سبعة وسبعون عاما من النضال .. الحزب الديمقراطي الكوردستاني بين الماضي والحاضر

 

الكاتب والباحث : سردار علي سنجاري

 

الجزء الرابع

 

لاهمية المرحلة التي خاضها الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق مع حزب البعث ومن اجل اظهار الحقائق للرأي العام كما هي وكما حدثت ومن المتسبب في انهاء اتفاقية ١١ اذار ولماذا سلك حزب البعث العراقي طرقا اجرامية وصلت الى محاولة اغتيال قائد الثورة الكوردية الملا مصطفى البارزاني في مقر عمله في حاجي عمران وكذلك العديد من المحاولات الاخرى مع المسؤولين الكورد.

 

لم يمض وقت طويل على اتفاقية ١١/اذار ١٩٧٠ حتى تبين للحزب الديمقراطي الكوردستاني وقيادته ان غاية حزب البعث من تلك الاتفاقية كان لكسب الوقت لتقوية صفوفه ومؤسساته العسكرية والحزبية وتثبيت حكمه ، ورغم ظهور تلك النوايا السلبية من طرف حزب البعث الا ان الديمقراطي الكوردستاني فضل الاستمرار بالاتفاقية حتى نهايتها ١٩٧٤ .

 

لقد اقدم حزب البعث خلال فترة بيان اذار على العديد من الممارسات ضد الثورة الكوردية وقائدها سوف ناخذ بعضها لأن الممارسات التي ارتكبت في تلك الحقبة الزمنية التي لا تتجاوز الاربعة اعوام بحاجة الى مجلدات .

 

اولا : في اواخر نيسان من عام ١٩٧٠ اي بعد مرور شهر على اتفاقية اذار قام بعض الجحوش ( الكورد المتعاونين مع النظام البعث) باطلاق النار على مقر الحزب الديمقراطي الكوردستاني الفرع الاول في الموصل ما ادى الى استشهاد احد البيشمركة من حراس المقر وقد مر الحادث بالنسبة للسلطات العراقية انذاك مرور الكرام .

 

 

 

ثانيا : بتاريخ ٧-١٢-١٩٧٠ وبينما كان الشهيد الخالد ادريس البارزاني الذي كان يشغل منصب عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني وفي زيارة رسمية كمبعوث من قائد الثورة الملا مصطفى البارزاني لنقل رسالة الى الرئيس العراقي انذاك احمد حسن البكر تتعلق بتنفيذ الاتفاقية قام بعض الجحوش ايضا الموالين للحكومة باطلاق النار على سيارته من اجل اغتياله وارسال رسالة الى البارزاني الخالد ان اللعبة السياسية في العراق نحن من يتحكم بها ولكن الشهيد الخالد ادريس البارزاني نجا من تلك المحاولة الاثمة بأعجوبة واصيب فيها المناضل القدير حميد برواري عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني انذاك مما تسبب له في عاهة دائمة .

 

ثالثا : بتاريخ ٢٩-٩-١٩٧١ ارسلت الحكومة العراقية وفدا مكونا من تسعة اشخاص من رجال الدين من الطائفتين السنية والشيعية والبعض كان معروفا في المجتمع العراقي مثل السيد عبد الجبار الاعظمي والسيد الدخيلي وعدد اخر حيث جاءو لمقابلة البارزاني الخالد في مقر اقامته في حاجي عمران من اجل التباحث معه في الشؤون العراقية وتمكين اتفاقية ١١ اذار . الا ان بعد مرور حوالي سبعة دقائق من الاجتماع سمع دوي انفجار كبير في مكان الاجتماع ما ادى الى ارباك الحراس والمتواجدين حول موقع الاجتماع وظن البعض ان البارزاني الخالد قد استشهد ولكن عطف الله ورحمته نجا البارزاني الخالد باعجوبة من ذاك الحادث . وبعد الانفجار مباشرة تبين ان هناك رجال امن رافقوا الوفد الديني وتم زرع عبوات ناسفة في مسجل صوت من دون معرفتهم وتم التحكم بالتفجير عن بعد . وعندما تم التحقيق بالحادث انكرت القيادة العراقية معرفتها بالحادث الا انه تبين فيما بعد ان مدير الامن العام ناظم كزار كان وراء تلك المحاولة الاثمة وبعلم واطلاع من صدام حسين شخصيا .

 

رغم تلك المحاولة والمحاولات الاخرى التي اعقبتها في تاريخ ١٦-٧-١٩٧٢ من خلال شخص يحمل حقيبة دبلوماسية الا انه ابى ان ينفذ عمليته وقام بتسليم الحقيبة الى مقر البارزاني رغم تلك المحاولات طالب البارزاني الخالد الاستمرار بالحوار وذلك من حرصه على شعبه وقضيته العادلة واعتبر تلك المحاولات الفاشلة خصته شخصيا وتجاوز عنها .

 

رابعا : في السنة التالية من اتفاقية ١١ اذار اي في سنة ١٩٧١ قام النظام البعثي بجريمة عنصرية اخرى وذلك بأستهداف شريحة الكورد الفيليين وترحيلهم من بغداد الى ديالى والكوت وكذلك الى ايران والاستيلاء على كافة ممتلكاتهم المنقولة ومصادرة كافة الوثائق الرسمية التي بحوزتهم والتي تثبت اصولهم العراقية وذلك بذريعة التبعية الايرانية .

قدمت القيادة الكوردية احتجاجات متكررة لايقاف تلك العملية الشوفينية وكاد الامر يصل الى تجديد الاقتتال بين الجانبين . وكانت تلك الجريمة هي بداية التوتر الحقيقي بين الثورة الكوردية وقيادة البعث العراقي .

 

خامسا : بتاريخ ٢-٧-١٩٧٢قام مسؤول حزب البعث في سنجار بحصد محاصيل لبعض الفلاحين في سنجار عنوة واستخدام سلطته الحزبية مما دفع بعض الفلاحين الى المطالبة بالكف عن ذلك الا انه اصر على فعلته ما ادى الى  حدوث اشتباك بين الجانبين وجرح عدد من افراد الشرطة المرافقين مع المسؤول الحزبي .

 

وفي نفس اليوم توجه قائمقام سنجار انذاك غانم العلي مع قوة كبيرة من الجيش والشرطة الى مكان الحادث وتم محاصرة الفلاحين والبعض منهم لم يشارك بالاساس بالعملية الا انه اصر على اخذ الجميع ومحاسبتهم الا انهم رفضوا الاستسلام وعندها طلب القائمقام القوة المرافقة معه باطلاق النار على السكان واستخدام الاسلوب القسري مع اهالي القرية التي تحصن بها الفلاحين الذين لم يكون لهم دور في الحادث بالاساس حيث استشهد عدد من الاطفال والنساء الابرياء وخلال الاشتباكات تم قتل القائمقام غانم العلي الذي شارك بالعملية بشكل شخصي مع شرطي اخر وتم حرق القرية .

 

تلك الحادثة فتحت صفحة جديدة من صفحات الغدر البعثي بحق الشعب الكوردي . وبعد الحادثة مباشرة طلبت القيادة الكوردية من جماهيرها في سنجار التهدئة واصدر الفرع الاول للحزب الديموقراطي الكوردستاني بيانا ادان فيه مقتل القائمقام قبل وصول تفاصيل الحادث للفرع الاول وطالب الفرع الذي كان مقره في الموصل بتشكيل لجنة مشتركة من الجانبين في التحقيق بمقتل القائمقام الا ان حزب البعث رفض ذلك . واصدر مجلس قيادة الثورة بيانا في يوم الحادث اتهمت فيه عملاء الاستعمار والامبريالية بمقتل القائمقام وعليه تم تشكيل محكمة عسكرية برئاسة العميد وليد سيرت واصدرت المحكمة امرا باللقاء القبض على مسؤول الفرع الاول المناضل علي سنجاري وكذلك بحق ٦٥ شخصا كان معضمهم من كوادر الحزب الديمقراطي الكوردستاني . واصدرت المحكمة حكما بالاعدام بحق السيد علي سنجاري وعدد اخر من بقية الاعضاء .

هذه الحادثة مهدت   لحزب البعث بابعاد نشاط الحزب الديمقراطي الكوردستاني من سنجار ذات الاغلبية الكوردية وكذلك من الموصل التي بدأ سكانها باللجوء الى مقر الفرع الاول للحزب الديمقراطي الكوردستاني لحل الخلافات فيما بينهم وكان الهدف من ذلك هو تعريب المنطقة الكوردية في تلك المناطق .

 

 

 

سادسا : عندما اندلعت حرب اكتوبر بين الجيوش العربية واسرائيل في ٦/ اكتوبر / ١٩٧٣ ومن اجل تشويه القضية الكوردية امام الراي العربي والاسلامي قامت المدفعية العراقية ومن دون سابق انذار او اي حادث يذكر بقصف عدة مواقع للبيشمركة في جبهات خانقين وعقرة وسهل اربيل واتروش وغيرها ، على امل ان ترد القوات الكوردية على تلك الاستفزازات اللامبرر لها الا من اجل الفتنة الا ان البارزاني الخالد طلب من قوات البيشمركة عدم الرد وبعث ببرقية الى رئيس الجمهورية العراقي انذاك احمد حسن البكر استغرب فيها عن تلك الاجراءات الاحادية الجانب والتي لا تخدم العراق وشعبه في هذه المرحلة ولأهمية البرقية ولاطلاع الراي العام والاجيال عن نوايا الكورد انشر  جزء مما جاء في البرقية :

 

(اذا كنتم حقاً جادين في المشاركة في هذه الحرب فاسحبوا كافة قوات الجيش المرابطة في كوردستان الى جبهات الحرب مع اسرائيل ، وانني اعاهد الله والامة العربية والاسلامية بان قوات البيشمركة لم ولن تطلق إطلاقة واحدة ضد الجيش العراقي طالما استمرت الحرب ولن ندخل اي موقع تنسحب منه قواتكم)

 

وكان للبارزاني الخالد نفس الموقف البطولي والانساني والوطني مع الحكومة العراقية عندما اندلعت حرب حزيران ١٩٦٧ حيث قدم ضمانات انذاك لحكومة عبد الرحمن عارف نقلها ابراهيم فيصل الانصاري الذي كان قائدا للفرقة الثانية ورئيسا لاركان الجيش العراقي فيما بعد .

 

سابعا : في التاسع من شهر نيسان ١٩٧٢ وقع النظام البعثي العراقي اتفاقية شبه عسكرية مع الاتحاد السوفيتي انذاك ولكن تلك الاتفاقية لم تتطرق الى القضية الكوردية باي شكل من الاشكال ما دفع القيادة الكوردية بالتفكير بفحوى تلك الاتفاقية وتاريخها الذي ياتي ضمن الاربع سنوات من سنوات اتفاقية ١١ اذار وحل القضية الكوردية حلا سلميا مما يضمن الاستقرار السياسي والاقتصادي لشعب العراق كوردا وعربا وتركمانا وكافة الاقليات الدينية الاخرى وعليه تم تشكيل وفد من الحزب الديمقراطي الكوردستاني وخلال حفل برتوكولي طالب الوفد الكوردي من الوفد السوفيتي الاشارة الى القضية الكوردية في الاتفاقية الا ان السوفيت رفضوا ذلك لان العراق كان من اهم مستوردي السلاح السوفيتي ولا يرغبون في ابراز اي انزعاج  يمكن ان يؤدي الى غضب الحكومة العراقية واللجوء الى سوق آخر للسلاح والبديل لم يكون الى امريكا التي كانت داخلة في حرب باردة مع الاتحاد السوفيتي وكل طرف كان يتسابق انذاك لكسب الاسواق والدول التي بحاجة الى التغير الايديولوجي وتعزيز مكانتها عسكريا وسياسيا دوليا ،وبالفعل فقد زود الاتحاد السوفيتي العراق باحدث الطائرات الحربية انذاك والطائرات السمتية حتى طائرات توبولوف ٢٢ التي كانت تعتبر من احدث انواع الطائرات القتالية انذاك وكل تلك الطائرات استخدمت فيما بعد لأخماد الثورة الكوردية عام ١٩٧٤ .

 

اللعبة السياسية في المنطقة كانت لعبة التحدي بين امريكا والاتحاد السوفيتي وبعد توقيع اتفاقية العراق مع الأتحاد السوفيتي استشعرت ايران الشاه بالخطر القادم من العراق وهي حليفة امريكا بالمنطقة وعليه قامت بتقديم المساعدات للثورة الكوردية وكان عراب تلك العلاقة وزير خارجية امريكا الاسبق هنري كيسنجر حيث وعد الثورة الكوردية بوعود سخية لم تكون امام الثورة الكوردية التي كانت تفتقر الى السند والحليف الحقيقي لها في مطالبها المحقة الا القبول بتلك الوعود ، الا ان تلك الوعود لم تنفذ على ارض الواقع انما كانت فيما بعد نقمة على الثورة الكوردية والشعب الكوردي الذي دفع الثمن باهظا في انهاء اكبر ثورة له في التأريخ الكوردي المعاصر ثورة ايلول المجيدة ،حيث اتفق هنري كيسنجر مع صدام حسين في لقاء سري في المملكة العربية السعودية في احدى القواعد العسكرية الامريكية نهاية سنة ١٩٧٣ حيث تعهد صدام حينها للامريكان ان يلغي الاتفاقية السوفيتية ويوافق على القرار ٢٤٢ بخصوص القضية الفلسطينية اذا ما ساعدت امريكا حكومة البعث من التخلص من الثورة الكوردية  واقنعت امريكا شاه  ايران بالتخلي عن الثورة الكوردية والبارزاني .

 

خلال الفترة مابين بيان ١١ اذار ١٩٧٠ حتى بداية الاقتتال الذي اندلع في اذار من سنة ١٩٧٤ قامت حكومة البعث بمحاولات شق الحزب الديمقراطي الكوردستاني وذلك  باستخدام وسائل الترغيب احيانا للمسؤولين الكورد باغرائهم بالمال والمناصب مقابل ترك الحزب والبارزاني والعمل مع الحكومة البعثية وبالفعل فقد التحق بعض المسؤولين الكورد بالحكومة ولكن تاثيرهم على الحزب الديموقراطي لم يكون كبيرا لان قائد الحزب ومؤسسه البارزاني الخالد كان يحظى بشعبية كبيرة مما جعل الشعب الكوردي باكمله يلتف حوله ويعمل تحت امرته،لكن تلك المبادرات البعثية تدل على سوء النوايا مع الكورد وهذه كانت ايضا من الاسباب التي عجلت بانهاء اتفاقية ١١ اذار .

لقد حاول الحزب الديمقراطي الكوردستاني ايجاد الحلول السلمية والذي يعتبره النهج الحقيقي الذي كان يؤمن به الخالد الملا مصطفى البارزاني. ولكن بالمقابل كان حزب البعث ينتهج سياسة التآمر على الثورة الكوردية إلا أن السلمية ما باتت تنفع مع نظام يحاول التنصل من وعوده التي قطعها على الشعب الكوردي وثورته المجيدة . وعند عودة الشهيد الخالد ادريس بارزاني من بغداد حيث كان مبعوثا من قبل الخالد الملا مصطفى البارزاني في بداية شهر اذار ١٩٧٤ حاملا معه رسالة الى رئيس الجمهورية احمد حسن البكر تتضمن مشروعا للحكم الذاتي وفق بيان الحادي عشر من اذار ١٩٧٠ والذي تم رفضه من قبل حكومة البعث واعلنت من طرف واحد مشروعا للحكم الذاتي يتناقض كليا مع ما تم الاتفاق عليه في بيان ١١ اذار ١٩٧٠ مما دفع البارزاني الخالد لرفضه . يتبع

قد يعجبك ايضا