”
حسن الحضري
عضو اتحاد كتاب مصر
عند الكلام عن لغتنا العربية يتصدر الإيقاع موقعًا متقدِّمًا، وليس ذلك قاصرًا على علم العروض؛ الذي يرتبط ارتباطًا رئيسًا بالإيقاع الموسيقي في الأوزان، ووحدة البنية الصرفية لمقطع القافية؛ فالإيقاع وإن كان في علم العروض أوسع وأشمل؛ فإنه بشكلٍ عامٍّ في العربية يتعلق بالحَرْف على اختلاف هيئاته وصُوَرِ حركاته، وكذلك تخفيفه وتضعيفه وتنوينه؛ وهذا هو الإيقاع السمعي، كما يتعلق أيضًا برسم كل حرفٍ، في كل صورةٍ من صور نُطقِه؛ وهذا هو الإيقاع البصري؛ فهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا -بل هو متلازم بشكلٍ تامٍّ- مع الأسس الخطابية السمعية والبصرية، فالكلمة المسموعة لها إيقاع ومدلول خاص بها، وكذلك الصورة المرئية، ومن المهم والمفيد أن يتلازم الإيقاعان معًا عند المتلقِّي؛ حتى تَرْسخ في ذهنه كل كلمة وكل صورة بمدلولها الخاص.
والإيقاع بمعناه الشامل، في الحروف والحركات؛ له مستويات متعددة، تكلم عنها اللغويون بتفصيلٍ وإطنابٍ، ثم جرى تناوُل هذا الموضوع في العصر الحديث بشكلٍ مبسَّطٍ ومفصَّل، يستطيع تلاميذ المدارس الإفادة منه، وفي هذا المقال نتناول كتاب (إيقاع الحروف العربية) لمؤلِّفه محمد السيد العربي، الذي جاء كتابه نتيجة خبرة طويلة في تدريس اللغة العربية لتلاميذ المراحل الثلاث بمدارس اللغات والمدارس الدولية التي تمارس تعليم غير الناطقين بالعربية، في جمهورية مصر العربية، وقد قسَّم المؤلف كتابه إلى أربعة أبواب؛ يتناول في الباب الأول أسماء الحروف ورموزها؛ ومعنى الرمز رسم الحرف مستقلًّا؛ فمثلًا حرف الألف اسمه (ألِف) ورمزه (أ)، وحرف الباء اسمه (باء) ورمزه (ب) وهكذا.
ثم يتناول في الباب الثاني اختلاف أصوات الحروف، وذلك تحت عنوان “الأصوات المختلفة للحَرْف طبقًا لشكله ورمزه”، وينقسم هذا الباب إلى خمسة فصول يتناول فيها المؤلف صور كل حرفٍ مع الحركات المختلفة والسكون والتنوين؛ بالتخفيف والتضعيف، ثم موضِع الحرف من الكلمة (في أولها، في وسطها، في آخرها).
أما الباب الثالث فيتناول فيه المؤلف تهجِّي الكلمات، وقد جعل فيه فصلًا لِما تكوَّن من حرفين من الكلام، ثم فصلًا لِما تكوَّن من ثلاثة أحرف، وآخر لِما تكوَّن من أربعة أحرف.
ثم جاء الباب الرابع بعنوان “الملتبس من الأصوات والحروف”، وتناول المؤلف في فصول هذا الباب: حروف المد، ثم “أل” التعريفية واللام الشمسية واللام القمرية، ثم التاء المفتوحة والتاء المغلقة وكذلك الهاء المغلقة.
وقد حرص المؤلف على تكامل الإيقاع السمعي مع الإيقاع البصري؛ من خلال رسم الحروف بِصُوَر نُطقها في أبواب وفصول الكتاب، بحسب موضِع كلٍّ منها.
ولا شك أن التلميذ -ولا سيَّما في سنوات تعليمه الأولى- يحتاج إلى التَّمرُّس على الإيقاع السمعي والبصري معًا؛ حتى يستقيم في ذهنه نُطق الحروف والكلمات ورسمُها بشكلٍ صحيح، فبعض الحروف تتشابه في رسمها -رمزًا واسمًا- ويكون لكلٍّ منها نُطقٌ غير الآخر، ولذلك يستخدم اللغويون والمحققون طريقة فاصلة لتمييزها للقارئ فيقولون مثلًا: الباء الموحدة، والياء المثناة من تحتٍ، والتاء المثناة من فوقٍ، والحاء المهملة، والخاء المعجمة؛ وبعض الحروف تتشابه في رسم رمزها فقط، وهذه عند تمييزها يُكتفَى بذكر اسمها؛ مثل: الراء، الزاي.
ونعود إلى المؤلف وكتابه فنجده يقول: «فمنذ أن عملت بالتدريس ما عرض لي طالب يريد تعلُّم القراءة والكتابة، واستخدمت هذه الطريقة التي تتخذ من الصوت والرمز أسلوبًا للتَّعلُّم؛ إلا كانت النتيجة مُرضية».
وعلى ذلك فإن هذا الكتاب نِتاج خبرة عمَليةٍ يمكن للمعلم المبتدئ الإفادة منها، والإضافة إليها من قدراته الخاصة كمعلمٍ ينبغي أن تتوافر لديه آليات الممارسة الصحيحة للعملية التعليمية، ومن بينها الإبداع والابتكار، كما يستطيع التلميذ إتقان هذه الدروس في الإيقاع بمهارةٍ ويُسرٍ، فترسخ في ذهنه قاعدة ثابتة تكون مرشدة له، ثم ينطلق منها إلى ما هو أشمل وأكثر إحاطةً، بعد أن يكون -من خلال قراءته وتطبيقها- قد عرف القاعدة الصحيحة وكيفية بنائها وطريقة استنباطها، واستطاع أن يَعِيَها فهمًا وحفظًا.
وبعدُ؛ فإن طريقة العرض والتناول التي نراها في هذا الكتاب؛ تكشف التلقائية والعفوية عند المؤلف، فقد وضع كتابه خصِّيصًا لغرض التعليم وليس لغرض الإسهاب في النظريات والمسلَّمات التي تضم في ثناياها فكرة الكتاب وعناصره، ولذلك جاءت مادته واضحة يسيرة، تخاطب قدرات التلميذ الصغير، كما ختم محمد العربي كتابه بمجموعة تدريبات وأنشطة يقوم التلاميذ بالإجابة عليها؛ إذْ وضع كتابه بشكلٍ تعليميٍّ مناسبٍ لهم، فهو أقرب إلى كتابٍ مدرسيٍّ مبسَّطٍ، أو إلى كراس التدريبات التي يمارس فيها التلاميذ أنشطتهم وواجباتهم.