التركيب السكاني لمجتمع كركوك ألتعددي

د. توفيق رفيق التونجي

2-2

عاد إلى العراق بعد ثورة  14 من تموز عام 1958 واستقبل استقبال القادة الأبطال.  في 11 ايلول 1961   اندلعت ثورة أيلول المجيدة ضد حكومة عبد الكريم قاسم. توصل مع الحكومة العراقية التي كان حزب البعث تقودها إلى بيان 11 اذار من عام 1970  لاتفاقية الحكم الذاتي.  انهار الاتفاق واندلع القتال مرة اخرى في جبال كوردستان بعد اربع سنوات من السلام ، ولجأ البارزاني إلى ايران مع الآلاف من اعضاء الحزب. يعتبر شخصية البارزاني محورية لحد يومنا هذا حيث النضال من اجل اعتبار ما يسمى الأراضي المتنازع عليها جزء من كوردستان والتي يعارضها القومية العربية والتوركمانية في تلك المناطق. وقد كانت مسالة عائدية كركوك السبب الاساسي لاندلاع الثورة من جديد بعد انتكاسة مشروع الحكم الذاتي والتي كانت مؤجلة لحين تنفيذ جميع بنود بيان 11 اذار من عام 1970. زاد اندلاع الحرب والحركات العسكرية وتوجه القطاعات العسكرية صوب جبال كوردستان وتواجد العسكر في المدينة بكثافة الى درجة تحولت باكملها الى ثكنة عسكرية تعج بالجنود ويدور الانضباط العسكري في شوارعها والآليات العسكرية وحركة الطائرات الحربية في سمائها. كما كانت السجون مليئة بأبناء كركوك ومع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية تغيرت الأمور جذريا وهيمن القومية العربية في المدينة وضواحيها على الوظائف المهمة وقادة الجيش حيث بدأت حملات الأنفال السيئة الصيت في سهل كركوك وتم تدمير مئات القرى وتهجير ساكنيها وحتى قتلهم في مقابر جماعية.

 

 

 

 

تعتبر الحوادث المؤسفة التي جرت فصولها في المدينة ابان احتفالات ابنائها بمرور عام على ثورة تموز عام 1959 حية في ضمائر ابناء كركوك حيث ارتكبت مجازر بحق الناس ودمرت ونهبت العديد من المتاجر واستمرت لمدة اربع أيام في المدينة بحق التوركمان  وكان من نتائجها ظهور عداء في المجتمع بين أبنائها من القوميات والعقائد المختلفة ولم تتمكن الأحزاب السياسية وشركة نفط الشمال والجيش العراقي اي الفرقة الثانية التي شاركت بصورة مباشرة او غير مباشرة في تلك الماسي تدارك الأمر وتقديم التحليل المناسب لأسباب تلك الحوادث المؤلمة عن دورها في مجازر كركوك وحتى في مدينة الموصل.

 

أبناء المدينة من التوركمان وهم يحتفلون بمرور عام على ثورة تموز.

لم يتمكن أبناء المدينة من تجاوز تلك الحوادث وما نتجت عنها والعودة إلى صفاء القلوب والسلم المجتمعي. بل بقت تلك الجروح تفعل فعلتها في أرواح الناس ويستخدم المتطرفون من القوميين تلك الحوادث لتهديد عامة الناس لحد يومنا. هذا رغم أن العديد من الحوادث و الأكثر إيلاما جاء على أبناء المدينة لاحقا، لذا نجد انعكاساته في الوئام المجتمعي بين أبناء المدينة وتكرر دائما ولحد يومنا هذا. تغيرت التركيبة السكانية للأحياء بعد هذه الحادثة المؤلمة ما ادى الى تقوقع القوميات في أحياء خاصة بهم فظهر بذلك أحياء ذو أكثرية كوردية اكثر منها مختلطة اي هاجر الكثيرون وتركوا قراهم وتوجهوا الى مدينة كركوك وحتى القرى والقصبات بعد ان كانت مختلطة. تلك الهجرات من القرى والقصبات ادى الى ظهور العديد من الاحياء في اطراف المدينة ويبقى ان نعلم ان الرافد البشري من القرى والارياف كان الكورد يمثل الاكثرعدديا.

 

3- العامل اقتصادي اكتشاف النفط و دور الشركات النفطية.

يعتبر اكتشاف النفط في آبار بابا كركر الحد الفاصل في حياة المدينة. التغير الديمغرافي اي السكاني اخذ منحى جديدا وذلك بتعيين ابناء المدن الاخرى واستيطانهم في كركوك. كان العثمانيين يستخرجون النفط من البقع النفطية التي تطفو على السطح في منطقة بابا كركر وكانت عائلة انفطجي زادة يجمعون النفط بالإسفنج لبيعها لاحقا في المدينة. وبدا العثمانيين عام 1912 بتأسيس شركة مشتركة عراقية تركية لاستخراج النفط. وبذلك توجهت الانظار الى المدينة وباتت تظهر خطوط ماساتها لاحقا. حيث يعتبر حقل نفط كركوك الذي اكتشف يوم 14 تشرين الأول من عام 1927 أقدم الحقول النفطية المكتشفة في  العراق، وثاني أكبر حقل نفطي في العالم من حيث القدرة الإنتاجية والأول من حيث النوعية الجيدة و الجودة  ، وهو خامس أكبر حقل احتياطي على الصعيد العالمي. منذ ذلك اليوم كل المكونات القومية تدعي عائديه المدينة لها. مع تاسيس شركة نفط الشمال( اي بي سي) تغير النسيج السكاني بالمدينة واستقدم الكثيرون من ذوي الاختصاص من مهندسين وخبراء في هذا المجال للعمل في الشركة التي كانت تصرف لهم الرواتب الدسمة لهم والخدمات الأخرى.

 

 

4- مشروع دبس الأروائي

هذا المشروع الاروائي الذي بدا به ابان الحكم الملكي وتم استقدام العديد من العشائر العربية للعمل فيها وبذلك تكونت العديد من القرى ومدنا امثال الحويجة ودبس والرياض. هذا المشروع عمل فيه العديد من الشركات وفي ايام التقارب مع مصر كانت شركة المقاولون العرب تعمل في المشروع. تغير اسم المشروع عدد من المرات وليس لي علم عن اسمه اليوم.

لكن المشروع غير التركيب السكاني في المنطقة  جذريا من ناحية الانتشار القومي العربي في المدينة وقرب ابارها النفطية في بابا كركر وجمبور وباي حسن وتم بناء قرى عصرية للعرب في العديد من مناطق كركوك بدا من انهيار الدولة العثمانية انتهاء الهيمنة التركية واحتلال الجيش البريطاني للمدينة. ثم تأسيس الدولة العراقية وهجرة يهود المدينة والعراق الى اسرائيل والمد القومي المخيف الذي انتشر بين جميع القوميات الخاضعة للدولة العثمانية المد القومي الحجازي وتأسيس الدولة العراقية بملك حجازي من أولاد الشريف حسين واعني المرحوم الملك فيصل الاول . وثوار الثورة العربية الحجازية الذين حرروا الحجاز وفلسطين وسوريا بدعم بريطاني وفرنسي استعماري والتي ادى في النهاية الى انهيار الدولة العثمانية وتاسيس دول وطنية في المنطقة مثل جمهورية تركيا، دولة العراق، سوريا، لبنان ، المملكة الاردنية…اما المد الشيوعي القادم من الحدود الايرانية من خانقين وتواجد القوات البولونية في المدينة فقد تأثر بها المثقفون من اهل الجنوب بالدرجة الأولى.

ثم جاء المد القومي بعد 1954 مع نجاح انقلاب جمال عبد الناصر العسكري على الملكية وتأسيس ما كان يسمى بالاتحاد الاشتراكي العربي وتصدير الثورة الى الدول العربية ونجاح البعث القومي في سوريا والعراق بالاستيلاء على الحكم وبدا الحرب في كوردستان ومع دولة إسرائيل. بعد الاحتلال والفوضى الخلاقة والدستور والمادة 140 وما تلاها من اتفاقيات سياسية بين الإقليم والحكومة الاتحادية ولحد يومنا هذا.

بعد إعلان الإقليم كان العجز السياسي في تمثيل مكونات السكانية القومية والعقائدية للمدينة وعدم تمثيلها وطنيا في الأحزاب الكوردستانية وإعلان الجبهة التوركمانية وتأسيس العديد من الأحزاب ذو التوجهات القومية والدينية مع غياب كامل للاحزاب الوطنية ومؤسساتها المدنية والعسكرية والتي تمثل العراق ككل او الإقليم وطنيا و ليس فقط  قوميا  من ناحية ومن ناحية اخرى وجود قوى الشيعة السياسي في المدينة وقراها والتي سيطرت عليها الأحزاب الدينية الشيعية الأساسية المكونة للقوى السلطة العراقية بجميع توجهاتها السياسية. انظر الى المد الشيعي الذي يبدا من داخل كركوك من حي تسعين، بشير، تازة، داقوق، طوز، امرلي ….. وتتجه جنوبا وصولا الى أطراف مدينة مندلي ففيها الشيعة الأكثرية مع وجود السنة بإعداد قليلة وخاصة في خانقين وديالى والخالص.

 

تبقى مدينة كركوك القنبلة الموقوتة بغياب الحوار الحضاري بين مكونات القومية والعقائدية للمدينة وعدم تلاقي سياساتها  ولا ننسى تدخل القوى الخارجية ودول الجوار. رغم وجود القاسم المشترك لأهل المدينة من أبنائها منم الكورد والتوركمان ، العرب والسريان ، هؤلاء ممن يعشقون النوم تحت سمائها القرمزية.

 

الأندلس 2023

إشارات:

* د. توفيق التونجي، “عرفة” الحد الفاصل ، دار فيشون للنشر، السويد ،2013.

* كركوك نامه، سيرة ذاتية، من منشورات دار فيشيون ميديا السويد، 2006.

* د. توفيق التونجي، المسار الديمقراطي للحركة التحررية الكوردية المعاصرة، دراسات وبحوث في الشأن الكوردستاني نشرت في صفحة حكومة اقليم كوردستان، دار فيشون للنشر، السويد ،2012

 

قد يعجبك ايضا