وداعاً عبد الخالق زنكنة

د. ضياء المندلاوي

كم هيه قاسية لحضات الوداع والفراق، التي تسجل وتختزن في القلب والذاكرة، وكم نشعر بالحزن وفداحة الخسارة والفجيعة، ونختنق بالدموع، ونحن نودع واحداً من جيل المربين والأساتذة المخضرمين في السياسة، الناكرين للذات، الانسان والسياسي “عبد الخالق زنكنة” الذي كان رمز للأنسانية والوفاء والتضحية والنضال، الذي عرفته السجون والمنافي.

الكلمات ربما تقف قاصرة عن الوفاء لتعزية قامة سياسية وانسانية كبيرة غادرنا بحجم ومساحة الراحل “عبد الخالق زنكنة” المقاتل الشرس، والند للديكتاتورية الذي قاومها من جبال كوردستان عبر نضاله السياسي والأدبي والانساني.

ولعب الراحل دورا بارزا في العمل الحزبي في صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، والمعترك الثقافي والانساني، حيث كان احد الكوادر الحزبية المتقدمة في الحزب، وتمكن بكفاءته من الوصول الى مراتب متقدمة من النضال الوطني والقومي خدمة لقضية شعبه ووطنه الانسانية، وساهم مساهمة فاعلة في ترسيخ مبادئ الحرية والسلام والديمقراطية والارتقاء بالقيم والمثل الانسانية العليا.

كما مد زنكنة جسوراً من المحبة بين الكورد والعرب والمكونات العراقية الاخرى، طيلة فترة حياته ولاسيما عندما كان مسؤلاً لمكتب العلاقات العربية الكوردية في بغداد، فكان بحق ذلك الجسر الواصل من المحبة واللقاءات الاخوية بين اقليم كوردستان والمحافظات الأخرى.

ان الحظ كان حليفنا في ان نعمل مع الراحل خلال السنوات الماضية من نشاطاته بعد ٢٠٠٣، حيث كانت محطات حياته مليئة بالعطاء مفعمة بالعمل والإبداع، وكنت اتردد عليه كثيراً في مكتبه في بغداد، ونتناقش في الامور السياسية والثقافية والادبية، وفي احدى اللقاءات ابلغت الراحل بنيتي باصدار مجلة ثقافية تحت عنوان “الواحة الثقافية” فرحب بشكل كبير بالفكرة، وتبرع بمبلغ من المال من جيبه الخاص للمساهمة في طباعة العدد، واقترحت عليه حينها بان يكون صاحب الامتياز للمجلة، لكن رفض ذلك وايضاً رفض اقدم له الشكر في كلمتي في العدد “صفر” من المجلة، وقال لي “ابني اني ادعمكم لان انتم المستقبل” هذه واجبي اتجاهكم.

واتذكر محطات اخرى من حياته التي تمثلت بالزهد ، فكان يأكل من نفس الطعام الذي يأكل منه افراد البيشمركة وجميع العاملين معه في المكتب، وعند تجواله كان يخرج بصحبة السائق فقط، وفي سيارة عادية “بروتون” غير مصفحة ومن غير حماية، ولهذا فان “عبد الخالق زنكنة” كان كبيراً بادبه وأخلاقه وتواضعه وبحبه لأهله وأصدقائه.

واليوم نشعر بغصة، ونحن نتحدث عنه بوصفه غائباً عنا، وعن عشرات المفكرين، والسياسيين، لكنه سيبقى الأكثر حضوراً بيننا الآن رغم رحيله عن هذه الدنيا، فقد تربع بامتياز في ذاكرتنا التي يصعب تفريغها لأنها تشكل انتماءنا للمعنى الحقيقي للصداقة والإنسانية”

قد يعجبك ايضا