حراك غير مسبوق .. احتجاجات في المدن السورية المحسوبة على النظام

متابعة – التآخي

يجري في الآونة الأخيرة حراك غير مسبوق على صعيد الوضع السوري، اذ انبثقت في مدينة السويداء جنوبي سوريا التظاهرات المعادية لنظام الحكم، تلك المحافظة التي كان البعض يعدها رمزا لتأييد الرئيس السوري بشار الأسد أو أنها في الأقل كانت محايدة منذ الصراع الذي انطلق في عام ٢٠١١.

واستكمالا لحراك مستمر منذ نحو أسبوعين، شارك مئات السوريين يوم الثلاثاء ٢٩ آب ٢٠٢٣ في تظاهرات احتجاجا على تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار، تخللتها شعارات مطالبة بـ “إسقاط النظام”.

 وبحسب المراقبين، ظلت السويداء التي يسيطر عليها النظام، وتعد معقلا للأقلية الدرزية في سوريا، بشكل عام بمنأى عن المعارك والاشتباكات، لكن تأثير الوضع الاقتصادي على المحافظة أثار احتجاجات ضد الظروف المعيشية من حين لآخر.

وأعقبت الاحتجاجات قرار السلطات في منتصف شهر آب رفع الدعم عن الوقود، في خضم أزمة اقتصادية تخنق السوريين بعد أكثر من 12 عاما من نزاع مدمر.

وقد انطلقت الاحتجاجات في محافظتي درعا والسويداء الجنوبيتين لكن زخمها تواصل في السويداء، ذات الغالبية الدرزية، التي تشهد منذ سنوات تحركات متقطعة احتجاجا على سوء الأوضاع المعيشية.

وقال متظاهر، طلب عدم الكشف عن اسمه إن “قلة لا تزال تركز على المطالب الاقتصادية، فكثر فهموا أن لا وجود لحل اقتصادي من دون حل سياسي”.

وفي الأيام الماضية، كما الثلاثاء، رفع المتظاهرون شعارات مطالبة بـ”إسقاط النظام” أعادت إلى الأذهان التظاهرات غير المسبوقة التي شهدتها سوريا في العام 2011 قبل أن تتحول إلى نزاع دام مستمر حتى اليوم.

ويظهر شريط فيديو نشرته شبكة “السويداء 24” المحلية سكان يهتفون “يسقط بشار الأسد”، وخلال أيام الحراك، أقفل المحتجون مكاتب تابعة لحزب البعث الحاكم، وفق ناشطين في المحافظة.

ولمحافظة السويداء خصوصيتها، إذ أنه طيلة سنوات النزاع، تمكن دروز سوريا، الذين يشكلون ثلاثة في المئة من السكان، إلى حد كبير من تحييد أنفسهم عن تداعياته، فلم يحملوا إجمالا السلاح ضد النظام ولا انخرطوا في المعارضة باستثناء قلة، وتخلف عشرات آلاف الشبان عن التجنيد الإجباري، مستعيضين عن ذلك بحمل السلاح دفاعا عن مناطقهم فقط، فيما غضّت دمشق النظر عنهم.

وتتواجد الحكومة السورية في محافظة السويداء عبر المؤسسات الرسمية، فيما ينتشر الجيش حاليا على حواجز في محيط المحافظة.

ولذلك يرى ناشطون أن النظام السوري لن يتمكن من تحريك عناصره لقمع المحتجين في السويداء. وقال ناشط في المحافظة لوكالة الأنباء الفرنسية عبر الهاتف إن “خصوصية السويداء، وخصوصا من ناحية الأقلية الدرزية وعدم وجود مراكز أمنية للنظام وعدم الالتزام بالخدمة الإلزامية، منحتها مجالا أوسع لحرية التعبير”، وأشار إلى أن النظام بعث “وسطاء سياسيين” للبحث مع وجهاء السويداء في كيفية تهدئة الأمور.

ويدعم المحتجون مجموعات مسلحة محلية، من بينها مجموعة “رجال الكرامة” التي تعد الأكبر في المحافظة.

وقال المتحدث باسم المجموعة أبو تيمور “نقف خلف مطالب أهلنا المحقة”، مشيرا إلى مشاركة عناصر غير مسلحة من المجموعة فيها. وأضاف “لن نسمح بأي اعتداء على التظاهرات”.

وبعد أكثر من 12 عاما من نزاع دام، تشهد سوريا أزمة اقتصادية خانقة، فاقمها زلزال مدمّر في شباط والعقوبات الاقتصادية المفروضة من الدول الغربية، خسرت معها العملة المحلية أكثر من 99 في المئة من قيمتها. ولطالما عدت دمشق العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها سببا أساسيا للتدهور المستمر في اقتصادها.

وقد أودى النزاع بأكثر من نصف مليون شخص وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان في داخل البلاد وخارجها.

وكان نشطاء المجتمع المدني وشهود قد ذكروا إن محتجين يطالبون بإنهاء الحكم في سوريا أغلقوا مقر “حزب البعث العربي الاشتراكي” الحاكم في مدينة السويداء التي تقطنها أغلبية درزية في جنوبي غرب البلاد، فيما لم تظهر أي مؤشرات على تراجع الاحتجاجات التي دخلت أسبوعها الثاني بالمدينة.

واستعمل شبان ماكينات لحام لإغلاق أبواب مبنى الحزب الذي يتزعمه الرئيس بشار الأسد، ويتولى الحزب السلطة منذ انقلاب عام 1963.

وبحسب الشهود ردد المحتجون هتاف “ارحل يا بشار بدنا نعيش بكرامة”، في الساحة الرئيسة التي أعلن فيها كبار زعماء الدروز الروحيون دعمهم لاحتجاجاتهم، لكن من دون التأييد الصريح لدعوات إنهاء حكم عائلة الأسد المستمر منذ خمسة عقود.

وتشكل المعارضة المتصاعدة في المناطق الموالية للحكومة التي وقفت ذات يوم إلى جانب الأسد، التحدي الأكبر لقبضته على السلطة، بعد انتصاره في حرب أهلية استمرت أكثر من 10 سنوات بمساعدة حاسمة من روسيا وإيران.

ويقول كنان وقاف، وهو صحفي بارز اعتقل في السابق لانتقاده السلطات، إن المسؤولين شددوا الإجراءات الأمنية في المناطق الساحلية على البحر المتوسط، معقل الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد التي تسيطر على الجيش وقوات الأمن، في خطوة استباقية تهدف للسيطرة على الدعوات المتزايدة للإضراب والاحتجاج على الظروف المعيشية.

وأدت أزمة اقتصادية شديدة إلى انهيار العملة المحلية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والإمدادات الأساسية، وهو ما تقول حكومة الأسد إن سببه العقوبات الغربية.

وقال سكان في أنحاء محافظة السويداء، إن المتظاهرين أغلقوا فضلا عن مقر الحزب الرئيس أيضا عشرات الفروع المحلية لحزب البعث الذي يشغل مسؤولوه مناصب حكومية عليا مع فرار ملاكاته، بحسب قولهم.

ومزق متظاهرون صورا للرئيس السوري في تحد نادر له تشهده المناطق الخاضعة لحكمه، حيث يروج الحزب لتمجيد شخصه ومن قبله والده الراحل حافظ الأسد.

وبحسب سكان ونشطاء مدنيين، شهدت السويداء إغلاق معظم المؤسسات العامة وإضراب وسائل النقل العام، كما مارست الأعمال التجارية أنشطتها بشكل جزئي. ويزيد عدد سكان المدينة عن 100 ألف نسمة.

وقال ريان معروف، الناشط المدني ورئيس تحرير موقع “السويداء 24” الإخباري المحلي، إن “هذا عصيان مدني لم يحدث من قبل ويحظى بدعم مجتمعي واسع من قطاع كبير من الطائفة الدرزية وزعمائها الدينيين”.

وصرح مسؤولون في أحاديث خاصة بأن السلطات التزمت الصمت إزاء اتساع نطاق الاحتجاجات، لكنها أصدرت تعليمات للأجهزة الأمنية بالابتعاد عن الأنظار بل وأخلت بعض نقاط التفتيش لتجنب الاحتكاك.

وتداولت مواقع سورية معارضة، بيان منسوب إلى ما سمي «شباب الانتفاضة»، أو «10 آب» تَصدره الإعلان عن استمرار «الحراك السلمي»، ساردًا مطالب محددة أبرزها تغيير النظام وتطبيق القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2015، القاضي بوقف إطلاق النار والتوصل لتسوية سياسية للأزمة السورية، كما لفت البيان الى أن إغلاق فرع حزب البعث في السويداء، والمقار الحزبية في مدن وبلدات وقرى المحافظة كافة «لا رجعة فيه»، كما أعلن فتح طريق دمشق-السويداء لتمرير الدقيق والمحروقات والحالات الإنسانية والصحية والطلاب، مشددًا على ما وصفه بسلمية الحراك واحترام وحدة سوريا.

ويلفت باحثون الى أسلوب مواجهة الحركات المعارضة بالقوة العسكرية الذي دأب النظام في سوريا على استعماله، وقد يستعمله مرة أخرى لقمع احتجاجات السويداء؛ غير انهم يحذرون من ان يتحول الصراع الى نزاع مسلح مرة أخرى مثلما جرى في السابق.

قد يعجبك ايضا