د. حسن كاكي
يبدو ان تغيير النظام الصدامي ومجيء نظام جديد لم يكن كافيا لتغيير نظام وبداية نظام جديد، فالعقدة الشوفينية، والعنصرية كامنة في فكر وعقيدة وفلسفة الكثيرين، وهي لازالت أسيرة النظام السابق في التهميش وغبن حقوق الاخرين، فضلا على التضليل الاعلامي في تشويه صورة الكورد وبالذات الحزب الديمقراطي الكوردستاني وزعيمه المناضل مسعود البارزاني في الشارع العراقي والذي غالبيتهم من السذج والجهلة .. وما شاهدناه في احداث كركوك من حقد وكراهية ضد هذا الحزب في محاولة لمنعه من العودة الى مقراته خير دليل على ذلك . فالشعب العراقي لا يعرف ان الازمة الحقيقية والمفتعلة اليوم مع الكورد هي محاولة للتغطية على فشل الحكومة في ادارة الدولة، وتصدير ازمتها السياسية بهذا الجانب وذاك، ولا يعرفون ان الخلاف بين الحكومة الاتحادية والاقليم ليس حول الميزانية، ولا بشأن تصدير النفط، ولا خلافاً حول المناطق المتنازع عليها، والمادة 140 من الدستور العراقي فقط، وانما الخلاف الحقيقي هو حول الرؤية الكوردية في ادارة الدولة العراقية، وحول عدم الالتزام الاخلاقي والوطني بالاتفاقيات السابقة سواء في ايام المعارضة، او بعد استلام السلطة وأزاء التوافقات السياسية في ادارة الدولة العراقية، والالتزام بالدستور الذي صوت عليه غالبية الشعب العراقي والذي يحاول البعض التعامل معه بانتقائية يأخذ منه ما يناسبه ويهمل ما يهم الاخرون .
فمنذ سقوط النظام ولغاية الان لم نشهد حكومة عراقية تلتزم بالعهود والمواثيق والاتفاقات السياسية، والدستورية لا مع الشعب، ولا مع المكونات الاخرى من الشعب العراقي، ففي بداية كل سنة يثار موضوع حصة الاقليم من الموازنة، وترمي الحكومة العراقية إخفاقاتها على حكومة الاقليم، على ان الاقليم لا يسلم نفطه، وواردات المنافذ الحدودية وما الى ذلك الى المركز، وها الاقليم سلم كل شيء الى ادارة الحكومة الفيدرالية، وتم الاتفاق على كل شيء واقرت الميزانية فلماذا لا ترسل الحكومة حصة الاقليم ورواتب الموظفين ؟؟؟.
هنا نذكر الشعب العراقي بأن حكومة اقليم كوردستان لم تستلم اي مبالغ من موازنة الاقليم منذ عام 2014 ولغاية 2019، لا موازنة تشغيلية ولا رواتب الموظفين والبيشمركة التي قاتلت داعش على جبهة طولها 1050 كم .. ولا نذكر كم استدانت حكومة الاقليم من اموال من هنا وهناك سواءً لسد الرواتب، او ديون الشركات التي نقبت وأنتجت النفط في الاقليم، والتي تنصلت حكومة السيد المالكي لتسديد ديونها بعد ربط نفط الاقليم مع نفط الحكومة المركزية، وكانت هي بداية الخلاف بين الطرفين .
ففي عام 2019 تم الاتفاق مع حكومة الدكتور عادل عبد المهدي وبعدها في حكومة السيد مصطفى الكاظمي على تسليم الاقليم يوميا 250 الف برميل لشركة سومو، ولأسباب فنية تتعلق بشركات الاقليم تأخر الاقليم بتسليم هذا العدد الى الحكومة، والحكومة كانت تقطع مبلغ 250 الف برميل من حصة الاقليم، فما الذي جرى لتقطع رواتب الاقليم .. أليس هذا نوع جديد من الأنفال والحصار الاقتصادي على الاقليم، (قطع الاعناق ولا قطع الأرزاق) وخرق للاتفاقات السابقة، وتجاوز على عرى الشراكة الوطنية في الوطن الواحد.
والموظفون في كل شهر في معاناة ( موجة هات ؟ موجة نه هات، اجه الراتب ما أجه الراتب) وها قد مضى اكثر من شهرين لم يستلموا رواتبهم وكأن الكورد ليسوا شركاء في هذا الوطن، وان هذه الحصة هي هبة من الحكومة الى الشعب الكوردي، او ان الشعب الكوردي يستجدي من الحكومة، وتم تخفيض نسبة الاقليم من الموازنة من 17% الى 12،6% علما ان هذه الحصة هي اقل من استحقاقهم لأن نسبتهم السكانية أكثر من 17% من سكان العراق وقبل بها الكورد، والحكومة تتعامل مع الاقليم وفق مبدأ (تريد ارنب اخذ ارنب، تريد غزال اخذ ارنب) .
وهنا ثمة سؤال يطرح نفسه على الحكومة الاتحادية ان الاقليم بوارداته المحدودة البسيطة قد بنى الاقليم، وانتم ماذا بنيتم بواردات العراق الهائلة التي كانت تتجاوز كل سنة اكثر من مائة مليار دولار في السنوات السابقة، وهي اكثر من ميزانية ثلاثة دول معاً (الاردن، وسوريا، وإيران)، ولم يستلم منها الاقليم اكثر من 5% ويصرخون الاقليم يسرق حصة مواطني البصرة، والعراقيون يعيشون في ارهاصات العيش الذليل من انعدام الخدمات من ماء وكهرباء، والطلبة في مدارس طينية ، والكثير من العراقيين يعيشون في بيوت من الصفيح، ومئات الالاف من الايتام والارامل في فاقة وعوز ووو ..الخ، بينما حيتان ومافيات الفساد تبتلع خيرات العراقيين دون واعز من وضمير وانسانية، بل ان الفساد وصل الى اعلى المستويات في السلطة دون حساب ورقيب من الجهات التنفيذية والتشريعية في الدولة واصبح عرفا حلالاً في الدولة العراقية .
اليوم الكورد اكثر قوة وعزماً على حماية اقليمهم، بل حماية العراق كله من كيد الكائدين من الداخل والخارج، وأنهم مع الشعب العراقي ومع وحدة العراق أرضاً وشعبا، ولكن شريطة اثبات حسن نية الأخرين من اصحاب القرار، بدون مؤامرات ووعود كاذبة، وتثبيت حقوقهم العادلة بعهود ومواثيق مع من يجدونه صادقاً ومؤهلاً على التنفيذ، من أي كتلة كان، وبخلافه لن يسمحوا بوضع العصي بعجلة تقدم وازدهار الاقليم، كما أن هناك خيارات عديدة مفتوحة أمامهم كما ذكر الرئيس مسعود البارزاني .