شيركو حبيب
منذ أطلق القائد البريطاني وينستون تشرشل مصطلح “الشرق الأوسط” على المنطقة لأول مرة عام 1945 وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور خارطة سياسية جديدة اكتملت أزماتها بعد ثلاث سنوات بتفصيل وإنشاء إسرائيل، ظلت المنطقة تستقبل مشكلات مصطنعة متزايدة معقدة، تتحقق بها الأطماع التوسعية للدول الاستعمارية، ولو ابتعدت جيوشها عنها.
ولو قلنا إن المنطقة تتميز ببعدها الاقتصادي لاعبا رئيسيا في صناعة الأحداث دائما، ناهيك عن كون المنطقة ملتقى قارات ثلاث فيها وفرة للموارد الطبيعية وخصوبة أكبر لأراضيها، ودائما لم تفرق الهجمات الغربية عليها بين أهل الديانات، وتؤكد ذلك حادثة دخول الصليبيين القدس واقتحامهم المدينة وإشاعة القتل فيها بين عشرات الآلاف دون تمييز بين مسلمين ومسيحيين.
في التاريخ الحديث عاد الغرب الاستعماري مستهدفا تقسيم المنطقة لعدة دول أو دويلات وإمارات وممالك، مع التركيز على تقسيم أراضي الشعوب والأعراق القوية والأكثر تأثيرا في مواجهات معه شهدتها العصور الوسطى، خوفا على زعزعة مصالحه، فكانت اتفاقية سايكس – بيكو قبل أكثر من قرن، والتي أدت إلى تفكيك المنطقة وحصار العرق الكوردي وتشتيته خارج حدود إقليمه التاريخي، ومنذ ذلك الحين لم تستقر منطقة الخليج والشام وباتت بين احتلالات و انقلابات عسكرية أو أزمات داخلية لا تنتهي.
أكثر الدول التي اغتصبت أراضيها بفعل مخططات الغرب الاستعماري واتفاقه على صناعة أزمة دائمة في المنطقة باستدعاء فكرة وطن قومي لليهود، بعد فشل تطبيقها في إثيوبيا وجنوب أفريقيا، هي دولة فلسطين .
ظهر وطن اليهود القومي الجديد وتزايدت أعداد سكانه بالهجرات من الشمال والجنوب وأخطاء طرد اليهود من بعض البلدان العربية بعد ثوراتها وتأميم ممتلكاتهم، لينضموا إلى هذا الكيان ويستفيد من خبراتهم في مجالات شتى ليخدموا قدرات غير محدودة له اليوم، وتمر السنوات تباعا ليستقوي الكيان أكثر بالغرب، فبعد تجربته الأولى في محاولة تنفيذ غزو ثلاثي مع بريطانيا وفرنسا للأراضي المصرية عام 1956 ، عاد أقوى في يونيو 1967 ليحتل أراضي 4 دول عربية أخرى عدا فلسطين، وكان الدعم العربي على كافة المستويات لحظة تاريخية فارقة في حرب أكتوبر ، والتي سبقتها ست سنوات من استنزاف الجيش المصري في سيناء وداخل حدوده المصنوعة بفعل أحلام التوسع الاستيطاني التي سيطرت عليه مقترنة بسياسات إشعال الأزمات في بلدان المواجهة على جبهات أخرى منها سوريا والعراق، والأخير شارك بكافة مكوناته وقومياته ومنها الكورد في معارك لتحرير فلسطين، و لاتزال مقابر العديد من أبطاله حاضرة في الأرض المحتلة عبر التاريخين الوسيط والحديث.
لقد أصبحت منطقة ما يسمى بالشرق الأوسط، الجديد أو الكبير أو الأوسع نطاقا، كما تشاء له أمريكا بعد دخول بغداد في 9 أبريل 2003 ، بؤرة ساخنة للحروب و الاقتتال وعدم الاستقرار في العديد من دوله، بإضافة الى اليمن والعراق وسوريا ولبنان وليبيا والسودان بتقسيماته المستحدثة، لكن حل القضية الفلسطينة وقيام الدولة على أراضيها كحق مشروع لشعب مناضل، هو ما يعني البدء في حل أزمات المنطقة كافة والتي كانت ولاتزال نتيجة طبيعية لأحلام التوسع، و سيكون حل القضية الكوردية ممكنا بنفس المنطق القانوني المؤيد لحق هذا العرق في استعادة حدود إقليمه التاريخي الموزعة أراضيه على عدة دول إثر معاهدة لوزان التي حرمته حق تقرير مصيره وافتعلت الأزمات داخل العراق وتركيا وإيران وسوريا بتفتيت شعبه داخل حدودها الجديدة وقبول ارتكاب أبشع الجرائم بحقه.
سيظل الشرق الأوسط الجديد ملتهبا دون استقرار طالما لم تحل هاتين القضيتين حلا سلميا، القضية الفلسطينية، والقضية الكوردية أيضا، والتضحيات دائما ما تقدمها الشعوب في سبيل الأرض والاستقرار والعدل والكرامة وتحقيق التنمية، بعيدا عن أي حسابات لدول استعمارية أو محاولات فرض الأمر الواقع بمشروعات جديدة غايتها نقل وتصدير أزمات شعوب الأراضي المحتلة إلى داخل حدود البلدان المجاورة ترضية للمحتل وتمكينا للمستعمر على حساب الدول وسيادتها واستقلال قرارها.