الكاتب والباحث : سردار علي سنجاري
الجزء الثامن والأخير
من اهم المراحل التي مر فيها الحزب الديمقراطي الكوردستاني في تاريخه الحديث هي مرحلة الانتقال من الايديولوجية الثورية الى بناء المؤسسات وترسيخ مفهوم الدولة . ولم تكن هذه المرحلة سهلة على الحزب حيث بنى اقليما منهكا ومدمرًا ومثقلا بالمأساة الاجتماعية وبالاخص بعد الانتفاضة المباركة ضد الدكتاتورية والتي كان نتاجها نزوح الملايين الى الحدود التركية والايرانية مما سبب الكثير من المعاناة للشعب الكوردي الذي وجد نفسه بين مطرقة البعث التي لاترحم وبين سندان الحكومات المجاورة التي بالاساس تعادي تطلعات الشعب الكوردي .فضلا على المعاناة الاقتصادية التي سببها الحصار الجائر الذي فرضه نظام البعث الصدامي على المناطق الكوردية التي صدر قرار دولي لحمايتها من بطش النظام وجرائمه ضد المدنيين والعزل.
وكذلك وجود اعداد كبيرة من الكورد المتعاونين مع النظام والذين كانوا ضمن اجهزته القمعية التي كانت تفتك بأبناء شعبنا الكوردي، تلك المرحلة الحساسة كانت تحتاج الى حكمة وصبر وتخطيط صحيح لبناء الأقليم والحفاظ عليه وتمشية شؤون المواطنين من دون اي خلل او عجز فكانت حكمة و فخامة الرئيس مسعود البارزاني في التسامح مع كل من كان على علاقة مع النظام البعثي ونبذ اي فكرة للانتقام من هؤلاء على ان يعاهدوا الله والشعب ان لا يقوموا باي اعمال تخريبية آو تجسسية هكذا حافظ الحزب بحكمة قائده على النسيج الوطني وبدأت مرحلة جديدة من الحياة السياسية والأجتماعية في الأقليم .
مع بدايات المرحلة في وضع اسس النظام الاداري والدستوري وانتخاب اول برلمان كوردي بارادة كوردية كان الحزب الديمقراطي الكوردستاني يتحرك دوليا للبحث عن اصدقاء وتحسين علاقته مع دول الجوار لضمان ديمومة التجربة الفتية وعدم تكرار ما تعرض له الحزب والثورة الكوردية من مؤامرات على يد تلك الدول في الفترة السابقة . وبالفعل استطاع الحزب ان يجد المنافذ الاقتصادية له من خلال تحسين علاقاته مع تركيا التي سمحت بمرور البضائع عبر منفذ ابراهيم الخليل في زاخو والذي اصبح فيما بعد اهم شريان اقتصادي للجبهة الكوردستانية . ولكن رغم ذلك بقيت احوال المواطنين في المحافظات الكوردية لفترة زمنية تعاني من الفقر بسبب شح الامكانيات المادية التي لم تكون كافية لتحسين اوضاعهم. ولكن كما هو معتاد تاريخيا ومعروف عن الكورد انهم من الشعوب النادرة الذين يقفون الى جانب قيادتهم في الأوقات الصعبة والمحن والشدائد.
اواسط التسعينيات من القرن الماضي كانت سنوات عجاف على الشعب الكوردي وما زاد الماساة هو إقتتال الأخوة الذي وقع بين قطبي القيادة الكوردستانية الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني والذي راح ضحيته العشرات من خيرة شبابنا المناضلين والمخلصين من الجانبين . بعد التهدئة والاتفاق مع الوطني الكوردستاني اتجه الحزب الى تحسين الاوضاع المعيشية للمواطنين فبدات حكومة اقليم كوردستان في البحث عن آليات لأعادة اعمار المناطق الكوردية المدمرة نتيجة عمليات الانفال السيئة الصيت وعودة المواطنين الى قراهم وتم ذلك بالتعاون مع المنظمات الدولية التي اصبحت تتحرك بحرية وامان في المناطق الكوردية .
لقد تجاوز الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاحزاب السياسية الكوردية تلك المرحلة بنجاح وبدات معالم البناء البطيء تظهر بشكل ملموس للمواطن رغم شح الامكانيات المادية . مع البدء في عملية اعادة الأعمار الاولي للاقليم كان الحزب يعمل على تثقيف الكوادر الحزبية والادارية التي شكلت النوات الاولى للادارة الكوردية والتي استطاعت ان تتجاوز الكثير من الصعاب .
من اجل الانصاف علينا ان نقف عند مرحلة البناء التي قادها السيد نيجيرفان بارزاني الذي قادة عدة حكومات متوالية . حيث لعب دورا مهماَ وفاعلاَ في عملية البناء واعادة الأعمار واستطاع من خلال عمله المتواصل ومثابرته ان يحول الاقليم المدمر الذي كان يفتقر لأبسط مقومات الحياة وبنى تحتية مدمرة الى مدن يشهد لها الجميع بالتطوير والحداثة . والى جانب البناء والأعمار بدا الحزب الديمقراطي الكوردستاني بفرض الأمن في الاقليم وكان للسيد مسرور بارزاني الذي اشرف على الاجهزة الامنية في الاقليم دورا بارزا في بسط الأمن والأستقرار وتوفير الحماية للمواطنين .
وقد اثبتت الانتخابات العديدة التي خاضتها القوى السياسية في الاقليم احقية الحزب الديموقراطي الكوردستاني في قيادة المسيرة والحكم ،فبالرغم من السلبيات الموجودة في داخل الاحزاب الشرق اوسطية ومنها الحزب الديمقراطي الكوردستاني الا ان تلك السلبيات اذا ما قورنت بالانجازات التي حققها الحزب لصالح الشعب الكوردي بالاضافة الى تاريخه النضالي والالتفاف الشعب حول رايته لا تعتبر سلبيات مؤثرة وان كان يفترض ان لا تتواجد سلبيات تساهم في زعزعة مكانة الحزب ومسيرته التاريخية .
نعم لقد اثبت الحزب الديمقراطي الكوردستاني ان نهجه السلمي الذي آمن به مؤسسه الملا مصطفى البارزاني الخالد هو النهج الذي يضمن مبدأ التعايش السلمي والاخاء بين مكونات الشعب العراقي على اختلاف قومياتهم واديانهم وطوائفهم ويبقى حزبنا رغم كل الصعوبات التي واجهه والذي نادى بالحرية والديمقراطية للشعب العراقي وجاهد وسعى من اجل ذلك وقدم التضحيات الجسام .
والى جانب السلمية في فكر الحزب الديمقراطي الكوردستاني فقد سعى الحزب الى تحقيق الاهداف التالية :
* توثيق علاقات الأخوة والتضامن والتعاون مع سائر الأحزاب والمنظمات الديمقراطية والسلمية والجاليات الكوردية لتحقيق الأهداف القومية المشروعة بالوسائل السلمية، ونشر ثقافة الحوار والتسامح داخل البيت الكوردي وتحريم اللجوء للقوة لحل الخلافات السياسية.
* السعي لتدويل القضية الكوردية في إطار المنظمات الدولية والإقليمية سياسياً، واكتساب الحركة التحررية الكوردية صفة مراقب في هذه المنظمات للدفاع عن حقوقها القومية والوطنية المشروعة.
* السعي من اجل اعادة كافة المناطق المستقطعة من اقليم كوردستان وفق الآليات الواردة في المادة 140 من دستور العراق الاتحادي، وتثبيت حدود الإقليم على هذا الاساس.
* الدفاع عن حقوق جميع الكورد الساكنين في المناطق الأخرى من العراق كجزء غير مجزأ من الأمة الكوردية والعمل على تعزيز واستمرار العلاقات و الروابط الاجتماعية والثقافية معهم.
* ارساء النظام الديمقراطي البرلماني الفيدرالي في العراق بالشكل الذي يضمن للعراقيين حق المواطنة كاملة، ويحفظ للعراق مكانته الدولية ويضمن استقلاله وسيادته.
* المحافظة على المكتسابات والاستحقاقات القومية والسياسية والاقتصادية والثقافية وتطويرها والتي تحققت عبر مسيرة نضالية تاريخية كانت ثمرة دماء شهدائنا وتضحيات شعبنا واستجابة لارادته الحرة القوية.
* ترسيخ وتعزيز الوحدة الوطنية في اقليم كوردستان والعراق، والعمل على ايجاد الحلول المناسبة لحل القضايا العالقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية وفق الدستور.
* تطوير النظام البرلماني الفدرالي (الاتحادي) وضمان مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي في المؤسسات الدستورية.
* ضمان مشاركة شعب كوردستان في صنع واتخاذ القرار السياسي العراقي عبر المشاركة في مؤسسات الحكومة الاتحادية.
* احترام الدستور الفدرالي من خلال تطبيق مواده وإيلائه القدسية اللازمة باعتباره المعبر الحقيقي لإرادة الشعب العراقي والضامن الوحيد لوحدة العراق أرضا وشعباً.
* ضمان الحقوق القومية والثقافية والإدارية للتركمان، والكلدان والأشوريين، والأرمن.
* ضمان حق كل مكون ديني ومذهبي في إقليم كوردستان في ممارسة طقوسه الدينية وتأسيس المجالس لتنظيم شؤونه الثقافية والاجتماعية وتطويرها وتنميتها.
ويبقى الحزب الديموقراطي الكوردستاني بقيادة الرئيس المناضل مسعود البارزاني صمام الامان للعراق كافة والشعب الكوردي خاصة .