الصورة الافتراضيّة: تخمة المعروض ووهم المعنى

حسن طهمازي

هل نحتاج إلى هذا التسونامي من الصور لنتحدّث عن أنفسنا وعن العالم بتفاصيله وأشيائه؟ هل علينا أن نعرض صورنا على اختلاف أنواعها على العالم ليشاهدوها؟
هل تعبّر عنّا هذه الصور حقّا؟ هل صورنا صادقة وعفويّة أم هي ألاعيب ومخادعات للتمويه؟ هل تتطابق ذواتنا في الواقع مع ذواتنا في الصور؟
الصور تملأ العالم الافتراضيّ وتزحف علينا وتداهمنا في كلّ لحظة. الصور كالبضائع الاستهلاكيّة في ماركاتها وأشكالها وألوانها تحاصرنا وتسكن وجداننا وعقولنا. صرنا نعرض صورنا ونحن نشرب قهوة، ونأكل طعاما، ونحن نزور مكانا، ونحن نلتقي شخصا، ونحن نحتفل، ونحن في الأفراح والأتراح، ونحن في أعيادنا ومناسباتنا. أصبح نعرض صورنا ونحن في غرفة العمليّات، وفي الجنازات، وفي اللحظات الحميميّة. هل نحتاج أن نخبر العالم بكلّ هذه التفاصيل؟

السياسيّون والحزبيّون يتحفوننا بصورهم وهم يقومون بأعمال إنسانيّة أو أنشطة خيريّة ليخبروا الأرض والسماء أنّهم يبذلون أنفسهم لفائدة الشعب والوطن.
والرياضيّون والفنّانون تتهاطل علينا صورهم الفاتنة والمعدّلة وهم يتبجّحون بأناقتهم وجمالهم أو يسوّقون لبضائع وعلامات تجاريّة مقنعين البسطاء بوهم الاستهلاك.
والمواطنون العاديّون يعرضون أنفسهم ليلا ونهارا من غرفهم الشخصيّة إلى الفضاءات العامّة لتحصيل متابعة عالية يتفاخرون بها.
ولكن ماذا نعرض حقّا في صورنا؟ هل فتنة الوجوه وأناقة الملابس وفخامة المأكولات ورقيّ الأماكن هي جزء أصيل وطبيعيّ في حياتنا حقّا؟
ألسنا نمارس نوعا من التصعيد والتعويض عن
إفتقارنا و احتياجنا إلى كلّ هذه الأشياء التي عرضناها؟
ألسنا نعرض أنفسنا للعالم بعد أن أدخلنا عليها المساحيق وعمليّات تنكّريّة ضخمة؟

نحن نعيش بالصورة وفي الصورة:
نحن نعيش انفصاما في الشخصيّة وتمزّقا بين الافتراضيّ والواقعيّ. نحن نتخلّى عن حقيقتنا وواقعنا الطبيعيّ ونتحوّل إلى كائنات ممسوخة ومغتربة عن واقعها ونكاد نصدّق أكاذيبنا عن أنفسنا.

نحن نعيش بالصورة وفي الصورة:
بالصور نتحارب ونتواجه، نبثّ رسائل الحقد والسخرية والاستفزاز..
بالصور نمارس النميمة والغيبة وننتقم ونحرّض ونشوّه الآخرين ونجني مغانم شخصيّة وسياسيّة واجتماعيّة .
الصورة بريئة. نحن المذنبون لأنّ وعي التواصل عندنا مغلوط ومشوّه.
…….حسن طهمازي……..

قد يعجبك ايضا