الظاهرة خطيرة .. هوس تصفح الأخبار السيئة كيف نتجنبها؟

 

متابعة – التآخي

هوس تصفح الأخبار السيئة (Doomscrolling) ظاهرة تشكل خطرا صحيا وعقليا على البشر بخاصة مع انتشار هذا الكم الكبير منها والمتعلق بالكوارث الطبيعية والحروب والنزاعات. فكيف يمكن الوقاية من هذه الظاهرة الخطيرة؟

 يتلقى البشر على هواتفهم الذكية رسائل إخبارية ورسائل عن أخبار عاجلة حتى وصل الأمر إلى ما يُطلق عليه الباحثون مصطلح Doomscrolling وهو كمفهوم بالعربية يعني “هوس تصفح الأخبار السيئة” أو “التصفح المتعسر” أو “التصفح المكثف للأخبار السلبية”.

ويعني المصطلح عدم القدرة على التوقف عن تصفح ومطالعة الأخبار السيئة من عنف وحروب وأزمات سواء سياسية أو اقتصادية. وبما أن العالم بات قرية صغيرة، لم تعد الأخبار السيئة حكرا على منطقة أو دولة بعينها؛ فما أن تقع كارثة أو أزمة في بلد ما، سرعان ما ينتشر الخبر كالنار في الهشيم في كل مكان.

وحتى في حالة محاولة أخذ استراحة وهدنة من أجهزتنا الذكية، فإننا نعود سريعا إلى دوامة الأخبار السيئة التي أضحت تعصف بدول العالم. فعقب جائحة كورونا اندلعت الحرب في أوكرانيا وحاليا تجدد الصراع بين حماس وإسرائيل.

 

 

ويتزامن هذا الكم الكبير من أخبار عن كوارث طبيعية من زلازل وأعاصير وبراكين وفيضانات عارمة مع ما تتسم به الأخبار السيئة من قصص حزينة وصور مؤلمة.

ومنذ بداية تقييدات كورونا في ألمانيا يظهر أن الصداقات هي أيضاً وضعت على المحك. لقاء الأصدقاء في مجموعات كبيرة ممنوع. وأدى الخوف من العدوى إلى نقل اللقاء إلى خارج البيت، وضيق الشتاء والبرد المجال أكثر.

ويعرف الخبراء ظاهرة هوس تصفح الأخبار السيئة بأنها التصفح السلبي المكثف للأخبار السيئة التي دائما ما تكون مصدر إزعاج. ومصطلح Doomscrolling يتكون من كلمة doom التي تعني بالعربية “الدمار” أو “الهلاك” أو “الموت” وكلمة scrolling ومقابلها في اللغة العربية “التصفح” على شبكة الإنترنت، ما يعني “تصفح الموت”.

وبات يطلق هذا المصطلح على مطالعة الأخبار السيئة  بشكل دائم وغير متوقف، وهو ظهر إبان وباء كورونا مع انتشار كم كبير من الأخبار السيئة عن الجائحة.

ويشير مصطلح Doomscrolling إلى ميل الإنسان نحو السلبية؛ فعلى سبيل المثال فإن توجيه انتقادات دائما ما يخلق تأثيرا قويا على سلوك البشر أكثر من كلمات الإطراء والثناء وهو الأمر الذي يمكن أن ينطبق على الأخبار السيئة مقارنة بالأخبار السارة.

وفي ذلك، تقول عالمة الأعصاب مارين أورنر إن أدمغة البشر “تعالج الكلمات السلبية بشكل أسرع وأفضل وأكثر كثافة [من الكلمات الإيجابية]، وهذا يعني أننا نتذكرها أكثر”.

وتضيف أن الأمر يظهر منطقيا من منظور علم الأحياء التطوري، مشيرة إلى أنه في العصر الحجري، فإن آخر شيء ربما كان يرغب البشر في تذكره هو أن حياتهم في خطر.

 

 

ويقول العلماء إن أدمغتنا لاتزال تحاول مساعدتنا  في التغلب على حالة عدم اليقين عن طريق جمع المعلومات بشكل منهجي بمعنى الاستعداد لأي تهديدات، فكلما زاد تصفحنا للأخبار السيئة، كلما زاد استعدادنا. بيد أنّ العلماء يشيرون إلى أن الأمر يحمل في طياته مغالطة فبرغم نجاعة ذلك خلال العصري الحجري، إلا أن الأمر لن يكتب له النجاح في عصر ثورة تطبيقات الأخبار على هواتفنا الذكية.

ويشير الباحثون إلى أنه جرى تصميم تطبيقات الأخبار بحيث تطارد البشر، بمعنى تصفحها على الدوام. وهو الأمر الذي جرى إثباته عمليا من خلال تجربة قام بها الباحث بريان وانسينك في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وفي تجربته التي أطلق عليها اسم “طبق الحساء بلا قعر”، حصلت مجموعة من المشاركين على أوعية حساء بلا قعر فيما جرى إعادة ملئها من دون أن يلاحظ المشاركون.

وخلصت التجربة إلى أن هذه المجموعة قد تناولت الحساء أكثر بنسبة 73% من المشاركين في المجموعة الأخرى، الذين تناولوا وعاء واحدا من الحساء. كما لم تدرك المجموعة الأولى أنها تناولت حساء أكثر فضلا عن أنهم لم يشعروا بالشبع.

ويرى الباحثون أنه يمكن تطبيق تجربة وانسينك على عصرنا الحالي بما يتعلق بمتابعتنا للأخبار.

لكن الباحثين يقولون إن مصممي تطبيقات الأخبار  يستعملون حيلة أخرى يُطلق عليها “اسحب للتحديث” بمعنى سحب صفحة الموقع للأسفل من أجل إعادة تحميلها انتظارا لمطالعة المزيد من الأخبار، وهو ما يخلق الأمر حماسا لدى القارئ نظرا لأنه ليس لديه أي فكرة عن الأخبار التالية.

ويقول الباحثون إن الأمر يشبه عملية سحب ذراع آلة عصير الفاكهة في المحال التجارية حيث تفرز أدمغتنا هرمون الرغبة والحافز “الدوبامين”.

يقول الباحثون إن قراءة ومطالعة الأخبار السيئة يؤثر سلبا على مستويات هرمون السعادة أو “السيروتونين” مما يؤدي إلى الشعور بالإرهاق والتوتر والانفعال وتقلب المزاج وحتى اضطرابات النوم.

ويأتي عقب ذلك، عمل هرمون التوتر “الكورتيزول” بمعنى الشعور بالتوتر برغم أن هذا الهرمون قد يساعد على بعض الشعور بالإنتاجية والنشاط، لكن بشكل مؤقت.

ويحذر الأطباء من تداعيات ارتفاع مستويات هرمون الكورتيزول، لأنه يجعل البشر في حالة توتر دائمة.

 

 

وكشفت دراسات أخرى عن تواجد صلة بين الاستهلاك المفرط للأخبار السيئة وارتفاع معدلات الاكتئاب والتوتر والأعراض الأخرى المشابهة لتلك الموجودة بين الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة.

ونشر موقع “هافينغتون بوست” الإخباري دراسة أجراها عدد من  علماء النفس  كشفت عن أن الأشخاص الذين أمضوا ثلاث دقائق في قراءة الأخبار السيئة في الصباح قالوا إنهم مروا بيوم سيء بعد ست إلى ثماني ساعات وذلك بنسبة 27 بالمئة.

في المقابل، قرأت مجموعة أخرى من المشاركين في الدراسة ما يُطلق عليه “الأخبار البناءة”، و قالوا إنهم قضوا يوما جيدا بنسبة 88 بالمئة.

وتدرك المؤسسات الإعلامية إنه بإمكانها تضخيم عدد النقرات عند نشر الأخبار السيئة ما يعني المزيد من الانتشار والمزيد من إيرادات الإعلانات.

ويقر الباحثون بأنه من المهم أن يبقى البشر على اطلاع بما يحدث في العالم، لكن ليس عليهم متابعة التطورات المحلية والعالمية على مدار الساعة.

 

 

 

 

وبرغم ذلك، يقول الباحثون إنه لا يوجد حل سحري للحماية من  هوس تصفح الأخبار السيئة ، لكن يمكن مواجهة ذلك عن طريق وقف تشغيل تطبيقات الأخبار عند العودة إلى المنزل بعد العمل أو قبل النوم أو عند الاستيقاظ.

كذلك يمكن مقاومة الرغبة في تصفح الأخبار السيئة عن طريق التوجه إلى الأخبار الجديرة بالثقة والقصص والأخبار الإيجابية.

ويقول الباحثون إنه يمكن تحديد أوقات محددة لمطالعة الأخبار مع التوقف عن تصفح الأخبار  طوال اليوم كذلك يمكن إيقاف تفعيل تطبيقات وتنبيهات الأخبار العاجلة، اذ يفضل قراءة ملخص عن أبرز الأحداث.

قد يعجبك ايضا