كركوك – فراس الحمداني
مرة أخرى مع البقالة المتجولة (كريمة كريم ) واعاود اللقاء بها بعد ان التقيتها سابقاً حيث كنت قد كتبت : كعادتي.. اخرج للبحث عن مادة صحفية دسمة !.. وكعادتي أيضا أكون قد جهزت وأعددت أكثر من مادة جاهزة للنشر ولكنني ودون سابق ترتيب وجدت نفسي أمام هذه الظاهرة التي تستحق الوقوف أمامها وتسليط الضوء عليها لتتصدر ما في حقيبتي من مواد وموضوعات. وبعد .. فهذا الذي أقدمه لقرائي (مرة أخرى) هي قضية حقيقة عن امرأة عراقية قلت عنها يوماً بأنها (صراع مع الواقع من اجل البقاء) ولذلك لم اسمح للخيال أو الحبكة الصحفية أن يأخذا دورهما فيها كما في مواد وموضوعات أخرى.. وأرجو أن يحقق نشرها الفائدة والعبرة والعضة , أن الحلم الذي تنام وتصحو علية هذه المرأة العراقية هو كسب رزقها وقوتها اليومي وسد رمق أطفالها الذين بانتظارها والحمد الله فقد استجاب الله سبحانه وتعالى لدعائها وحقق لها حلمها في تامين مستوى أفضل للمعيشة من خلال العمل الشريف وبارك في رزقها ونَماه لها فحمدته وشكرته بكرة وعشيا لذا وجدت أن تجربتها تستفز أفكاري لتتصدرها في النشر للعبرة والفائدة والاتعاض وللفخر بالمراءة العراقية المثابرة .
أستوقفتها في الطريق فأستقبلتني بابتسامة أم حنونة وقالت (تفضل وليدي) وكل ظنها إنني سأبتاع منها شيئا وعندما عرفتها بنفسي ونيتي بإجراء هذا الحوار معها استوجست خيفة بعض الشيء لكنها وافقت بعد ان قلت لها إننا نريد من كل امرأة تطلب الرزق الشريف إن تقتدي بتجربتك من خلال نشرنا لهذا الموضوع وابتدئتها بالسؤال والاستفسار .
{ (أم زمان) اسم معروف لدى الكثير من العوائل التي تبتاع الفواكه والخضر منك فمن هي (أم زمان ) بتعريفها لنفسها ؟
– اسمي كريمة كريم حمودي والناس يعرفونني (بأم زمان) وانأ أم لستة أطفال ثلاثة منهم أولاد وثلاثة بنات وكبيرهم ولدي زمان وهو لازال طالبا احرص على ان يكمل دراسته.
{ منذ متى وأنت تمارسين هذه المهنة وكيف تقومين بذلك؟
– إنا أمارس مهنة البقالة المتجولة منذ أكثر من ثلاث سنوات حيث انهض في الصباح الباكر قبل شروق الشمس وأتوجه إلى العلوة الشعبية واتبضع الفواكه والخضر ثم اعود الى المناطق التي يقطنها (معاميلي) الذين لا يشترون من غيري ويعاتبونني إذا تأخرت عليهم يوما.
{ وهل تواجهين المصاعب في عملك خصوصا وانت تقودين هذه العربة والحصان لمسافات بعيدة ؟
– لا يوجد عمل يخلو من المتاعب لكن هذا لايعني إنني اشتكي من عملي والدنيا مازالت بخير فأهل الحلال يساعدونني في تخطي الصعاب والحمد لله.
– ليست جاهلة فهي قد تخرجت من المتوسطة ودرست في معهد المعلمات إلى المرحلة الثانية إلا إن ظروفها الخاصة دفعتها للخوض في هذا المعترك الذي تفتخر به .. فبينما انساقت بعض النساء اللواتي مررن بظروف مشابهة إلى الاستجداء وطرق الرذيلة راحت (أم زمان) تكسب لقمتها وقوت يومها ورزق أطفالها بعرق جبينها وبعمل شريف يحفظ لها كرامتها.
علاقة طيبة
{ ماهي طبيعة علاقتك بأهل البيوت التي تبتاع منك؟
– إن طبيعة علاقتي بأهل البيوت الذين يشترون مني وتحديدا ربات البيوت علاقتي طيبة وجيدة جدا فهن يثقن بي كثيرا وانأ أثق بهن كثيرا وأحيانا أبيع لهن بالدين وأحيانا أبيع بالدين لنساء لااعرفهن لكنني اعرف فقط بيوتهم وبعضهن يتحاسبن معي أسبوعيا أو شهريا ومنهن من تطلب مني فواكه أو خضراوات بشكل خصوصي مما يوفر عليها النزول للسوق كما ان التقارب الفكري بيننا في مجال التبضع للمطبخ كبير جدا كوننا نساء ونفهم بعضنا اكثر .
{ وهل تجدين العمل صعباً على النساء أوقد يكون مقتصرا على الرجال نوعا ما؟
– على العكس تماما فالمراءة لا تقل أهمية عن الرجل وتستطيع المرأة بإرادتها وتصميمها ممارسة العمل للكسب والعيش بكرامة دون العازة والحاجة للغير وقد ربيت أولادي على الكرامة وعزت النفس واحترام العمل والرزق الحلال والكسب بعرق الجبين.
{ ماالذي دفعك للخوض في هذا المعترك؟
– إنا ومنذ صغري تعودت على العمل حيث إنني منذ نعومة أظافري وانأ اعمل وسبق أن درست بعد المتوسطة في معهد المعلمات إلى المرحلة الثانية ولكن شاءت الظروف أن اترك الدراسة وأتوجه للعمل لمساعدة عائلتي وبعد زواجي بفترة تعرض زوجي إلى وعكة صحية أقعدته عن العمل صريعا مستسلما للفراش المرض لا حول له ولا قوة .. مما حفز لدي هاجس العمل ثانية حيث إن مسؤولية إعالة الأسرة لاتقتصر على الرجال فقط فالمرأة أيضا تتحمل جزءا من هذا الواجب كي لاتتفكك الأســــــــرة وتتعرض للضياع وانأ فخــــــــورة بهذه المسؤولية وتكفي ابتسامة أطفالي التي يستقــــــبلوني بها عند عودتي بإن تغنيني عن كنوز الدنيا وراحتها حيث أحس بأهمية عملي وقيمته الكبرى عندما اوفر لأطفالي كل مايحتاجون إليه.
{ ماهي الكلمة التي تحبين أن تكون ختاما لهذا الحوار الى لقاء وحوار قادم يستهل ويختم بالخير ان شاء الله؟
– أشجع جميع النساء على العمل الشريف وكسب الرزق بعرق الجبين فليس العيب إن تعمل المرأة ولكن العيب إن تحتاج الناس .وبعد فترة من الزمن التـــقيتها مرة اخرى ولكن هذه المرة !!!
تفاجئت فرحاً عندما استوقفتها مرة اخرى وهي بحلة العمل الجديدة وكعادتها استقبلتني بابتسامة الأم الحنونة وقالت (هلة بيك وليدي ) (وجهكم خيرعلينة) واسترسلت بكلامها بكل تلقائية وهي تترجل من السيارة التي تقودها !!! _ نعم (السيارة ) نوع كيا حمل 2 طن :
الحمد لله .. بتوفيق الله سبحانة وتعالى وبالعمل الجدي الشريف والمثابر استطعنا تحسين وضعنا المعاشي من خلال الجد والمثابرة وطلب الرزق الحلال الذي يباركه سبحانه وتعالى ياولدي لاتتفاجئ من ماترى فان الله يبارك لمن يسعى للحلال في رزقة ويضاعفه له وانا يوميا احمده واشكره على نعمته وحمدي وشكري للباري عز وجل في السراء والضراء وقد استطعت التدبير والتوفير بعد ان اصبح الناس يشيرون لي بالبنان ان استبدل العربة والحصان بهذه السيارة وان اتعلم قيادتها واقودها في عملي .
{ نرى الان معك هذا الشاب يتبادل مسؤولية السياقة بين الحين والاخر فمن يكون؟
– البقالة ام زمان : هذا هو ولدي زمان يساعدني في العمل فاحيانا في الاماكن العامة تتعذر علي السياقة كامراة اما داخل الاحياء السكنية فاتولى السياقة والبيع وخاصة عندما يكون في المدرسة.
{ وهل لديك ابناء غيره يساعدونك؟
– كما اخبرتك سابقا ياولدي انا ام لستة اطفال اكبرهم زمان وهو طالب في المرحلة الاعدادية وعموما هم ثلاث بنات وثلاث اولاد صغار على العمل وانا افضل التعب والتضحية من اجل ان يكملو دراستهم وافرح بتخرجهم.
{ هل هناك فرق او تغيير طارئ على واقع عملك بعد استبدال العربة والحصان بالسيارة الكبيرة؟ وهل تواجهين صعوبة في قيادتها خصوصا وانها من النوع المصنف ب( سيارة حمل )؟
– بالتاكيد هناك تغيير كامل في العمل فانا اليوم اصل الى العلوة الشعبية مبكرا وبعد شراء الفواكه والخضر اعود مبكرا الى المناطق السكنية التي يشترون مني اهلها وطبعا عندما يكون كل ذلك مبكرا سينعكس ايجابيا على البائع والشاري اما مسالة صعوبة القيادة فايضا اقول انني في البداية واجهت بعض الصعوبات ولكن والحمدلله انا اليوم سائقة ماهرة وللطرافــــة كتبت على مؤخرة السيارة (على عنادهم ) وهي عبارة اوجهها لمن راهنو على فشلي فأثبت بعزيمتي النجاح .
{ (ام زمان) او السيدة كريمة كريم حمودي نحن نعلم بانك درستي حتى المرحلة الثانية من معهد المعلمات الا يوجد بداخلك مشروع لاكمال الدراسة؟
– بصراحة الرغبة موجودة والطموح عال لكنني كيفت نفسي حاليا مع العمل و الموضوع وارد ضمن خطط المستقبل لكن الاهم منه الان هو ان اوفر لاطفالي ما لم يوفر لي وان افرح بنجاحهم وتفوقهم الدراسي .
{ وكيف استقبلك زبائنك (معاميلك) او (معميلاتك) بحلة العمل وسيارة العمل الجديدة؟
– الجميع كانوا فرحين وفخورين بهذا التغيير اما طبيعة علاقتي بهم فانا اعتبر نفسي اختا للجميع وهم ايضا يعتبرونني كذلك وبصراحة انا دائما اخبر الجميع بأنكم ومؤسستكم الاعلامية التي كانت سبباً كبيراً لكي يعرفني الناس اكثر ويطلبون بضاعتي وهو ما حسن وضعي نحو الافضل ومن خلالها وخلالك شخصيا وهذا ما لن انساه تم ترشيحي لبرنامج الام المثالية في قناة الشرقية ولن انسى فضلكم ما حييت .
مؤهلات السياقة
{ نعود مرة اخرى للسياقة ونسال هل تعتقدين ان المرأة اقل جدارة من الرجال في سياقة السيارات؟
– ابداً فكل مايملكه الرجل من مؤهلات للسياقة تمتلكها المرأة ايضا ويبقى فقط الاجتهاد بين الطرفين .. فالسياقة كما يقال ( فن وذوق واخلاق ) والمراة مجتهدة في جميع ماذكر واقول لجميع اخواتي بان كل ماعليهن الاصرار والثقة بالنفس وسوف يرين بعد ذلك كل شي سهلا ولن يواجهن اية صعوبة في أي معترك يدخلنه بطموح عال وثقة مستمرة واصرار متواصل.
{ برأيك هل ستنعكس تجربتك ايجابيا على المجتمع بصورة عامة وعلى المرأة بصورة خاصة ؟
– دون أي شك تجربتي التي تجاوزت الثلاث سنوات خير دليل على ان من يطلب الرزق الحلال من خلال العمل الشريف يعيش ملكا في مملكة خاصة يباركها الله تعالى اما بخصوص المراة فاعتقد ان الكثيرات يقتدين بتجربتي ويتوجهن للعمل الشريف مبتعدات عن ماسواه والفضل في ذلك لكم فانتم من يعرفهن بهذه التجربة.
{ بماذا تحب ان تختتم (ام زمان) هذا الحوار .. على امل اللقاء بالخير ؟
– ام زمان: اختـــــتم كلامي برسالة اوجهها لكل العــــراقيات بان العمل عبادة والعمل وكــــسب الرزق خير الف مرة من العوز للناس .. وانه لا يوجد مستحيل امام المراءة التي كرمها الله عز وجل ..
نقلا عن صحيفة الزمان