سبعة وسبعون عاما من النضال، الحزب الديموقراطي الكوردستاني بين الماضي والحاضر

 

 

 

 

 

 

الكاتب والباحث: سردار علي سنجاري

الجزء الخامس

بعد ان تم رفض مقترحات الحكومة العراقية بخصوص بيان ١١ اذار والتي كانت بالنسبة للقيادة الكوردية مقترحات هشة لا تخدم القضية الكوردية ولا مصلحة الشعب الكوردي . وعندما علمت الحكومة العراقية وحزب البعث ان البارزاني الخالد قد رفض تلك المقترحات اصدرت في الحادي عشر من اذار ١٩٧٤ بيانا مطولا  بشأن العلاقات مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحمل البيان الحزب الديمقراطي الكوردستاني والقيادة الكوردية مسؤولية فشل تطبيق اتفاقية اذار ١٩٧٠ .

 

مباشرة بعد البيان الصادر من مجلس قيادة الثورة العراقية قامت الطائرات الحربية العراقية بقصف مقرات الثورة في كافة انحاء كوردستان وتم قصف مطار بامرني باكمله وشل الحركة فيه .

 

 

 

اعتقدت الحكومة العراقية ان الامر سوف يمر مرور الكرام وان الحزب الديموقراطي الكوردستاني وقيادته سوف يخضعون لشروط ومقترحات حزب البعث ومجلس قيادته ، الا ان الحرب اخذت ماخذا مغايرا لتلك التوقعات وبدأت المقاومة الشرسة من قبل البيشمركة والجماهير الكوردية بكافة فئاتها وامكانياتها واوقعت خسائر  كبيرة في صفوف الجيش ومعداته وطائراته الحربية الحديثة . وفي بعض المناطق تم تدمير افواج كاملة وفي بعض المناطق لم تتمكن القوات العراقية من التقدم رغم الاسلحة والعتاد الثقيل مثل مصيف (گه لي دهوك) و مصيف (رانيا) و(قلعه دزه) . بعد تكبدها الخسائر الكبيرة قامت وزارة الدفاع العراقية بالاستعانة ببعض من جنرالات الجيش الهندي حيث قامو بعملية مسح جوي وميداني طبوغرافي لكوردستان واستنتجوا ان القضاء على الثورة الكوردية عسكريا سوف يستغرق عدة سنوات ويحتاج الى ضعف القدرات العسكرية التي يمتلكها العراق حاليا . بعد ذلك التقرير المخيب لآمال الحكومة العراقية وحزب البعث وفي شهر كانون الاول ١٩٧٤ اجتمع صدام حسين الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة بقادة الفيالق والفرق العسكرية و وزير الدفاع ورئيس اركان الجيش العراقي وبحث معهم اسباب فشل الحملة العسكرية على الثورة الكوردية، كانت الاجابات تصب بان التقارير الاستخباراتية التي كانت تصلهم من عملائهم داخل الحزب كانت وهمية .

 

 

البارزاني الخالد ردا على شاه ايران “الشعب الكوردي في العراق وفي كافة اجزاء كوردستان محروم من ابسط حقوقه القومية والانسانية وانه لم  يقوم بثورته وحمل السلاح وتقديم التضحيات من اجل ان يصدر عفو بحقه”

 

 

 

 

 

اعقب ذلك الاجتماع، اجتماع اخر مع القيادة القطرية لحزب البعث وتم منح صدام حسين كامل الصلاحيات لاتخاذ ما يلزم من خطوات واتصالات وقرارات سياسية للقضاء على الثورة الكوردية . وبناء على ذلك التخويل فان العراق قام بارسال العديد من المبعوثين الى الدول العربية ومن ضمنهم مصر و طالب العراق الرئيس المصري الاسبق انور السادات ان يتوسط بين العراق وايران حيث كانت تربط مصر وايران علاقات قوية انذاك  . وبالفعل قام السادات بارسال رسالة خطية الى شاه ايران حملها مستشاره اشرف مروان نصت على طلب العراق ولكن شاه ايران كان مترددا في البداية بعودة العلاقات مع العراق الا ان  مصر اكدت له ان الحكومة العراقية  وحزب البعث يريدون تحسين علاقاتهم مع ايران وانهم يعاتبون الايرانيين على مساعدتهم للثورة الكوردية والبارزاني واوضحوا ان نجاح ثورة البارزاني في العراق يعني قيام ثورة مماثلة لها في ايران وتركيا وهذا لن يخدم الدولتين الايرانية والتركية وعليه العمل معا من اجل اخمادها وانهائها .

 

 

كان رد شاه ايران على رسالة السادات  عبر وزير خارجيته عباس علي خلعتبري تتضمن موافقته على فتح باب الحوار مع العراق ولكن من دون شروط مسبقة . ويبدو ان شاه ايران قبل موافقته على فتح باب الحوار مع العراق اطلع الامريكان على نص رسالة السادات وما تضمنته تلك الرسالة ولقى تشجيعا امريكيا من طرف وزير خارجيتها انذاك هينري كيسنجر،وكذلك من خلال المبعوثين العراقيين لبعض الدول العربية المؤثرة تدخلت الجزائر عبر وزير خارجيتها انذاك عبد العزيز بوتفليقة الذي اصبح رئيسا فيما بعد للوساطة بين العراق وايران لأنهاء الثورة الكوردية ومازال الشعب الكوردي في العراق الى يومنا هذا يلوم بلد المليون شهيد الجزائر  على تلك الوساطة التي كان يجب ان تكون وساطة خير وسلام  بين حزب البعث العراقي والحزب الديمقراطي الكوردستاني والمطالبة بحقوق الشعب الكوردي العادلة والتي عانى الشعب الجزائري مثلما عانى الشعب الكوردي من ويلات الحروب وقدم التضحيات من اجل الحرية والسلام . ولكن المصالح الدولية تتطلب احيانا ان تخرج الثورات من مسارها الوطني والانساني وتتخذ مواقف تصب في مصلحة الذات التي لا تعبر في كثير من الاحيان عن مصلحة الشعب وارادته .

 

الخطابات السرية المتداولة بين البعث العراقي وعرابه صدام حسين وبين النظام الايراني الشاهنشاهي ومصر والجزائر اطلعت عليها المخابرات السورية انذاك وحاولت عن طريق قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا  من ايصال رسالة الى الخالد الملا مصطفى البارزاني كشفت فيها عن لقاءات سرية بين العراق وايران في انقرة وان هذا اللقاء سوف يكون على حساب الثورة الكوردية .

 

ولكن بعض اعضاء المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني لم ياخذوا الموضوع بمحمل الجد حتى تبين للباراستن الذي كان يشرف على ادارته الرئيس مسعود البارزاني انذاك وتبين للثورة الكوردية ان المعلومات الواردة من الحكومة السورية كانت صحيحة وكان يجب اخذها بعين الاعتبار .

 

 

البارزاني الخالد بعد لقائه مع الشاه وتخلي طهران عن دعم الثورة وخلال اجتماع مع القيادتين العسكرية والحزبية للبارتي”انه على استعداد للاستمرار في ثورته المجيدة حتى وان تخلى عنه العالم كله مستندا في نضاله على الله تعالى وشعبه المخلص الذي ما بخل يوما في تقديم الغالي والنفيس من اجل حريته وكرامته”

 

 

فاتحت القيادة الكوردية شاه ايران بالمعلومات الواردة لديها ونوايا العراق في اقامة علاقات مع ايران على حساب الثورة الكوردية الا ان شاه ايران طمأن الكورد ان تلك اللقاءات تصب في العلاقات الاقتصادية وبالاخص موضوع النفط ولا محاور  فيها حول القضايا السياسية . ولكن في السادس من حزيران ١٩٧٥ تم اللقاء بين شاه ايران وصدام حسين في العاصمة الجزائرية وبحضور الرئيس الحزائري الاسبق هواري بومدين واتفق الجانبان على حل كافة الخلافات بين البلدين ومنها القضية الكوردية وهكذا غدر الشاه بالثورة الكوردية وشارك في تآمر الرئيس الجزائري الاسبق هواري بومدين الذي كان احد قادة الحركة التحررية في بلاده .

 

 

 

لأهمية تلك الحقبة واطلاع الجيل الحاضر والقادم على حجم تلك الأنتكاسة التي حلت باكبر ثورة شعب مضطهد في التاريخ المعاصر سوف اسرد باسهاب ما الذي جرى خلال تلك الفترة الزمنية وعواقب اتفاقية الجزائرية الخيانية على العراق كدولة وعلى القضية الكوردية كثورة . عند عودة شاه ايران محمد رضا بهلوي من الجزائر تم ابلاغ الخالد الملا مصطفى البارزاني بواسطة جنرال الشاه نعمة الله نصيري الذي كان رئيسا لجهاز الامن الايراني ( سافاك ) عن مضمون اتفاقية الجزائر وان شاه ايران سوف يقابله قريبا . وفي يوم ٨  / ٣ /١٩٧٥ قابل شاه ايران البارزاني الخالد الذي سأله عن الاخبار المتداولة وما تم بحثه مع الجنرال نصيري وما موقف ايران الحالي من الثورة الكوردية التي كان يساندها الشاه بالمال والعتاد . كان رد الشاه ان الاتفاقية تخدم مصلحة البلدين ايران والعراق وان الحكومة العراقية البعثية قد تنازلت لأيران عن قضايا استراتيجية مهمة لم تقدم اية حكومة عراقية عليها سابقا . وانه اي شاه ايران سوف يطلب من الحكومة العراقية اصدار عفو عنكم اي البارزاني الخالد وبقية اعضاء القيادة الكوردية وكل من حمل السلاح . وهنا كان رد البارزاني الخالد لشاه ايران صاعقا حيث قال : الشعب الكوردي في العراق وفي كافة اجزاء كوردستان محروم من ابسط حقوقه القومية والانسانية وانه لم  يقوم بثورته وحمل السلاح وتقديم التضحيات من اجل ان يصدر عفو بحقه ..

 

وقبل اللقاء مع شاه ايران كان البارزاني الخالد قد بعث ببرقية بتأريخ(٧ / ٣ / ١٩٧٥) الى المكتب السياسي والمكتب التنفيذي لمجلس قيادة الثورة من طهران ذكر فيها ما جاء في تبليغ الجنرال نصيري بان ايران قررت قطع كافة المساعدات العسكرية والاقتصادية عن الثورة اعتبارا من ٢٠ اذار ١٩٧٥ . وكذلك جاء في البرقية بانه اختار المناضل القدير السيد (محسن دزه يي) كمبعوث شخصي من قبله الى حاجي عمران لشرح المستجدات وما دار بينه ( البارزاني ) وشاه ايران وماهي الخطوات التي يمكن اتباعها في المرحلة القادمة . وفي الاجتماع شرح المناضل (محسن ذره يي) للقيادتين الحزبية والعسكرية ما دار بين البارزاني الخالد والشاه وعن اتفاقية الجزائر بين العراق وايران وان شاه ايران سمح للكورد المتواجدين  في ايران والذي كان تعدادهم قد تجاوز النصف مليون لاجيء موزعين في مدن ايرانية عديدة . وان شاه ايران اخبر البارزاني الخالد ان الحدود الايرانية المتاخمة مع المناطق الكوردية سوف تغلق في ٣٠ / ٣ / ١٩٧٥ وان البارزاني الخالد ترك الخيارات للقيادة الحزبية والعسكرية وانه ينوي العودة الى حاجي عمران بنفسه ويتناقش عن كثب عما جرى للثورة الكوردية . وبالفعل عاد البارزاني الى مقر القيادة في حاجي عمران في ١١ /٣/ ١٩٧٥ واجتمع فور وصوله بالقيادة السياسية والعسكرية والحزبية للثورة وطرح عليهم ما تم التوصل اليه بين الحكومة العراقية وشاه ايران وانه كان يتوقع هذا من شاه ايران وانه على استعداد للاستمرار في ثورته المجيدة حتى وان تخلى عنه العالم كله مستندا في نضاله على الله تعالى وشعبه المخلص الذي ما بخل يوما في تقديم الغالي والنفيس من اجل حريته وكرامته . وبالفعل في ليلة ١١-١٢ / اذار / ١٩٧٥ اتخذت قيادة الثورة قرارا تاريخيا باستمرار الثورة دون دعم شاه ايران الغادر . وعليه تم وضع الخطط الاستراتيجية للمرحلة القادمة للثورة وكان اهمها :

قد يعجبك ايضا