الباحث : سردار علي سنجاري
الجزء الأول
يتساءل البعض من الاخوة والاصدقاء أليس هناك من يتحمل المسؤولية النضالية والإدارية في اقليم كوردستان عدا عائلة البارزاني ؟ .
ويأتي الرد مني كفرد من هذا الشعب الذي واكب نضال تلك العائلة المناضلة منذ صغره إلى يومنا هذا …
البارزانييون ليسوا كأي عشيرة كوردية . هم قادة الثورات التحررية الكوردستانية في العصر الحديث ، ومنبع الهام الروح الكوردايتي للكورد أينما كانوا.
منذ ثورات بارزان الاولى ضد الإمبراطورية العثمانية ، اخذت بارزان تلك المنطقة الجبلية العصية على اعتى الجيوش على عاتقها التضحية والفداء من اجل أمة الكورد، ابتدأت بارزان تخطي خطاها الثورية عندما طالب الكورد مثلهم مثل بقية شعوب المنطقة بنوع من الحكم الذاتي والاعتراف بالكورد كمكون قومي له خصوصيته الثقافية والتاريخية واللغوية.
بعد اتفاقية سايكس بيكو عام ١٩١٦ وتقسيم كوردستان بين اربع دول ( تركيا – ايران – العراق – سوريا) وبالأساس لم تكون هناك دول بحدود جغرافية بين تركيا والعراق وسوريا حيث كانت الإمبراطورية العثمانية هي المسيطرة على تلك الدول ، ولهذا فان جعل موضوع دولة كوردستان في حدود دول مصطنعة بالأساس كان أمراً غير مقبول منذ بدايته، لقد حاول الكورد عبر ممثليهم ان يتفاهموا مع الدول الاستعمارية المهيمنة آنذاك ( بريطانيا – فرنسا ) وان يتم النظر في مصير الشعب الكوردي وحقه في تقرير مصيره . ولكن عندما اغلقت كل الأبواب بوجه الأمة الكوردية وبات الامر منتهيا وأصبحت كوردستان مجزاة بين اربع دول ، نضجت فكرة الثورات الكوردية فكانت ثورة شيخ سعيد بيران عام ١٩٢٥ ضد الدولة الاتاتوركية وانتهت بإعدام قادة الثورة، وسنة ١٩٣٠ بدأت الحركة البارزانية بقيادة الشيخ احمد البارزاني شقيق الزعيم الكوردي الخالد ملا مصطفى البارزاني هذه الثورة التي كانت امتداد لثورة الشيخ محمود الحفيد في السليمانية ، لتصبح كوردستان من جنوبها الى شمالها وشرقها وغربها ثورة ضد التواجد البريطاني في العراق.
منذ ذلك التاريخ حمل البارزانيون راية الحرية والاستقلال لكوردستان . وبدات الثورات الكوردية تتعاقب مع كل الانظمة التي حاولت قمع الشعب الكوردي بالنار والحديد.
وفي زمن انتشار وترويج الفكر القومي للشعوب في العشرينيات و الثلاثينيات من القرن الماضي ، وبدات شعوب المنطقة تتجه باتجاه بناء الدولة القومية ، كان للكورد أيضا طموح في بناء الكيان القومي الكوردي أسوة ببقية شعوب المنطقة . حاول الكورد عبر القنوات السياسية ان يجدوا لأنفسهم مكانة مع جيرانهم ( الأتراك والعرب والفرس ) الا ان كل المحاولات السياسية لم يكتب لها النجاح، فاضطر الكورد الى الدفاع عن حقوقهم المشروعة في العيش بحرية وكرامة فقامت الثورات الكوردية وكانت اهم تلك الثورات ثورة أيلول المجيدة سنة ١٩٦١ بقيادة الزعيم الكوردي الكبير المُلا مصطفى البارزاني.
ثورة أيلول لم تكون ثورة لخلاص الشعب الكوردي من الانظمة الديكتاتورية العراقية آنذاك ، بل كانت ثورة عراقية شاملة الأهداف فطالبت بالديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان العراق . وهذا ماجاء في نهج واهداف الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي أسسه وتزعمه الخالد المُلا مصطفى البارزاني.
بدأت ثورة أيلول بمشاركة جماهيرية كبيرة وتأييد شعبي كبير عدا بعض العشائر التي كانت لها مصالح مع الانظمة السياسية العراقية آنذاك ، ولكنها لم تقف في وجه الثورة الكوردية في البداية.. كان المُلا مصطفى البارزاني يتنقل بين المقاتلين ( البيشمه ركة ) ومعه كافة أفراد عائلته دون استثناء . وأبلى البارزانيون بلاء حسناً في كل المعارك التي خاضوها وأصبح الخالد ملا مصطفى البارزاني اسما لامعا وشخصية قيادية ثورية في العالم.
“بدأت ثورة أيلول المباركة بمشاركة جماهيرية كبيرة من شعب كوردستان بجميع قومياته وطوائفه،عدا بعض العشائر التي كانت لرؤسائها مصالح خاصة مع النظام “
وفي سنة ١٩٦٤ وفي المؤتمر السادس للحزب الديمقراطي الكوردستاني في منطقة قلعة دزة انشقت غالبية القيادة و اعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني والتي شكلت آنذاك محور الراحل جلال الطالباني والراحل ابراهيم احمد والد زوجة جلال الطالباني ، وكان الهدف منه هو عزل المُلا مصطفى البارزاني عن قيادة الثورة، الا أن الخالد الملا مصطفى البارزاني بحنكته و شعبيته تمكن من السيطرة على الوضع واعادة هيكلية الحزب الديموقراطي الكوردستاني من جديد وتشكيل قيادة سياسية وحزبية وميدانية استطاعت بعد أعوام ان تصل إلى اتفاقية تضمن للشعب الكوردي حقوقه المشروعة في بيان ١١ اذار ١٩٧٠ .
بعد تلك الأحداث التي لم تكن بالتأكيد هينة على الخالد ملا مصطفى البارزاني والقيادة لان الذين انشقوا كانت لهم مكانتهم الشعبية والحزبية في الثورة ، ولكن البارزاني الخالد لم تزعزعه تلك الفقاعات التي تعود عليها منذ بدايات حياته وقيادته الثورة الكوردية مع شقيقه الشهيد شيخ احمد البارزاني وكان عمره آنذاك لا يتجاوز الثامنة عشر . وعندما قامت القوات الإيرانية الشاهنشاهية بمحاولة القضاء على ثورة قاضي محمد واسقاط جمهورية مهاباد ١٩٤٦ ، اضطر البارزاني لمقاتلة جيوش أربع دول وهو يشق طريقه مع مجموعة من الثوار البارزانيين الى الاتحاد السوفيتي مشيا على الأقدام . فتلك المسيرة الشاقة بالنسبة للخالد البارزاني لم تكن الاولى ولكنها كانت الموجعة لانها جائت من كورد كان يتأمل منهم ان يكونوا نواة القيادة الثورية والسياسية.
استعاد البارزاني الخالد قواته وواجه الجيش العراقي وعندها بدأت بعض العشائر تنضم الى المنشقين وحصلو على الدعم اللوجستي والمالي من الحكومات العراقية آنذاك لمواجهة ثورة ايلول المجيدة والقضاء عليها، الا ان صمود البارزانيين ووجود الخالد البارزاني وكافة أفراد عائلته وابنائه والمخلصين من القادة الكورد في الصفوف الأمامية ودفاعهم الشرس في المواجهة ، احبط جميع المحاولات التي استهدفت الثورة الكوردية المجيدة .
بقى البارزانييون يقاتلون حتى استلام حزب البعث السلطة ١٩٦٨ وعندها بدأت المشاورات لحل القضية الكوردية عبر الطرق السلمية . وكان هدف الثورة هو حصول الكورد في العراق على حقوقهم المشروعة ومعاملتهم ضمن الأسس الدستورية التي اقرها الدستور العراقي لسنة ١٩٥٨ والذي نص على ان الكورد والعرب قوميتان شريكتان في الوطن، ولكن منذ ولادة الدستور العراقي الى يومنا هذا لم ينفذ اَي بند من بنوده التي تخص حقوق الشعب الكوردي في العراق وذلك لوجود نزعة عند بعض الحكام الذين حاولوا ان يكونوا فوق الدستور .
اما الجناح المتشدد في حزب البعث كان يطالب الحزب باستخدام القوة وانهاء التمرد الكوردي حسب زعمهم والقضاء على حياة المُلا مصطفى البارزاني واستخدام العناصر الموالية لهم في ايجاد الحلول الممكنة للشعب الكوردي ، وتم استخدام القوة العسكرية وزج الجيش العراقي في معركة خاسرة مع الثورة الكوردية التي كلفت الدولة العراقية الكثير بالأرواح والأموال، فتم وضع خطط للتواصل الى اتفاق مع المُلا مصطفى البارزاني، وهنا اود إيضاح نقطة هامة حيث يتم تكرارها عند مناقشتي مع العديد من الإخوة العرب سواء عراقيين او غير عراقيين ، حيث يدعون ان صدام حسين منح الكورد الحكم الذاتي ووفر لهم الحياة الكريمة وعاملهم معاملة افضل مما يعامل بها المواطن العربي العراقي .
“عندما حاولت القوات الإيرانية الشاهنشاهية القضاء على ثورة قاضي محمد واسقاط جمهورية مهاباد ١٩٤٦ ، اضطر البارزاني لمقاتلة جيوش أربع دول وهو يشق طريقه مع مجموعة من الثوار البارزانيين الى الاتحاد السوفيتي مشيا على الأقدام”
اولا صدام حسين في عام ١٩٧٠ كان نائب رئيس مجلس قيادة الثورة ولم يكن رئيسا للعراق، ولكنه أخذ على عاتقه مسالة التفاوض مع الخالد المُلا مصطفى البارزاني الذي تم إرسال العديد من الشخصيات القيادية في الدولة العراقية وحزب البعث الى ان كل المفاوضات بائت بالفشل لان هؤلاء الأشخاص لم يكونوا مخولين بشكل كامل بالتفاوض وكانت مناورة من صدام ورفاقه لكسب الوقت والتقاط الأنفاس لأعادة صفوفهم ومواجهة البارزاني وثورته بقوة جديدة . ولكن عندما ضاقت كل الوسائل بوجه القيادة العراقية ومنهم صدام حسين أخذ صدام على عاتقه موضوع التفاوض مع المُلا مصطفى البارزاني وتوجه الى منطقة كلاله احدى مقرات البارزاني الخالد وتم الاتفاق بشروط كوردية على إيقاف كافة العمليات العسكرية والوصول الى بيان يضمن للكورد حقوقهم ضمن الجمهورية العراقية بموجب اتفاقية ١١ آذار عام ١٩٧٠ .
هذه الأتفاقية لم تكن هبة من صدام او قيادة حزب البعث بل جاء عبر نضال طويل وشاق قدم فيه شعبنا الكوردي خيرة ابنائه من اجل الحرية والكرامة . وبعد اتفاقية آذار ١٩٧٠ لم تكن نوايا البعث صادقة و سليمة باتجاه حل القضية الكوردية وبناء الدولة العراقية، فحاول النظام العراقي اغتيال الزعيم الكوردي الخالد ملا مصطفى عدة مرات وكنت شاهدا على بعض تلك المحاولات ورأيت بعض الآثار التي خلفتها محاولة الاغتيال بواسطة رجال دين في مقر البارزاني الخالد في حاجي عمران . وغيرها من المحاولات الفردية عبر شخصيات مدسوسة تم كشفها وتم استسلام بعض المنفذين للقوات الكوردية آنذاك .