حوار مع سيتا هاكوبيان … صوت عراقي ذو بصمة جمالية متفردة

 

حسام الدين محمد

تعرفت على صوت سيتا هاكوبيان في ثمانينات القرن الماضي. فتحت اغنياتها لي عالما آخر لم أكن اعرفه من قبل. أغانيها مزيجا من الحزن والفرح الشفيفين المعبرين عن الروح العراقية العظيمة. أغنية (ما اندل) مثلا كانت بلحن يجعل الروح ترفرف على جناح صوت شديد الشاعرية.

في زيارة سريعة لي الى لندن، سمعت ان سيتا موجودة، فحاولت لقاءها بعجالة وأستلهم منها بعض من الطرب العراقي الجميل في الشتات والاغتراب ضحية للتحولات الهائلة التي تعرض لها البلد، فكان لي هذا الحوار:

* متى بدأت الغناء ومن الذي ساهم في اتجاهك اليه؟

– انا نشأت ببيت موسيقي رياضي واول مرة ظهرت فيها كانت على المسرح وكان عمري 4 سنوات، لأن والدي وعمي كانا عضوين فاعلين في نادي الارمن بالبصرة، وفي ما بعد شاركت في نشاطات فنية مدرسية وكذلك في ما يشبه مهرجانات مصغرة تشبه مهرجانات بعلبك يقدم فيها رقص وغناء للطالبات، وبعدها زار الفرقة مسرح فني من بغداد يبحث مسؤولوه عن الاصوات الجديدة فغنيت لهم اغنية (زهرة المدائن) فسجلوها وقاموا ببثها على التلفزيون، قبل البث المرئي كان صوتا فحسب ومن خلال ذلك عرفني الجمهور لكن بعد ذلك طلبني نادي الارمن لأغني في احتفال كبير في بغداد فغنيت (اعطني الناي وغنّي) لفيروز، وبعدها جاء حميد البصري الى بغداد ولحن لي اغنية لأظهر ضمن الوجوه الجديدة. البصري هو الذي اكتشفني وقدمني للإذاعة.

بعد ذلك اشتهرت بأدائي لهذه الاغنية الفيروزية وبدأ الناس يطلبونها فكان هذا بداية معرفة الناس بي. انا اصلا عائلتي فنية ووالدي رئيس فرقة وقد رافقني في كل حفلاتي.

* لقبت بفيروز العراق نتيجة صوتك الحنون الناعم وطبيعة الاغنيات التي تغنينها، غير ان الظاهرة الفيروزية استمرت بينما تم وأد تجربة سيتا مبكرا الى ماذا تعزين ذلك؟

– عندما انتقلت الى بغداد في بداية السبعينات قررت ان اغير نمط الاغنية الطويلة، التي تعتمد على قصائد مغناة فلحنت اغنية، ويمكنك اعتبار ذلك نوعا من طيش الشباب لأثبت ان هذا النوع الذي اريده وكان اسمها (يا ليل السهر) وقد اخذت شهرتي مداها في وقتها، لكنني قررت لاحقا ان ابتعد عن الغناء فدرست السينما واتجهت للإخراج.

 

 

* هل يعني ذلك ان ظاهرتك انتهت بسرعة؟

– لم تنته بسرعة. انا غنيت 75 اغنية، وسبب عدم استمرارها ان أرشيف التراث العراقي الذي كان موجودا في المكتبة العراقية قصف، واحترق كنز من الأشرطة الفنية بما فيها الأغاني خاصتي.

* اول اغنياتك كانت اغنية (الوهم) لنازك الملائكة. لماذا اخترت الشعر الحديث ونازك الملائكة تحديدا لبدايتك؟

– حميد البصري هو الذي اختارها وهو الذي اعطاني اياها ولأنه لم تكن لدي تجربة فما كانوا يعطونني قصائد خاصة بي، كنت اخذ ما يتوفر لكن بعد انتقالي الى الاغنية القصيرة الغربية صرت أشرف على كل شيء اؤديه لحنا وكلمة.

* تعاونت مع بعض الملحنين العرب مثل الياس الرحباني واحمد قاسم. كيف حصل هذا التعاون؟

– في تلك الفترة ما كانت هناك فضائيات فقد استعاض الفنانون عن ذلك بنوع من التبادل الثقافي فيما بينهم، كما حصل بين الاغاني اليمنية والعراقية فانا كنت معروفة كثيرا في اليمن وليبيا وتفاجأت عندما ذهبت الى ليبيا ان الناس تعرفني. شاركت في مهرجان الاغنية الفلسطينية وكان الناس يرددون اسمي. جاءني احمد بأغنية كان غناها هي(من كل قلبي احبك يا بلادي) فأعطاني اياها وغنيتها.

بالنسبة للتعاون مع الياس الرحباني فقد حصل خلال تجربة لتسجيل اغنيات للأطفال. كتب كريم العراقي شعرا وأرسله لي وسجلت اغنية(عندما تطل) كانت هدية من عنده وقد صورتها وهي موجودة على اليوتيوب وان كانت بنسخة كلماته والحانه. أنجز كريم العراقي لي ثلاثة أغاني للأطفال هي(لو كان لدي قطار)(اسمي رائد) و (ديليلول).

* يقال انك اول من بدأ مشوار تجديد الاغنية العراقية عن طريق ادخال الآلات الغربية، كيف حصل ذلك؟

-لا اعرف. نحن في بيتنا كانت تحضر كل انواع الموسيقى وكل انواع الاسطوانات، يعني جدي وجدتي كانا يسمعان غناء كورديا وعمي يسمع عبد الوهاب وام كلثوم والاغاني العربية الثقيلة الوزن وابي كان يحضر الاغاني الغربية وكنت انا احب الاغنية الغربية، فلما وجدت ان الاغنية الطويلة لم تلاق النجاح المطلوب وعندما غنيت الاغنية القصيرة فجأة انتشرت بين اوساط الشباب، وتعلم ان الشباب، هم الذين يغيرون الذائقة فقلت ان هذه تجربة، والتجربة نجحت.

 

 

 

 

مشى الكثيرون في هذا المجال وحاولوا ان يقلدوني لكن ميزتي انني كنت اعرف كيف اختار الاغنية. الهام المدفعي كان يغني التراث العراقي بالآلات الغربية لكن انا اول من غنيت الاغنية العراقية على النمط الغربي.

اختيار الكلمة هو الذي يلعب الدور الأول واختيار اللحن هو الذي يلعب الدور الثاني فاذا كان اللحن حزينا كنت احاول ان استحضر الفرح له.

* في سبعينات القرن الماضي مثلت أيضا في عدة مسلسلات، حدثينا عن ذلك؟

-كانت تلك فترة تأميم النفط في العراق فعرض علي محمد يوسف الجنابي التمثيل في مسلسل عنوانه(شهر عسل في الرميلة)  وقد غنيت فيه اربع اغنيات. فكرة المسلسل كانت تقوم على ان يخطبني أحدهم وان ينقلني الى قصره، ولكوني الابنة الوحيدة لأهلي فانهم يرفضون ان التحق به. انا كنت ممثلة سيئة جدا، لكن فيما بعد اشتغلت مع المرحوم ابراهيم عبد الجليل أربع حلقات في مسلسل (الطائر الأسمر) عن زرياب، وكان تمثيلي قد تحسن فيه وبعدها عملت مع حسين التكريتي مسلسلا من عشر حلقات وتمثيليات اخرى.

* يقال انك تركت الغناء واتجهت للإخراج كنوع من الاحتجاج على التردي الحاصل في الاغنية العراقية آنذاك؟

* انا لا احب ان احتج على شيء. عندما لا يستطيع الانسان ان يفعل شيئا فانه يكتئب. في ذلك الحين لم تكن هناك شركات. كنا نسجل الاغاني في الاذاعة والتلفزيون، وعندما لم أستطع تقديم ما اريده احسست انني سأكتئب فدرست الاخراج قبل ان اشعر بالإحباط، وبعد انتهائي من الدراسة طلبت من التلفزيون ان يوقف الاغاني الخاصة بي وان لا يعرضها وقد حصل ذلك، لكن الناس ما زالوا يعرفونني ولا اعلم كيف.

 

 

صديقة لي تدعى فائزة العزيز ذهبت الى بغداد وكانت مع سائق تاكسي يضع شريطا لي فسألته من هي التي تغني فقال: هذه سيتا هاكوبيان، وتابع الرجل البسيط: كانت سابقة زمانها أنتم ما فهمتوها وهذا زمنها.

* من هم المغنون والمغنيات المفضلون لديك عراقيا وعربيا؟

– انا ابحث عن الجديد اذا شخص جاب لحن جديد اسمع له بدون اسماء.

* لديك ابنتان تعملان في مجال الفن نوفا عماد ونايري، هل يمكن ان تحدثينا عنهما؟

– ابنتي الكبيرة نوفا عماد مغنية معروفة واذا فتشت في الفيسبوك واليوتيوب ستجد اعمالها. ابنتي غنت قبل ان تتكلم ودندنت الالحان قبل ان تحكي وحكت بعمر سنة ونصف. هي تتحدث 3 لغات وعندما راحت لكندا عملت نشاطات جميلة لكن صوتها لا يشبه صوتي. هي ستنتج سي دي جديد فيه اخر اعمالها وهي حاليا تؤلف الموسيقى التصويرية لمسلسل ولديها اغان عديدة. اما نايري فهي مخرجة سينمائية وتشتغل في تلفزيون سي بي سي بكندا.

قد يعجبك ايضا