مئوية جمهورية تركيا وحلم تحديث الدولة السلطانية

 

 

د. توفيق رفيق التونجي

 

الجزء الأول

قط أنقرة ( Turkish Angora)، يتمتع هذا القط بخاصية غريبة ونادرة فهو او وهي ذات عينان مختلفان اي بلونين مختلفين ، تركيا الحديثة كل شيئ فيها ذو حدين . كما هي كل شيء ثنائي وأحيانا متناقص ومتعاكس في نفس الوقت حتى في الشعر مثنوي (شعراء الديوان) ، الثنائيات يشمل كذلك في السياسة والحكم وجميع مظاهر الحياة وقد يكون احد الموروثات الفكرية لشعوب آسيا الصغرى القديمة (الين واليانغ).

 

بمناسبة مرور 100 عام على تاسيس جمهورية تركيا الجارة الشمالية للعراق وذو الأواصر التاريخية مع الشعب العراقي تقوم التاخي بنشر هذه المادة البحثية في ثلاثة اجزاء، نتمنى ان تكون مفيدة للمتلقي الكريم.

 

 

 

من المعلوم بان الحكم العثماني لجميع ولاياتها انتهت قانونيا نهاية عام 1922  وذلك بإصدار مرسوم أصدرته حكومة أنقرة الاتاتوركية (الجمعية الوطنية الكبرى) والتي لم تكن معترفة آنذاك بإلغاء منصب السلطان والخليفة. كذلك أقر مؤتمر لوزان في بداية المفاوضات بتاريخ 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1922 بسيادة الجمعية الوطنية الكبرى على تركيا لتحل محل الخلافة العثمانية. اعلنت جمهورية تركيا الحديثة كجمهورية علمانية في ٢٩ أكتوبر/ تشرين أول من عام ١٩٢٣ وألغي نظام حكم الخلافة الإسلامي بعد انهيار الدولة العثمانية و اثر خسارتها في الحرب العالمية الأولى على ما تبقى من أراضي الأناضول  بعد حرب ضد الفرنسيين واليونانيين والايطاليين والبريطانيين فيما يسمى بحرب الاستقلال وفي يوم 3 اذار مارس 1924 ألغيت الخلافة العثمانية ،هذه العلمانية في إدارة الدولة ومؤسساتها رافقتها دوما نقيضها الديني في تعامل الناس وفي منظومتهم الإيمانية أي الدين.

 

قارئي الكريم، الإبحار في تاريخ المنطقة يأخذنا في سفر مع بدايات التواجد العنصر التركي في المنطقة وصولا الى السلاجقة الروم ومن ثم 600 عاما من الحكم العائلي  لآل عثمان* ثم نعرج الى تركيا العلمانية الحديثة وصولا الى تركيا اليوم التي تعيش في بحر متلاطم من أفكار علمانية طالبت بإلغاء الخلافة وأخرى متطرفة وقومية (اعتبار كل من يعيش في تركيا من القومية التركية) وغربياً تطالب التحديث على النمط الأوربي (أسلوب الحياة ، اقتباس قوانين الغرب، الناتو، التوجه الى الاتحاد الأوربي، الديمقراطية الغربية) وأفكار شرقية تنادي الى مجتمع إسلامي إصلاحي أكثر منها راديكالي تقليدي مع احترام الإرث الثقافي للدين الإسلامي الحنيف.

 

 

 

يقول عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي في مقارنة بين نزوح تاريخي لشعبين من الهجرات البشرية الكبيرة في المنطقة ما يلي:

“شهد تاريخ العالم المتحضر حدثين من أحداث البداوة يعدان من أعظم الأحداث الاجتماعية فيه هما: خروج بدو العرب الى العالم اثر الدعوة الإسلامية، وخروج بدو المغول اليه، بعد ستة قرون تقريبا، اثر الحركة التي بدأ بها جنكيزخان. فنشأت من جراء هذين الخروجين إمبراطوريتان كبيرتان.”

 

حكم الشرق وخلال قرون عديدة قوتان كانتا في البدء من العنصر التركي في ايران وفي الأناضول. احدى تلك القوتين اتبعت المنهج السني الحنفي في الحكم بينما اتجهت القوة الثانية الى المذهب الاثنا عشري الأمامي في عهد الصفويين الأتراك في ايران وكنتيجة لعداء القطبين انتشر الحرب والدمار في المنطقة خلال عقود طويلة من الزمن ونرى انعكاساتها السلبية لحد يومنا هذا.

 

ان زيارة الى قبر مؤسس الدولة (انت قبر) في العاصمة أنقرة  ومشاهدة الآثار التاريخية التي تركها كمال أتاتورك** وأسلوب حياته وما جلبه من تغير جذري في مجتمع تركيا لجدير بالتأمل والتفكير خاصة خطواته التحديثية وإلغائه للعبودية وما كان يسمى بسوق الجواري. هذا طبعا هو السبب الرئيسي لتحول نهجه الى عرف مقدس للدولة التركية الحديثة وخلال مئة سنة الأخيرة وستبقى ارثا لا يمكن محوه ابدا من الذاكرة الجمعية لشعب تركيا.

 

تركيا العلمانية تحت قيادة أتاتورك توحد مع دول المنطقة من خلال (حلف بغداد) كحلف تضامني اقتصادي وعسكري و الذي جمع الدول الأربعة في المنطقة ومن يزور بناية السفارة العراقية في العاصمة التركية أنقرة يجد أربعة أعمدة خارجية تمثل تلك الدول أي العراق، ايران، باكستان و تركيا بمظلة بريطانية وأسس في 24 شباط من عام  1955. كان العراق اول المنسحبين من هذا الحلف مع نجاح ثورة (انقلاب) الرابع عشر من تموز من عام 1958 والتي أعلن على أثرها العسكر النظام الجمهوري بقيادة عبد الكريم قاسم و عبد السلام عارف وبهذا بدأ عصر الانقلابات العسكرية.

 

 

 

 

عام 1258 ميلادية سقطت الدولة العباسية في بغداد. العثمانيين يعتبرون الامتداد الطبيعي لحكم سلاجقة الروم. لذلك اذا عدنا بالقهقرى الى الوراء في التاريخ سنجد بأنه لم يكن في حدود  دولة تركيا الحالية شخصا تركيا واحدا فقط في بيزنطة. تواجد  العشائر التركية في المنطقة جاءت نتيجة الهجرات والغزوات للقبائل المغولية والتتارية التركية القادمة باتجاه الغرب والجنوب الغربي قادمين من أواسط آسيا بين( جبال التاي ) و بحر قزوين وهم من العنصر المغولي، التتار و الصينيين.  يتمتع أبناء تلك العشائر بقوة جسدية ومقاتلين أشداء هؤلاء بدؤا بغزو الشرق واحتلال المنطقة عبر مئات السنين.  اي اننا حين نزور المدن التاريخية في تركيا الحالية لا نجد اثرا حتى لكتابة تركية بل نرى تزاوجا بين عقائد الترك القدماء والمسيحيين في بعض المعابد  الكنائس القديمة وأماكن العبادة خاصة في شمال وشمال شرق البلاد التي كانت يوما ما أراضي يقطنها الأرمن ( اليوم ذو اكثرية كوردية)  تقلصت بالتدريج نتيجة لما أصاب الأرمن من قتل ومجازر خلال السنوات الأخيرة من ايام الدولة العثمانية لانحيازهم وتأيدهم الروس خلال سنوات الحرب العالمية الاولى والوقوف الى جانبهم حيث يلتقون معهم في عقيدتهم وانتمائهم للكنيسة الارثدوكسية الشرقية .

 

الوقائع التاريخية من الحفريات الأثرية تبين انه كان الحثيين والأرمن والروم والسريان والشركس والكورد واقوام أخرى كثيرة يتواجدون فيما يسمى اليوم بتركيا قبل وجود تركي او سلجوقي واحد في تركيا تاريخيا. حتى قبل الإسلام قد توالت عبر التاريخ على الأناضول شعوب عدة وأسس عليها إمبراطوريات ، منهم من بقى أثرهم واخرون تم محو وجودهم واثارهم من بكرة أبيهم كالحثيين مام معظم اثار المدن القديمة فهي يونانية ومن اثار البيزنطينين والرومان بعدهم.

 

كتابات على جدران قلعة انقرة.

 

في البدأ جاؤا السلاجقة ومن ثم العثمانيين أبناء ارطغرل غازي من بعدهم وهم من المهاجرين اللذين استوطنوا شبه الجزيرة الأناضولية  في المناطق الغربية حيث كوفئ العثمانيين من قبل السلاجقة  (الروم) لمساعدتهم لهم في غزواتهم ضد الامبراطورية البيزنطية.  تلك الأراضي كانت تعتبر جزء من الإمبراطورية البيزنطية وتقابل العاصمة استانبول حيث يفصل بينهم بحر مرمرة . ومع تغلغل الأتراك السلاجقة  اولا واتخاذهم مدينة مولانا جلال الدين الرومي الشاعر الصوفي، قونيه عاصمة ومساعدة ال عثمان لهم في غزواتهم والتي ادرت عليهم الاستحواذ على مناطق غرب تركيا  للأراضي المحاذية لمدينة بورصا ومن ثم تقدمت لاحتلال عاصمة البيزنطيتين قسطنطينية وتغير اسمها الى( اسلام بول) أي ميناء الإسلام والتي حرفت بمرور الزمن الى استانبول اي أستانة وإنشاء الإمبراطورية العثمانية فيها.

 

 

قد يعجبك ايضا