الذائب نيران
واللون الأحمر.. يا لهب
والرعشة في الشفة الحيرى
تدعو للثم بلا دعوة”.
وللاستاذ عبد المنعم الاعسم كتاب بعنوان ( انتباهات في التراث) من تقديم خالد القشطيني بطبعته الاولى في العام 1999، الذي كان من سلسلة نوافذ وناشرها وكالة الصحافة العربية- مصر، والذي ورد في عنوان فرعي ( دفاع عن هولاكو):
– ” اجمعت المنقولات التاريخية عن احداث العراق في القرن السابع الهجري ( الثالث عشر الميلادي) على أن بغداد اغرقت في العام ۱۲٥٨م في بحيرة من الدماء غداة احتلالها على يد هولاكو، وقد فقدت في متوسط تقديرات المؤرخين ثمانمائة الف من السكان، غالبيتهم من جند آخر الخلفاء العباسيين المعتصم بالله وافراد من الأسرة وحاشيتها والمدافعين عنها، فضلاً عن أهالي المدينة الذين راحوا ضحية هوس المغول بالتنكيل كإشارة يثيرون بإسمها الرعب والخوف بين اعدائهم من العرب والفرس والأتراك والروم والمماليك. واذ إتفق الرواة على بشاعة ايام الاحتلال الثمانية التي شهدتها بغداد خلال المعارك الشرسة بين القوات المغولية الجامحة وجيش الخلافة العباسية المترنحة، فإنهم اختلفوا في نقل واقعة إتلاف الكتب والمجلدات النفسية التي ضمتها خزائن ومكتبات بغداد بين من انكر الاتلاف تماماً أو تجاهل الإشارة اليه وبين من بالغ في تصويره أو تخبط في نقل وقائعه، الامر الذي يحمل على الاعتقاد بأن ثمة تعسف اواستطراد في الوصف وقعت فيه العديد من التحقيقات.. تعسف تخطى حدود الأمانة وعم بعض بصائر الكتابة والتأليف، نقلاً- أغلب الظن- عن افراد من الأسرة العباسية وبغداديين نجوا من مذابح طاولت سكان من بغداد و بلغوا شمال افريقيا، آنذاك، ليرووا ما حدث بزيادة في التبشيع، الأمر الذي يفسر انتشار روايات إتلاف الكتب واحراقها واغراقها بين مؤرخين في مصر والمغرب ( القلقشندي وابن خلدون) ورواة لاحقين استندوا إليهم، تجاهلها او ذكرها عرضا- كما هي في الواقع- لدى شهود مرحلة الاحتلال وسنواتها مثل الطوسي وابن الفوطي وغيرهما، ولم يكن ليطعن فيما رواه عيون تلك المرحلة وشهودها بزعم أنهم كانوا مضطرين الى مجاراة المغول القابضين على زمام المدينة فقد سجلوا بالكثير من مؤلفاتهم- كما هو الفوطي- صور من المذابح التي اوقعها المحتلون بسكان المدينة واحصى العديد منهم الخسارات التي لحقت بالأرواح والممتلكات والعوائد. ويحسن هنا أن نتملى ما نقله مؤرخون ورواة سجلوا واقعة إتلاف الكتب على يد هولاكو بالكثير من المبلاغة فقد أشار ابن الساعي الى ان المغول بنوا اسطبلات الخيول وطولات المعالف بكتب عوضاً عن اللبن واكتفى ابن خلدون بالقول: ” القيت كتب العلم التي كانت بخزائن العباسيين الى دجلة”. وقال القلقشندي: ” ذهبت خزائن كتب الخلفاء فيما ذهب، وذهبت معالمها واعفيت آثارها”. واكتفى ابن الاتابكي بالقول: ” انها احرقت”. وذهب ابن المغول الى المحتلين: ” بنوا بـ ( الكتب) جسراً من الطين والماء بدلاً من الآجر”. ولكنه اضاف: ” وقيل غير ذلك”. وكتب قطب الدين النهرواني ما يرقى الى التخيل الذي لا يصدقه العقل بالقول: ” رموا كتب بغداد في الفرات وكانت الكثير منها جسراً يمرون عليه ركباناً ومشـاة، وتغير لون الماء بمداد الكتابة الى السواد”.
[1] – نشرت في جريدة البلد” في العدد (911) من السنة الرابعة الصادر في 31/5/1967. ونشرت في “الأمل الظمآن” 1968.