اشراقات كوردية … الجذور التأريخية لوجود الكورد في مصر

 

 

بلقيس البرزنجي                                                                               

 

 

للكورد في مصر حضور قوي وجذور ضاربة في عمق التاريخ تعود إلى قبل الميلاد. وفي إحصائية غير رسمية يقدر عدد الكورد هناك بسبعة ملاين نسمة، يعيشون ويتواجدون بكثافة من الإسكندرية شمالا إلى اسوان جنوبا، وربما لا يعلم الكثير منا ان تاريخ الكورد في مصر يعود للقرن الرابع عشر ق. م.

عندما تقرا في كتاب: تاريخ الكورد في مصر ستجد ان الملكة المصرية الفرعونية “نفر تيتي” من جذور وأصول كوردية! وكذلك صلاح الدين الأيوبي مؤسس الدولة الايوبية، ومحمد علي باشا الذي بنى دولة مصر الحديثة، بالفعل سيتفاجأ الاغلب عندما يعلم أن أحمد شوقي أمير الشعراء، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد من أشهر قراء القرآن في العالم، وسندريلا الشاشة العربية” سعاد حسني” والإمام المصلح محمد عبدو والمفكر قاسم امين، وعملاق الأدب العربي عباس العقاد جميعهم ذو جذور وأصول كوردية عريقة وغيرهم الكثير من الكورد ممن لمعت أسمائهم بقوة في تاريخ مصر. تركوا ورائهم بصمة رائدة ومؤثرة في مختلف مجالات الحياة بدأ من عصور ما قبل التاريخ إلى يومنا هذا ولايزال الكثير يجهلون حقيقتهم حتى يومنا هذا! فماذا تعرف انت عن الكورد المصرين؟!

 

 

الكورد جزء فعال ومؤثر في المجتمع المصري خرج من بينهم ساسة وقادة أسهموا في بناء مصر الحديثة منهم من تولى منصب القيادة وأنقذ مصر من الغزاة، وخرج منهم مجددون، ودعاة التنوير ومنهم من أثر في الحياة الفكرية وشاركوا في نهضتها الحديثة بعد أن انصهروا في صفوف المصريين وارتبطوا معهم بعلاقات مصاهرة وأصبحوا جزءا لا يتجزأ من تاريخ مصر، فقائمة الكورد المصرين تطول ضمن من لمعوا في مصر وبزغت أسمائهم كعلامة بارزة في فترة تكاد لا تنتهي ولكن قد لا يعرف الكثير من الناس أن جذور هؤلاء هي كوردية اصيلة! متى جاءوا، ومن أين، وما طبيعة العلاقات التاريخية بين مصر والكورد، وماهم أبرز الشخصيات الكوردية الذين اثرو في تاريخ المصري، وما حجم هذا الدور الان في المجتمع المصري!

 

 

تواجد الكورد الأصيل يضرب في عمق التاريخ ويعود إلى عهد الفراعنة. بين اجداد الكورد المصرين القدماء منذ القرن الرابع عشر ق. م. وهم الان يشكلون جزءا هاما ومؤثرا في النسيج المصري فالمصادر التاريخية تؤكد ان مصر من أقدم البلدان التي كانت لها علاقات وثيقة بالكورد مما يؤكد العلاقات المصرية الكوردية الضاربة في عمق التاريخ وهو زواج (الملكة الميتانية) “نفر تيتي” من الفرعون المصري ابن حوتب الرابع في قرن الرابع عشر ق. م، ان الادلة التاريخية تقول ان الملكة نفر تيتي كوردية فهي قادمة من المشرق من بلاد أخرى وليست ذات سمات غربية ولا فينيقية كما يتردد.

بدأت العلاقات الوطيدة بين المصرين القدماء والكورد بعد غزو أراضيهم من قبل “تحطمس الأول وهو الفرعون الثالث من الأسرة الثامنة عشر” واستمرت العلاقات بعد نجاح الكورد من التخلص من ذلك الغزو في أواخر القرن الثالث عشر، ق. م وتصف الوثائق الفرعونية القديمة الملك الميتاني “توشورتا” بالصديق الموالي لمصر وتوطدت العلاقة مع ملوك مصر، علاقات مصاهرة ونسب. وضمن الوثائق مراسلات مطولة بين ابن حوتب الثالث والرابع.

 

 

دخل الكورد كمكون جديد وهام في الإسلام بعدما جاء الفتح الإسلامي وأسهموا في صنع الحضارة الإسلامية والدفاع عنها مما عزز تواجدهم في مصر كحكام وعسكرين وتجار وطلاب ومن بين أبرز أولئك القادة الكورد “أحمد بن ضحاك” الذي تولى مناصب قيادة في الجيش المصري في عهد الخليفة الفاطمي القادر بالله. وكان له دور كبير في هزيمة الجيش الروماني في معركة قلعة افاميا قرب نهر العاصي *إضافة إلى “ابو الحسن سيف الدين علي بن سالار” الذي تولى منصبا وزاريا مهمآ في مصر، وكانت له بصمات عديدة ومن بينهما تعمير المساجد في القاهرة وبناء مدرسة للشافعية في الإسكندرية وضل بمصر حتى مات في عام ١٢٥٢م.

كان موطن الكورد او كوردستان يعرف بالقلاع الامامية للبلاد الإسلامية لأنها كانت الحصن المنيع للخلافة في وقوفها امام الروم الدخلاء للبلد ومن أشهر حصونها حصن “كيبا”.

التواجد الكوردي في مصر ظهر بقوة في عهد “الدولة الايوبية مع حكم صلاح الدين الأيوبي وبرفقه عمه” أسد الدين شيركو “حيث وحدت الدولة الايوبية في مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن وذلك عقب القضاء على الخلافة الفاطمية التي استمرت مئتان وأثنين وستين عاما، وشكل ذلك فرصة للكورد للبقاء والانتشار في مصر وقاد صلاح الدين الأيوبي عدة حملات ومعارك ضد الفرنج الصليبين في سبيل استعادة الأراضي التي استولى عليها في أواخر القرن الحادي عشر، وتمكن في نهاية المطاف من استعادة اراضي فلسطين واليونان بما فيها مدينة “القدس” في معركة حطين وبدأ الأيوبيون في التعامل مع المصرين بصورة مباشرة وبدأت المصاهرة والزيجات ومن هنا اختلط الدم المصري مع الكوردي وتركوا أثرا في النسيج المصري. ومما عزز توافدهم إلى مصر حرصهم على طلب العلم في الأزهر الشريف، فقد كان لهم رواق خاص بالمسجد وتقول المصادر التاريخية ان لهم أوقاف قديمة منذ أكثر من ٣٠٠ عاما بعد أن وهبت الأميرة الكوردية خاتون خان من الأسرة الايوبية ثروتها في خدمة العلم والدين ومن خلال ذلك الموقف تم تخصيص رواق للكورد الذي تخرج منه الكثير من العلماء وتشير المصادر التاريخية إلى أن الكورد ساهموا في حكم “مصر الحديثة” حتى عام ١٩٥٢ م من خلال أسرة “محمد علي”. ويقول المؤرخون ان محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة وصانع نهضتها من أصول كوردية من مدينة ديار بكر شمال كوردستان وهو ما أكده حفيد محمد علي في حوار نشر في جريدة مصور المصرية في عام ١٩٤٩ وهناك شهادة من بعض المعاصرين أمثال” علي تيمور باشا” الذي قال ان عائلة محمد علي من مدينة ديار بكر وان اباه كان في الجيش العثماني حتى ان لغة محمد علي العثمانية ضعيفة جدا عند مجيئه إلى مصر بالإضافة إلى هذا شهادات وادلة فقد أورد الدكتور محمود مؤلف كتاب الكورد في مصر انه تواصل مع الأسرة، عباس حلمي والذي قال كنت اسمع في القصر اننا من أصول كوردية وليست تركية “بقى الكورد في مصر وانخرطوا بين اهل مصر في القرن العشرين نبع الكثير منهم في مجالات مختلفة في الفكر والادب والفن واسهموا في قيادة حركة الإصلاح ضمن جيل التنوير الأول من بينهم:

  • الامام المصلح محمد عبدو وهو اول من نادى بإصلاح الخطاب الديني.
  • والمفكر قاسم امين وهو اول من نادى بتحرير المرأة.
  • وعملاق الأدب العربي الأديب الكوردي عباس العقاد.
  • وامير شعراء العرب احمد شوقي.
  • والشيخ قارئ القرآن عبد الباسط عبد الصمد. أشهر قراء القرآن الكريم
  • والباحث حسن زازا.
  • وعمر العقاد.
  • واحمد امين.
  • والاعلامية درية عوني.
  • والفنانان التشكيليان أدهم ومحمد سيف الدين.

 

 

 

وفي مجال الطرب والغناء لمع نجوم من أصول كوردية كان لهم بصمة رائدة ومؤثرة في تاريخ الفن المصري ضمن جيل العظماء الكبار من بينهم *سندريلا الشاشة العربية “سعاد حسني” واختها “نجات الصغيرة” وهم من كورد دمشق سكنوا مصر وهم من عائلة البابان الكوردية المعروفة هناك وعائلة بدر خان الشهيرة والفنان القدير محمود المليكي والفنان نجيب الريحاني وهو من محافظة السليمانية جنوب كوردستان وعادل أدهم واحمد رمزي وصلاح السعدني وعمر خورشيد وشيرين وشهريان ورغم لمعان هذه الأسماء في سماء الفكر المصري لكن قليل من الناس يعرفون! ان هؤلاء هم من أصول كوردية عريقة جدا. شكلوا جزءا مهما في تاريخ مصر.. يعيش في مصر الان ما يزيد عن سبعة ملايين كوردي طبق لما أعلنه القنصل المصري في هةولير عام ٢٠١٢ وهم الان ضمن النسيج المصري ويشتهر الكثير منهم بأصولهم الكوردية ويعملون في مهن مختلفة ويتمتعون بكافة الحقوق والبعض منهم للأسف لا يعرف اللغة الكوردية لكنهم لم ينفصلوا عن واقع الكورد والقضية الكوردية في العالم بل ان حيا في منطقة شبر الخيمة في القاهرة يحتضن جميعة تعرف باسم “جميعة الكورد” اسسوها كورد مصر من عائلات مختلفة من (تيمور. بدر خان. وظاظا. وعوني. وخورشيد. واغا) وتحمل عدة مناطق في مصر اسماء كوردية مثل (قرى الكورد ومنية الكوردي وقرية الكوردي. ومركز دكرنس ومركز بني زيد الأكراد وجزيرة الأكراد) حتى أن حي الزمالك الشهير والمعروف في مصر مستوحى اسمه من كلمه كوردية هي تعني الزمالك (مصيف الملوك) والمواقف المصرية الراسخة اتجاه القضية الكوردية واستقلال كوردستان ليست من باب المغازلة السياسية، بل انه تعبير صادق عن تاريخ العلاقات المصرية – الكوردية الضاربة في عمق التاريخ المتجذر منذ عهد الفراعنة ودلالة على حجم الحضور الكوردي في تاريخ مصر وتأثيره في كثير من المجالات والادوار التاريخية المهمة التي لعبوها واسهموا من خلالها في بناء مصر الحديثة واثرو في الفكر والثقافة المصرية.

 

قد يعجبك ايضا