د. توفيق رفيق آلتونچي
المطبخ الشرقي متميز من حيث إعداد وتهيئة الى طبخ المأكولات وتلك عملية اقل ما توصف بانها إبداعية تحولت بالتراكمية الزمنية من تراث الشعوب الى جزء من الموروث الثقافي للمنطقة باكملها لشعوب . لكل وجبة غذائية سمة خاصة بها وتعكس ذوق الناس وشهيتهم للطعام. دول الشرق تتألف من مزيج من ثقافات أمم كونت بوتقة تاريخية اثنية بألوان طيف شعاع الشمس، غنية وتعددية. فلكل زمن طبق اكلة لها صفاتها من محتوى أي مكونات، طريقة و أسلوب تحضير وأدوات وطبعا وصفة خاصة من بهارات ودهون يستخدمها ذلك القوم وربما لا يستسيغها اخر. ومع كل وجبة ذكريات كما لكل زمن ملك وحاكم.
سأحاول في مادتي هذه ان اقوم ومعكم بسفرعبر ثقافات منطقة جغرافية غنية من الناحية الثقافية واعني سهل گرميان منطلقا من العاصمة الثقافية للمنطقة واعني مدينة كركوك. اود ان اذكر القارئ الكريم ان مادتي هذه تعود بحوادثها الى ما يقارب النصف قرن خلت والكثير قد تغير منذ خمسون عاما ، كما تعلمون.
قارئي العزيز، اتذكر قبل اكثر من نصف قرن من الزمان لم نكن لنتمكن من شراء الكثير من الخضروات والفواكه في فصل الشتاء وكل ذلك كان موسميا أي تجد الطماطم والشجر (الکوسه) والباذنجان و البامية فقط في موسمها. أما اليوم ومع التطورات الهائلة في مجال التقنية و الزراعة وعلى جميع الأصعدة بات كل شيء متوفر طوال أيام السنة. ربما تنوع الطعام ادى الى تطور البشر وتوسيع مدى تفكيرهم. كان هذا التطور نتيجة لتنوع مصادر الطعام وتنوع محتوياته في العصر الحديث. ما ادى الى تطور العقل البشري و الى التقدم العلمي والتقني والفكري الكبير وفي كافة المجالات في عصرنا هذا.
المطبخ والأكلات تختلف باختلاف الشعوب والبيئة وثقافاتها. الحديث عن المطابخ والمأكولات ذو شجون وخاصة لنا نحن معشر الرجال من العراقيين والشرقيين بصورة عامة. وليس من الغريب ان نلاحظ ان معظم مطابخ المطاعم العالم يديرها طباخون مهرة وقد كان للملوك طباخون يديرون شؤون مطابخهم الكبيرة وقد التقيت برجل كهل يدير مطعما صغيرا في حي ” چان قايه” بشارع الشمس بالعاصمة أنقرة في بداية السبعينات حينما كنت لازلت مستمرا بدراستي الجامعية هناك. كان هذا الرجل الكهل وزوجته يديران ذلك المطعم الصغير وكان ميالا للصحبة والحديث الشيق فحدثني يوما عن ذكرياته في بغداد وكيف انه كان طباخا في مطابخ العائلة المالكة العراقية رحمه الله عليهم جميعا ولكن كل ما أتذكره عن هذا الرجل انه وهو يعيد تلكم الذكريات كان ينتابه نشوة وفرح كبيرين وارى الدموع في عيناه الزرقاوان.
كنت في حديث ذو شجون مع الكاتب العراقي الجليل الأستاذ إبراهيم احمد عن هموم المهاجر العراقي في دول المنافي فذكرني في مجري الحديث عن المطبخ الكركوكي ومزاياه الخاصة في إعداد الأطعمة والمعجنات حيث اشتهرت السيدة الكركوكية في الوصفة الخاصة في إعدادها لاكلة البامية و الباچة العراقية و دولمة السلق وكذلك بتتبيل الأكل بالسماگ لإعطائها نكهة غريبة ولون متميزا وقد تكون سيدة البيت الكركوكية ليست وحيدة في إعدادها المتميز للأطعمة والأكلات. لكن السيدة الگرميانية ، اعتقد جازما انها قد جمعت وصفات أطعمة شعوب المنطقة التراثية في ذاكرتها فأجادت خير إجادة في الطبخ وإعداد الأطعمة، فسلاما إليها وتحية.
كما أسلفت فان المطبخ قد يكون من ألاماكن الأكثر تفضيلا لدى البشر واني لأتذكر والدتي رحمة الله عليها حين كانت تأبى ان تجلس معنا حول المائدة مفضلة مراقبتنا وجلب المزيد من الطعام وكان تلك المهمة النبيلة مفخرة لها ولا ترضى احد سواها بالقيام بتلك المهمة النبيلة حتى بعد ان كبرنا وشد عودنا بقت تلك السيدة الجليلة على عادتها رغم ان عدد الجالسين حول المائدة ازدادوا من أحفادها الصغار.
لا ريب ان تلك السيدة التي جمعت ثقافة والدتها العربية وأبيها الكوردي الامير الزندي في مجتمع تعددي ثقافي واثني انعكس على مجمل العلاقات العائلية في بيت كركوكي كنا نتكلم التوركمانية والكوردية والعربية ولا زلنا. ان مجرد الحديث عن الأم سيدة قلوبنا وحاملة همومنا والصابرة على عوادي الزمن حديث ذو شجون يوقظ في النفس ذكريات لحوادث مر عليها الزمان دون ان يوثقها وقد كانت مناسبة الحديث عن المطبخ الكرمياني مناسبة رائعة لذكرى تلك السيدة النبيلة فسلاما الى روحها الطاهرة. ان كتابتي هذه تعود بذاكرتي الى اكثر من خمسة عقود حيث تركت المدينة، كركوك اوسط عام 1968 ولا ريب ان المدن تنمو والحوار الحضاري بين أبنائها يتعمق وقد تكون هنك صورة اخرى اليوم غير تلك التي أوصفها ها هنا.
كان أباطرة النمسا يولون اهتماماً خاصا بالمطابخ لما هناك من أهمية كبيرة للجلسات العائلية والرسمية والمناسبات من أهمية في التقاليد الأرستقراطية الملكية وكان الطباخ عادة من المجريين (هنغاريا- المجر) فهم بارعون في الطبخ وإدارة المطابخ وإعداد الموائد وليس من الغريب ان تشاهد ذلك الزخم الكبير من المطاعم والمقاهي في فينا حيث هناك احياء خصصت للمطاعم حيث النبيذ النمساوي المشهور يقدم كما كان يقدم ايام عز الإمبراطورية النمساوية والهرسك من قلب عاصمة اوربا و اكلات حوض البحر الأبيض المتوسط من نواشف، مزه ولحوم سمك والحيوانات البحرية.
عودة اخرى الى مدينة العذابات كركوك هنا في المدينة والقرى الموجودة في كرميان (سهل كركوك) نادرا ما تجد السمك في المطابخ او حتى في المطاعم. حيث ياكل في المناسبات ولم اجد تقليد لأكل السمك رغم كثرة الانهار وغزارة السمك فيها في عموم المنطقة بين نهري سيروان والزاب كما وجدتها مثلا في البصرة او حتى نراه في بغداد حيث شارع ابى نواس تيمنا بشاعر الخلفاء العباسين ونديمهم فهذا الشارع الممتد على طول ساحل دجلة الخالد يحفل بمطاعم السمك “المسكوف” او كانت كذلك.
كما كنت قد ذكرت لكم سابقا قارئي الكريم، ان المطاعم يديرها الطباخون من الرجال وفي الفترة الأخيرة شاهدت وجود بعض السيدات ممن تديرن المطاعم خاصة في اقليم كوردستان. فمن النادر ان تجد مطعما في عموم مدن العراق تديرها احدى السيدات كما نراها هنا في اوربا مثلا وقد تكون ذلك سمة لمجمل مطاعم مدن العراق، اما الأكلات المقدمة في تلكم المطاعم فتكون بصورة عامة من النواشف (المزه) والكباب والگص والدجاج والسلطات بانواعها والطرشي وتقدم النوادي المهنية والثقافية تقريبا نفس النوعية من الأطباق ونادرا ما نجد مطعما يقدم لزبائنه أكلات من النوع الذي كان يقدمة مطعم ابن سمينة وأبنائه من بعده في بغداد او مطاعم كربلاء من تشريب والفاصوليا والشجر والباذنجان واللحوم المطبوخة، اما مطاعم النواشف فقد كانت كثيرة اذكر منها سندويش ” نوزاد ” وحلويات ” حسن نجم” حيث كانا يقدمان السلطات واكلات البسيطة والحلويات ومع افتتاح ” نوزاد اوجي” واخوانه لسينما صلاح الدين في شارع الجمهورية في بداية الستينيات بدا حركة تجارية نشطة في هذا الشارع بعد ان كان شارع أطلس وشارع الأوقاف والمجيدية بسوقها العصري مراكز تجارية وبد بالظهور مقاهي عصرية كتلك المسماة مقهى “النصر المدورة” (جماعة كركوك الادبية) حيث كان هذا المقهى يقدم الشاي بالحليب والببسي كولا بخمسين فلسا وكان ذلك غاليا في تلك الايام بالمقارنه مع اسعارها في المقاهي الشعبية كالمجيدية واحمد اغا وجوت قهوة ذو الشهرة الواسعة كملتقى للمثقفين والشعراء في كركوك وكما تدل تسمية المقهى من التركمانية انها كانت مؤلفة من الجمع بين قهوتين متلاصقتين وتحويلها الى مقهى واحد وكان من روادها شاعر كركوك الكبير هجري ده ده الكاكائي قبل ان تهمل وتترك للنفايات، وانتقل محلات الاورزدي باك من بنايته القديمة والواقعة قرب بهو الضباط الى شارع الجمهورية وبوشر في السبعينات ببناء مجمع تجاري باسم ابي حنيفة النعمان وتحول هذا الشارع الى ملتقى للشباب الهاربين من ضجر الأيام والتنزه في أزقة حي عرفة العصري ثم تم بناء الاسواق المركزية على ساحل كورنيش نهر الخاصة (الأدهم) الجاف.
هذه المطاعم يضاف اليها مجموعة من الباعة المتجولون يبيعون كل شئ يوكل تقريبا من حمص “لبلبي” وشلغم والتكة والمعلاق وانواع الحلويات والعلوجة والشروب والشربت بانواعه والصبيان يبيعون الكريم ستي والجلورة السليمانية ” جلوري سيد غريب” وعربات الدوندرمة والسندويش.
المطبخ ألبيتي تبقى فيها المراة سيدة وملكة متوجة على هذا العرش لا تتنازل عنها مدى الدهر فالطبخ عزيزي القارئ شغف وهواية وفن ووسيلة تسلية وقتل للوقت وتتفنن ربة البيت الكركوكية في اعداد الأطعمة الشهية وقد تبقى هي وصديقاتها ليوم بالكامل تعدن الطنجرة الكبيرة لاكلة الدولمه الكركوكية الشهيرة حيث يحشى الباذنجان والشجر (كوسة) والخيار والبطاطه والبصل والطماطم والسلق وورق العنب واللهانه “الملفوف” في حفل منوع منها الخضراوات اليابسة في فصل الشتاء والأخضر في فصل الربيع والصيف وقلما وجدت في المطابخ الأخرى هذا التنوع الكبير في اكلة الدولمة وقد تكون النسوة الكركوكيات اكتشفن بان ليس هناك شئ يؤكل ولا تستطعن حشوها بالرز والبهارات واللحم المثروم وبقايا حشو الباذنجان والطماطم والكوسة وقد تكون السيدة التركمانية فنانة في طبخها الدولمة لا يجاريها احد في ذلك فقد تقوم بإضافة الحامض الى الحشو كاليمون دوزي وتتفنن احيانا وتضيف اليها رحيق السماگ بعد غلية. اما الطبقة السفلى من الطنجره فيسمى ب (قزان ديبي، بن كر) تلك المجموعة من بقايا الخضراوات والسلق الكركوكي المشهور توضع في قعر الطنجرة وقد يكون المرء مقتدرا ماديا فيضع شيئا من لحم الخروف وخاصة الأضلاع في قعر الطنجره وقد وجدت عدد من النسوة ممن يضعن لحم الدجاج ، فلم أستسيغها.
المسواگ،اي التسوق لطبخة اليوم. كانت السيدة الكركوكية تولي يوميا اهتماما خاصا وذلك في اختيار الخضروات الطازجة والمواد التي تدخل ضمن طبخة ذلك اليوم. كانت تشتري تلك المواد من احدى أسواق كركوك الشهيرة واقصد سوق قورية القديم حيث محلات اعتاد اهلنا في كركوك لتبضع فيها والتحول الى”معميل” اي زبون دائمي عند بعض المحلات. وربما كانت برفقتها احد أولادها لمساعدتها في حمل الحاجيات. اما في الصباحات فعادة كان احد أبنائها يتجه تحو الفرن القريب من البيت لشراء الخبز وربما الصمون الاوتماتيكي الذي ظهر فجأة كمنافس للخبز الشرقي والصمون العراقي في منتصف الستينات وقد يشتري بعض الكاهي والبورگ والگيمر. قائمة الأكلات الكركوكية طويلة اذكر بعضا منها:
( سولي كبابي ) وتحظر من أضلاع الخروف حيث يقلى في الزيت بعد غليه و يستعمل ماء اللحم ليصب على الخبز الثريد وتوضع على الطبق اللبن والثوم والبهارات. وقد كان والدي رحمة الله عليه يحدثني عن ضيف له قادم من بغداد حين دعاه الى اكل تلك الاكلة الكركوكية. حين حظر الطعام ابى الرجل ان ياكل وجبة الطعام المقدمة له انتظار بوصول الكباب الذي كان يتصور على شاكلة كباب مطاعم بغداد ك” كباب ولبن اربيل” في منطقة طوب ابو خزامه, الميدان في مركز بغداد.
اما اكلة (امام بايلدي) فيتم تحضيرها بقلي الكوسة ” قباغ -كولكه” واضافة اللبن والثوم اليه ومن الأكلات الكركوكية اكلة “الشيخ محشي” وتشبه الدولمة ولكن يستعاض من الرز في الحشو باللحم المثروم حيث يفرخ بطن الباذنجان ويملى باللحم المثروم وبعض التوابل و”البادم ” او الصنوبر ويربط باحكام بالكرفز، وهناك اكلات اخرى ك:
تبسي، ممبار، اشي سلق ، قالدرقوي، اشي باميه، كروان اشي، ترخينه، قوري فاصوليا، لوبيا، برياني، باجة (كله و پي) والباجة كما ذكرت من الطبخات المشهورة ولذيذة وذو تنوع في التركيب والحشو قلما نلتقي بمثيله في المدن العراقية الأخرى حتى ولو عند باجة “حاتي” البغدادية، واكلات كثيرة اخرى ك قره خرمان ، دوگمة ، برغل بيلاوي، تاوغ شورباسي ، چل فراي ، بتيته جاب ، بطاطا اشي والكبة بانواعها وكبة الموصل وكبة الحامض مع شوربة السلق مع الشلغم والحمص واكلات كثيرة اخرى.
ان المائدة الكركوكية كمثيلاتها في معظم أنحاء العراق تتزين بأطيب وأشهى المأكولات في مواسم الأعياد والمناسبات الدينية والحفلات فمسيحيي كركوك كان لهم أيام أعيادهم موائد خاصة يعرفها من كان له جار مسيحي في أحياء مثل عرفة والماس وشاطرلو وطريق بغداد.
تجدر الإشارة ها هنا بان شهر رمضان من الأشهر التي تكون فيها ربة البيت مشغولة تماما بشؤون المطبخ في تحضير الوجبات الخاصة بهذا الشهر الكريم من سلطات ونواشف وشوربة العدس والشفته والكفته و گالن بودي وحلويات الشهر الكريم الزلابيه والكوبمه ولا يغيب التمر من مائدة الإفطار ابدا كسنه نبوية، ثم تأتي الأكلات حسب موسم حلول الشهر الكريم. لصباح اليوم الأول من العيد السعيد مائدة خاصة تحضر بمجرد عودة كبير العائلة من المسجد بعد أدائه لصلاة العيد وقد يكون هذا التقليد خاص بعيد الفطر اذ يفطر الذي اقام الشهر لأول مرة صباح العيد وتكون الوجبات عادة حلوة كطبق اكلة ” لتكة ـ قيسي ” وهي طبخة من فاكهة المشمش اليابس ولحم العجل مع الرز الذي يحلى بكل ما حلى من لوز وكشمش ولحوم وشعرية حيث تزين بها قمة صحن الرز ، وهذا التقليد يؤخذ به في عيد الأضحى كذلك ، اما “الهريسه” فتعتبر من أكلات المناسبات الدينية كعاشوراء وقد يكون الحلوى الذي يتم إعداده من الطحين والصنوبر كمثيلتها الهريسة توزع على الناس كصدقة تصدقها صاحبها لوفاء نذر نذره احدهم وتحقق طلبة بمشيئة الرحمن.
القروي القاطن في ربوع ريف گرميان- سهل كركوك نكهة خاصة، خاصة اذا عرفنا بان الناس كانوا كرماء على سجيتهم من البساطة رغم الفقر. كان اذا حل الحضري ضيفا عليهم قاموا فورا بذبح الخرفان او الدجاج او الوز او الفسيفس ( على شيش) على شرف الزائر كل حسب مقدرته الاقتصادية، ونادرا ما يذبح القروي الدواجن حيث كان لحوم الدواجن من مأكولات الأغنياء.
الرز كان أيضا من أطباق الأغنياء وان لتحضير الرز في كركوك نكهة خاصة وقد تكون احد عابري السبيل ويتصادف ذلك وقت الظهيرة فتشم رائحة الدهن الحر( الزيت الحيواني) الذي يصب بعد غلية على طنجره التمن (الرز) فتعط رائحتها الحي بالكامل ويطيب اكلها مع خبز حار من تلك التي يخبزها النسوة الكركوكيات في التنور الطيني الفخاري الكبير وهي على نوعين” ماده ،_كوليره”
خبز التنور
ويكون صغيرا نوعا ما وثخين ويوضع “الكندج السمسم” عليه و يشبة الخبز التركي المسمى ب (بيدة ) والنوع الآخر رقيق وكبير( لواشه) كتلك التي كانت تخبز في مخابز الكاظمية والنجف وكربلاء والكوفة وهي بالتأكيد قادم من إيران اما ” ناني ساج -ناني تيري” فقد كان من سمات الخبز الريفي ونادرا ما كانت عائلة في الحظر تخبز تلك الرقائق الخفيفة على ( ساج ) وهو صحيفة معدنية رقيقة دائرية مقعرة توضع على نار الحطب المشتعلة وثم تفتح العجين ” كونده ” على شكل رقائق بواسطة عصا خشبية تسمى ب “تيروك”ويتم تجفيف هذه الرقائق لتؤكل بعد ذلك بعد رشها بالماء. من خبز التنور الى تلك التشكيلة الفريدة من نوعها من حلويات ومعجنات امم الشرق التي تلتقي في هذه البقعة من الأرض ونبدأ من الكليچة “كولچة” التي كانت محصورة تحضيرها على مواسم الأعياد نظرا لغلاء محتوياتها من الحشو على ميزانية العائلية الكركوكية قبل أربعون عاما ولكن مع مرور الزمن وتحسن الحالة المعاشة للناس بدأت الكوليچة تتحول الى وجبة حلى بين قائمة الماكولات اليومية . رغم وجود اشكال كثيرة للمعجنات البيتية تبقى الكوليچة ملكة متوجة وسائدة في معظم البيوت العراقية ولتحضيرها قبل العيد طقوس حيث تتجمع النسوة بالتناوب يوما عند بنت العم واخر عند بنت الخال واخر في بيت الجيران حيث للجار في مدينة كركوك أهمية كبيرة واحترام وحقوق تتجاوز أحيانا كثيرة حقوق القرابة والنسب.
يتم تحضير خميرة الكليچة كعجينة الخبز ولكن يضاف الية العطور والهيل والدارسين والسمن وتعجن بصورة جيدة والحشو مختلف كثيرا بين الجوز والفستق وجوز الهند والتمر العراقي والسكر وبهارات خاصة ب الكليچة. وكما ذكرت تتجمع النسوة و تتبارن في حشو عجين الكليچة وإعطائها شكل جميلا وبمختلف الأحجام ثم توضع وترتب في صواني كبيرة تؤخذ بعد ذلك الى اقرب فرن للخبز بعد ان تمسح بالفرشاة متكون من البيض والماء. هنا تجدر الإشارة الى ان العديد من العوائل الفقيرة كانت تعمل صينيه من الكليچة ومن العجين المتبقي يحظر “الدرناغلي” وهي على شكل أقراص دائرية صغيره يستعمل اسفل الكوب(القعر) او القدح لقطع العجين المفتوح على “الدرخونة” وهي قطعة خشبية دائرية كبيرة يسرح العجين عليها وقد يستعمل بعض الأشكال الخشبية او المعدنية في تزين العجين واعطائه شكلا جميلا.
للحلويات والبقلاوة محلات خاصة اذكر محلات حلويات حسن نجم في شارع اطلس هنا تلتقي بتشكيلة رائعة من حلويات الشرق كالبقلاوه بأنواعها والبورمه والزلابيه والبورگ والبقصم، “الشكرلمه” و چورگ ويكون يابسا تحلو اكله مع قدح من الشاي والكلمة اذرية قديمة حيث يطلق على الخبز هذه التسمية لحد يومنا هذا في اذربيجان ولقمة القاضي و”كوپمة” وهي من الحلويات الرمضانية حيث تحضر في مطابخ البيوت كذلك.
هذا التنوع في المائدة الكركوكية وهي سمة عامة في المنطقة الجغرافية المسمات بگرميان نتيجة من نتائج التعدد الثقافي والاثني والتاريخ المشترك للشعوب والأمم التي سكنت وتسكن جنبا الى جنب في حوار سلمي و حضاري.
تبقى مأكولات الشعوب سمة من سمات ثقافاتها والشرق مزيج ثقافات امم كونت بوتقة تاريخية اثنية كطيف شعاع الشمس، غنية بكل الألوان الطيف.
تحية حب وتقدير للأيادي الغالية لنسوة گرميان ومن جميع القوميات اللاتي حملن كل تلكم التقاليد ليتوارثها جيل بعد جيل أبنائهم وبناتهم وأحفادهم ليدخلن البهجة والسرور الى العائلة فسلاما اينما كن وتواجدن ملئها المحبة والوفاء.
إشارات:
* مسميات الأكلات باللغة الكوردية والتركمانية وتركت الأسماء للأكلات على حالها وهناك بعض التسميات العربية والسريانية والفارسية والإنكليزية.