حب على ضفاف الخابور

ماهين شيخاني

المقطع الأول :
شاب يافع كغيره من شباب جيله ، يحلم بمستقبل وفتاة جميلة تزين له حياته ، وتشاركه العمر – هذه هي سنة الحياة – ويشاء القدر ان يلتقي بذاك الجمال الحالم وذاك الشعر الذهبي وتلك العينين الزرقاوين من بنات قومه…
وكم كانت فرحته وسعادته حين استجابت له العيون بالموافقة…لغة لايفهمها إلاهو وكما يقال:نظرة ،فابتسامة،فكلمة،فموعد،فلقاء…وتم اللقاء.
واجتمعت الأحاسيس التواقة لتشكل روحاً في جسدين.

المقطع الثاني:

أصبحت سيرتـهما ((على كل لسان)) وذاع صيت حبهما في المنطقة كلها …إنها أجمل و أروع قصـة حب عذري سمعها جيلنا الحالي…
عند اللقاء ، يخرج قلبه من صدره ليستقبلها شوقاً وهياماً ، يرغب بضمها بين ذراعيه ليرشف من رحيق شفتيها … ولكن إحساسه المرهف وشفافيته يمنعانه من القيام أو حتى التلميح بذلك حرصـاً على مشـاعرها ولمكانتها السامية في قلبه.

المقطع الثالث:
يحلمان مثل غيرهما ببناء مستقبلهما وتكوين بيت أسري جميل،هادئ مبني على أساس متين تسوره هالة من الحب والتفاهم ويرسمان على ورق أبيض مثل قلبيهما مخطط البيت،غرفة الاستقبال الصالون…المطبخ…الخ
وبدأ – أحفاد بكو – بزرع الأشواك في طريقهما ، فتن ..أخبار ملفقة..كذب..حاولوا التفرقة بشتى الوسائل ، إلا ان محاولاتهم ذهبت سـدى ولم تلق النجاح حيث تغلب العاشقان على المكايد والافتراءات بحكمة.

المقطع الرابع:

دنا موعد امتحان..البكالوريا الفرع العلمي- لكليهمـا- … وذهب الاثنان إلى المحافظة لتقديم الامتحان لعـدم وجود مركز امتحان في بلدتهما…….، حيث استأجر الحبيب غرفة متواضعة صاحبتها امرأة عجوز ، تجاوزت السبعين وتعيش على إيجار هذه الغرفة.
أما هي ،فاستأجرت مع رفيقتها،غرفة قريبة من المدرسة.

المقطع الخامس :

لدى خروجهما من قاعة الامتحان ، كانا ينتظران بعضهما ويتأكدان من تقديم فحوصهما ويحثـان على تقديم المواد بشكل أفضل وعلامات أعلى، لقبولهما في أحسن الكليات. يذهبان في مشاوير خاصة سيراً على الأقدام لساعات طويلة ، وبعدها يتجهان نحو النهر ليجلسا تحت شجرة وارفة على الضفة اليمنى من النهر.

ذات يوم كان جالساً يتأمل الدوائر المتشكلة وهي ترمي بالحجارة لتشكل اهتزازات دائرية تتسع شيئاً فشيئا حتى تخف وتزول انتبهتْ … وهو صـامت ، يحدق في النهر .

– ما بك…؟ بماذا تفكر…؟ في النتائج…أنا واثقة تماماً من نجاحنا في الامتحان التفت إليها وقال:
– والامتحان الثاني ؟! امتحان قلبك.ما هو نتيجته ؟ هل سيكون مثل هذه الدوائر كلما ابتعدت عن المركز تزول؟
– ماذا تقصد…؟
– حبنـا عنيف وقوي ، تحدينا الجميع ومع ذلك أخاف ..أخاف ان يزول مثل نهاية هذه الدائرة.
– وقتها ،سيكون زوالي وفنائي أيضا.
– لا سمح الله يا حبيبتي…(وامسك بيدها) فأحست بدفء يسـري في عروقها ليتوزع على جسمها…وهمست في إذنه .
– الى الدراسة يا أستاذ…

المقطع السادس :

ذات يوم دخلت العجوز إليه وقالت:
يا ولدي من خـلال معرفتي القصـيرة بك ومن خلال هواتفها التي لا تنقطع، تسألك لحظة لحظة هذه الفتاة جعلتني أحبها دون رؤيتها ، يبدو أنها تحبـك بكل جوارحها ، …تعشـقك..لم أر في حياتي قط مثل هذا الهيام والحب، صحيح انني سمعت بـ((مم وزين )) و بـ ((ليلى والمجنون)) و لكنكما أضفتما اسمين آخرين إلى قائمة العشاق، أتمنى لكما من أعماق قلبي بل أتضرع إلى الله أن يوفقكما وأن أحضر حفلة زفافكما فيما لو كتب لي ذلك.

المقطع السابع :

يا خابور…انطقْ بما شاهدته..يا شوارع الحسكة ..يا حدائقهـا…يا جذوع الشـجر التي كتب عليها اسميهما ، أو حرفين منهما ورسم قلبٌ أصابه سهم… يا مفكرة الجيب التي مازال يحتفظ بها اقلبي صفحات تلك الأيام ، أيام الامتحان يوماً وراء يوم واقرأي كتابة همساتهما والمكالمات الهاتفية…ابتهالاتهما الى الله سبحانه وتعالى للتوفيق والنجاح لهما.

المقطع الثامن :

توالت الأيام… اقترب يوم إعلان النتائج ، تسارع خفقان قلوب الطلاب ومن بينهما الحبيبان ولسوء حظه لم يكن في البلد حينها ، فتسرع مع زوج أختها لمعرفة النتيجة ، حيث تندفع وسط حشد كبير من الناس متلهفة لقراءة الأسماء.

تلحظها احدى الطالبات ، فتتجه إليهـا ، تبشـرها بالنجاح ومجموع علاماتهـا ، لكنها لا تبالي بنتيجتها
وتقول : ابحث عن اسم آخر…
فردت الطالبة : مبروك مرة ثانية ، واقتربت من إذنها وهمست : حبيب القـلب نـاجح , ماذا تريدين بعد ؟؟
يا الله… قدماها ترقصـان فرحاً… أهداهـا الله سبحانه تعالى جناحين لتطير بهما ، سعادة ما بعدها سعادة…لقد حقق لها ما أرادت واستجاب لدعاءها.

المقطع التاسع :

تركت قريبها في وسـط الزحمة وهرعت باتجاه بيت لاول مرة في حياتها سـتطرق بابه ، دون خجل أو وجل … وتطرق الباب:
– يخرج الأب منادياً :من بالباب…تسمع صوته فيذكرها بصوت حبيبها..بنبراته ويفتح الباب.،.يفاجئ الأب بوجودها،.يعرفها ويعلم بحكايتها مع ولده..
– نعم يا بنتي ، ما بك تفضلي…عسى ان يكون خيراً ؟
– خير عمي خير…فقد جئت ؟
– تكلمي يا بنتي،لم أعد احتمل اكثر من ذلك؟!
– جئت أبشركم..لقد نجحنا نجحنا نحن الاثنين.
فتطرق كلماتها تلافيف مخه ، يخرس اللسـان من شدة المفاجأة ، يتوقف العقل ويبدأ العاطفة و اللاشعور للتعبير عن فرحته…
يخرج المسدس الذي كان يحمله،يقدم الطلقة الى الأمام، ولم يعد يسمع سوى صوت الطلقات ووميضها من حين الى آخر…وبعد لحظات ساد الصمت على الجو المظلم..

المقطع العاشر :

يهرول الجيران والناس ، يحتشدون أمام الدار لدى سماع الطلقات و إذا بهم يرون الفتاة ملقاة على الأرض على مقربة من الباب…غارقة في الدم…
يذهل الجميع ، لدى مشاهدتهم ذاك المنظر الفظيع ،كانت يدها مغموسة بالـدم وجملة مكتوبة إلى جوارهـا ( أحبـك يـا…) وفي الحرف الخامس والأخـير من اسمه كانت السبابة متيبسة ومستقيمة.

قد يعجبك ايضا