اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 7- 11- 2023
كَتَبَ ( ويلسون ناثانيل هاول) كتاب بعنوان ( الكورد والاتحاد السوفيتي) وترجمها ( ضياء الدين المرعب) وراجعها ( د. فؤاد حمه خورشيد و فائزة رشيد جمعة)، الكتاب صدر في بغداد عام 2006 عن دار الثقافة والنشر الكوردية التابعة لوزارة الثقافة في جمهورية العراق، وطُبِعَ في مطبعة ايلاف ببغداد في العام نفسه، وفي جزء منها ورد:
– ” الكورد
(( إن ديننا يعلمنا ان نطمح في الجنة حيث الظلال باردة تحت الاشجار وحيث تنساب المياه بهدوء عذبة كالعسل وحيث الفاتنات يرتبين انفسهن كالملائكة وعندها الخيل مياه ونساء بلادي أتخيل عندها إني سبق وان زُرتُ الارض الموعودة)).
علي تيرموكي- شاعر كوردي من القرن 15 أو 16″.
وورد في جزء من الفصل الاول من الكتاب نفسه الذي كان بعنوان ( كوردستان: المحيط الجغرافي)، ومن ثم بعنوان جانبي ( طوبوغرافية كوردستان)):
– ” إنّ كوردستان كما تظهرها كثير من الخرائط الحديثة للشَرقين الادنى والأوسط، هي أرض غير محددة تعتلي الاراضي المرتفعة من شرقي تركيا وغربي ايران و شمال العراق. ان مثل هذه الخرائط تفشل، وهو امر مفهوم في اعطاء مضمون التخطيط بالاشارة إلى الحدود الخارجية لهذه المنطقة، ولكن من الممكن مع ذلك تعريف كوردستان بصورة تقريبية باعتبارها المنطقة التي تحتل ذلك الجزء من المُركّب الجبلي الذي يمتد من القوقاز إلى الخليج الذي يفصل الاناضول عن الهضبة الايرانية. ان هذا الموقع والخاصية الطوبوغرافية المُستقاة منه هما اللذان اكسبا كوردستان سمعتها باعتبارها ( العمود الفقري في الشرق الأوسط). ([1]) وفي الحقيقة فان كوردستان تحتل منطقة تتلاقى فيها سلاسل جبلية مهمة في الشمال الغربي من ايران تنقسم السلسلة التي تمتد جنوبا من القوقاز الروسية تنقسم قرب تبريز إلى سلسلتين متميزتين وهي جبال البرز تمتد شرقا بمحاذاة الساحل الجنوبي لبحر قزوين والحدود الروسية الايرانية وعقدة ارمينيا التى تمتد بعد اندماجها مع سلسلة جبال زاغروس إلى الجنوب في اتجاه جنوبي شرقي بمحاذاة الحدود الغربية لايران. ([2]) ان الشريط الضيق نسبيا من كوردستان الواقع في ايران يقع كليا تقريبا في اطار هذا النظام الجبلى أو على سفوحه، غير ان جبال زاغروس وامتداداتها الشمالية، شأنها شأن كوردستان نفسها تنسجم مع حقائق الجغرافيا السياسية. ففي الغرب تتلاطم مع الحدود الايرانية لتؤثر على طوبوغرافية شرقي تركيا وشمال شرقي العراق. ([3]) وهناك سلسلتان اضافيتان من الجبال اللتان يبدآن اصلا في غربي تركيا وتندمجان بعقدة ارمينيا- زاغروس ليقررا التشخيص الطوبوغرافي لكوردستان ويرتفع جبال بونتس في شمال غربي انقره ويتجه شرقاً بموازاة الساحل الجنوبي للبحر الاسود ولكن على مسافة منه. ([4]) وعند الوصول إلى شرقي تركيا شمال ارضروم تندمج سلسلة جبال بونتس مع المركب الاناضولي الشرقي أو الأرميني الغربي. والى الجنوب تنضم سلسلة طوروس إلى الكتلة الجبلية بمحاذاة الحدود الايرانية من الغرب. ([5]) ان هذه السلاسل الثلاث التي تلتقي في قلب كوردستان تتداخل بما فيه الكفاية لتشكل منطقة جبلية شبه تامة ان الحد الجنوبي لهذه المقاطعة يمكن ان يوضع بمحاذاة الخط الموصوف بنظام انتي- طوروس عندما يتجه صعودا نحو اعالي حوض دجلة. ومن هذه النقطة تبدا الارض بالانخفاض انخفاضا حادا من ارتفاعات تبلغ 1000 قدم أو أكثر الى الاراضي المنخفضة . ([6]) غير ان هذا التغير هو تغير نسبي لان سفوح التلول التي تحيط بسلسلة جبال- انتي- طوروس واضحة بمحاذاة الحدود التركية السورية. ان الصفة الجبلية الغالبة للمنطقة التي يقطنها الكورد هي مميزة بدرجة مساوية عندما ننظر اليها من زاوية نمط استغلال الارض. لقد هيأ كريسي خارطة تظهر هذا النمط للشرق الاوسط باكمله. ([7]) وحيث ان خارطة تغطي منطقة بهذه السعة لا يمكن ان يتوقع منها ان تكشف التفاصيل، إلا انها توضح فعلا المدى الذي تسيطر فيه قمم الجبال المرتفعة في كوردستان ( اثنا عشر ألف قدم) بحيث تغطيها الثلوج. ان العديد من المواقع تظهر وكأنها تنسلخ من هذا النمط لدرجة تسمح بممارسة الزراعة. والى محاذاة الحافاة الغربية والجنوبية من كوردستان في تركيا والعراق توجد مناطق ذات نشاط زراعي واسع حيث تحل سفوح التلال والسهول الممتدة محل الجبال. فضلا عن ذلك يوجد سهل خصب في الساحل الغربي من بحيرة اورميا في ايران الذي يبلغ عرضه حوالي عشرين ميلا. ([8]) على ان الارض الصالحة للزراعة نادرة جدا في عمق کوردستان، فضلاً عن المناطق المستوية الواقعة إلى شرقي بحيرة وان في تركيا وما بين ديار بكر والحدود السورية فان القوميين الكورد يشيرون إلى باسين وموش وخربوت والجزيرة ومهاباد وهه ولير وجوانرو وشهرزور باعتبارها مناطق رعي غنية ووديانا خصبة جميلة. ولكن على الرغم من هذه القائمة الموسعة فان الاستنتاج الذي لا مفر منه هو ان جزءا صغيرا فقط من المساحة الكلية لكوردستان يتكون من اراضي غير جبلية”.
اما عن عنوان ( القنص) فهذا هو عنوان قصة لاحدى القصص الكوردية المُترجمة من مجموعة قصص من قبل الاستاذ ( حسن جاف)، الصادرة عن دار الثقافة والنشر الكوردية ببغداد التابعة لوزارة الثقافة في جمهورية العراق، وطبعت في مطبعة الجاحظ عام 1989، وقد ورد في قسم من هذه القصة:
– ” مُلِمٌ انتَ بكل ما في مناطق ( گـرميان) هذه من حجر، ومن نبتٍ أو شجر، قدماك عارفتان بكل ما فيها من وهاد ومن تلول ومنحدرات. حتى لو عصبوا عينيك فأنك دون أن تترنح أو تتعثر في مشيتك، تأخذ سمتك بدءً من سوق ( الشورجة) باتجاه الشمال الى ان تحط بك رجلاك على مشارف ( جینگلاوه)، ومن هناك تستدير جهة اليسار بمحاذاة نار جبل ( بور) الازلية الى ان تحتضنك قرية ( خالد بازیاني) بين ذراعيها. كان ذلك في صيف عام ٦٣ حين خرجنا مع ثلة من الاصدقاء الى الصيد، كُنا واثقين من ان سهل گه رمیان الذهبي لن يردنا خائبين، وحال وصولنا الى غدير ( خالد بازیاني) انتفض ثمة ارنب مكتنز الجسم ذو لونٍ أرمد اثر ضجيج محرك سيارتنا الجيب العتيقة البالية، فأبتعد قليلا وهو ينط، ثم انزوى مختبئا في ركن شجيرة وراح يحدق فينا بعينيه الجائستين. يا ما ركبتم ولعشرات المرات، انت واصدقاؤك متن الجيب البالى هذا والعائد لـ ( عـــ) حيث خرجتم بــه للصيد وعدتم ادراجكم من دون ان يلفت نظرك هذا الطريق. ماذا دهاك الآن؟ ولم اضحى في نظرك وكأنه طريق اللاعودة؟. أليس هو نفس ذلك الطريق السابق؟. بلى ان الطريق لهو ذات الطريق المعهود، لكنني الآن لست قادرا على ان اسلكه كما كنت في الماضي! فضلا عن نار ( جبل بور) هي الاخرى!!. أتذكر كم كنت تبتهج لمرأى تلك النار إبان فصول الصيف عندما كنتم تصعدون فوق سطح المنزل، كان لزاما عليهم ان يفرشوا لك الفراش في الركن الايمن من السطح، كنت تريد ان تملأ عينيك منها حتى اثناء النوم، اذ كنت تردد في كل مرة: ( ان هذه النار لهي نعمة من نعم الله). حقا لقد كانت منارا للعسس الذين يطوفون في الليل، فضلا عن أنها وعلى مدى البصر كانت تُبعد الضواري والزواحف المؤذية.. لكن الآية قد انعكست الان فهي تثير من حولك الزواحف والكائنات الضارة، وتتمنى من صميم قلبك لو تطفئها قوة سحرية بنفخة واحدة وتقضي على آخر ومضة فيها تختبىء في ركن اكمة صغيرة فتشخـص ببصرك الى الربوة التي تقابلك. تسحب جسدك من فوق الارض زاحفا على بطنك، مَنْ كان يخطر بباله ان تتمادى- يوما ما- هذه الصخور والاراضي المتموجة، التي كنت تكن لها اعمق الحب فتمعن في ايذائك بهذه الصورة وتنهال على جسدك حزاً وتجريحا وكأنها مشارط الاعداء. ترفع رأسك فتلقي بنظرة اخرى على المرتفع. نزلنا من الجيب ألقينا نظرة على الارنب لم يكن ليساورنا القلق في ان يفلت ويغيب عن ابصارنا في هذا السهل الفسيح من گـه رميان، فضلنا ان نطارده بواسطة الجيب الى ان نرهقه ونضنيه حينئذ نستطيع الامساك به بكل سهولة ويُسر. صديقي- حه مه- اطلق عليه رصاصة غير انه انطلق بأسرع من الرصاصة. تنتفض لعلعة صلية، تنكسر شوكة ركبتك، تُرى هل ألمحوك؟ كيف لا؟ ولم تشتعل هذه النار اللعينة إذن؟ ثم ان سهل گـه رمیان هو الآخر يتسع ويمتد على مدى البصر واكثر من ذي قبل حتى كأنه موس تنتظر الزبائن! تعض على بنان الندم. كيف طاوعك قلبك في ان يخطر ذلك ببالك وتتخيله. ماذا أفعل؟ انه من فرط تألمي؟. نصيخ سمعك منصتا لكل تأمة صوت أو حركة يخف وجيب قلبك. لا انهم لم يلمحوك، كثيرا ما سمعت بانهم انما يطلقون الأعيرة النارية ليلا لتطمين أنفسهم ولطرد هواجس الخوف، أو ما ترى الواحد منّا حين ينتابه الخوف يرفع عقيرته بالغناء لنفسه، وان غناء هؤلاء ايضاً لهو الطلقات النارية! تنتظر لبرهة من الوقت، ليس ثمة من صوت، تنتظم دقات قلبك رويدا رويدا. ابتسامة باردة تطرز ظاهر شفتيك. مرة ثانية ترفع رأسك فتلقي بنظرة فاحصة على مــا حولكَ لا اثر يُرى لاحد، ثمة اكمة صغيرة اخرى على بُعد بضعة خطوات على ذلك الطرق، تستجمع قواك، ثم تندفع مثل الطلقة الطائشة، اقتفينا اثره، كُنا نبتغي ألا يغيب عن انظارنا، بين الفينة والفينة كان يختبيء وراء تلة فيغيب عن انظارنا، وحينما كنا نصل اليه نرى علامات التعب بادية عليه تمام طرفا بطنه كانا يرتفعان وينخفضان بسرعة فائقة غريزة الخوف والحياة كانت تشحنه بطاقة اقوى فيندفع منطلقا. توصل بنفسك الى الربوة، صدرك يعلو وينخفض مثل مقدمة حلقوم الضفدعة، تحس وكأن ساقيك قطعة منفصلة عن جسدك، فتمدها مثل جذعين من شجر يابس، حلقك صحراء قاحلة وقد غدا لسانك قطعة من الجلد فقد القدرة على ترطيب شفتيك. آه لجرعة من ماء نهير- خالد بازیاني- البارد المنعش!، فيما مضى وحال وصولكم الى هناك بعد ان يكون الارهاق قد بلغ بكم كل مبلغ كنت تغطس راسك فيه. متى كانت- خالد بازياني- بهذه الدرجة من البُعد؟ إذ أنكم في ذلك الوقت حينما كنتم تفكرون في القيام بسفرة ما كنتم تعتبرونها اقرب مكان حتى ان البعض منكم كان يعترض ليقول: وما الفرق بينها وبين كركوك؟ فلماذا تتناءى الآن وكأنها احدى النجوم العالية لا تطالها يداك؟! ترفع رأسك مرهقا، بقيت أمامك تلّة بعيدة، إذا تمكنت من الوصول اليها فلربما تنجو بجلدك. قال حمه: اقسم بالله انه لن يتمكن من الخلاص مطلقا واننا يجب ان نمسك به هذا اليوم مهما كان، وسوف نُحمِّر لحمه مثل منقار القبــچ. إذن علينا ان نترصده. أما مصطفی فقد كان يصيح بأعلى صوته وبإستمرار:
– من فرط ما خضنا هذا الجيب البالي فقد تقطعت احشاؤنا، فلنطلق عليه رصاصة اخرى ونخلص.
كانت الرصاصات تطيش على الدوام، والارنب بدَوره يعدو وينطلق، يسرح بك التفكير من ان يتقدم الليل ويشتـد الظلام لتتمكن من الافلات. تضحك من نفسك، وهل ان هذه النار قد ابقت ثمة من فارق بين الليل والنهار؟ انقلب الأمر على وجوهه فيما بينك وبين نفسك. انها اندفاعه وبضع خطوات، تتحسر لايام الشباب، بيوم وليلة قطعت كل تلك الشعاب والجبال الوعرة، واذا كنت تقول بانك خلال يوم ونصف اليوم قد وصلت ( ماوه ت) بدءاً من ( پـيره مكرون) مرورا بـ ( شه ده له) و ( هه له دن) و ( دابان)، كانوا يسخرون منك.
– أنى لمدني مَطلي الرأس بالدهان أن يقطع هذا الطريق بطوله في يوم ونصف اليوم؟!”.
[1] – ان اصل هذا التوصيف غير معروف ولكن الفكرة واسعة الانتشار. وقد استخدمها القوميون الكورد في مذكرة معنونة إلى حكومات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية. وقد ترجموها إلى اللغة الانكليزية ( وعربناها) على انها ” العمود الفقري للشرق الأوسط” مذكرة عن القضية الكوردية موجهة إلى الدول العظمى سنة ١٩٤٣ ( عن) نشرة الدراسات الكوردية رقم ٦ ، نيسان، ١٩٤٩، ص 2- 12.
[2] – راجع نورمان باوندز وروبرت كنغسبری ( اطلس شؤون الشرق الاوسط) ( نيويورك بريغير ١٩٦٤)، ص 43، خارطة رقم ١٧ أ.
[3] – جورج بي غريسي ” تقاطع الطرق الارض والحياة في جنوب غرب اسيا” ( شيكاغو جي بي لبنكوت ١٩٦٠)، ص ۳۸۳.
[4] – باوندز وكنغسبري، نفس المصدر اعلاه، ص ٥١، خارطة رقم 18 أ.
[5] – كريسي، نفس المصدر، ص ٢٦٤. ويضع كريسي نقطة الاندماج ما بين خطي طول ٤٠ و ٤٣ شرقاً.
[6] – نفس المصدر، ص ٢٦٥.
[7] – نفس المصدر السابق، ص 8.
[8] – نفس المصدر السابق، ص ٥١٦.