د. توفيق رفيق التونجي
صفحات من دفتر الذكريات
” السيئ قد يؤدي الى نتيجة حسنة”
حكمة رومانية
نحن نعيش في عالم العولمة والقرية الكونية. مع تغيرات جذرية حصلت مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرون. كل الخير والشر في هذا العالم أصبح هيلاميا متغير الحدود وكحرباء تغير لونها وكأفعى يغير جلده. السياسة الدولية أيام الحرب الباردة كانت لها حدود واضحة والصراع بين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي قبل انهيارها ونقيضها المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة.
الامور والحوادث السيئة التي تحصل في عالمنا اليوم من حروب ونزاعات وكوارث بيئية وامراض واوبئة وتلوث تحولت جميعا بقدرة قادر الى امور جيدة حسب المفهوم السياسي السائد في دولة ما. ليس هذا بمتناقض مع مقولة:
“مصائب قوم عند قوم فوائد”
هذه المقولة موجودة في معظم لغات العالم بشكل او بأخر وبنفس المعنى نقول رب ضارة، نافعة . حتى الحروب نعمة للبعض لا بل يستخدمونها كإستراتيجية بعيدة المدى وتلك مهمة وطنية لإشعالها خدمة لمصالحهم ولا ريب ان هناك أمم ثروتها الوطنية وميزانيتها المالية تعتمد على تسويق صناعاتها الحربية وبيع منتوجاتها من معامل الأسلحة التي تعمل ليل نهار يحتاج الى اسواق لبيع منوتجاتها من اسلحة ومعدات. بينما يشتريها اخرون ويدفعون ثمنها من ثرواتهم الوطنية وقد يستخدمونها ضد ابناء قومهم وحتى مواطنيهم كما اعتاد عليها الحكومات المتتالية في العراق حيث دمروا كوردستان بأسلحتهم الفتاكة وقصف جبالها بالقنابل الحارقة وغاز خردل وقتلوا وانفلوا اهلها. حين أغلق ملفي الدراسي عام ١٩٧٥ وانا في سنتي النهاية في دراستي الجامعية مع اكثر من تسعون طالبا كوردستانيا يدرسون في جامعات أوربا بقرار من مجلس قيادة الثورة المنحل وكانت التهمة الموجهة لنا جميعا تاييد الحركة الكوردية التي اندلعت مع عدم تطبيق جميع بنود بيان ١١ آذار من عام ١٩٧٠. ثم جاء رفض دائرة البعثات استمراري للدراسة العالية والحصول على درجة الدكتوراه وفي الحالتين كنت ادرس على حسابي الخاص اي ان الوالد رحمه الله كان يؤمن لي عيشي وسكني وسبيل استمراري في دراستي. كانت الدنيا قد اسودت امام اعيني وبدا الياس يدخل الى روحي لكن كل تلك السلبيات علمتني الحياة والجهاد منذ ١٩٧٢ وكانت السبب المباشر لطلب للجوء لاحقا ورفض العودة الى الوطن والى اتون المعارك و الحروب.
نعم قارئي الكريم ، دفعت من عمري اكثر من نصف قرن خارج الوطن ومن محاسنه اني لم ارى حربي الخليج ولم أعيش ايام الحصار لا بل وجودي في الخارج كان سببا لعيش العديدين بحياة كريمة على الأقل اقتصاديا، تلك الايام العصيبة ولت دون رجعة.
هذا التناقض بين ما يصيبنا من قرح وشقاء في الحياة قد يكون سببا كي يعيش الآخرون في رغد. يقول الشاعر المرحوم السياسي إبراهيم احمد:
مه زى بو مردن بمره بو زيان
جون قازانجه كه ى تانه كه ى زييان
التساؤل المشروع ؛
هل نحن نعيش من اجل الحياة ام من اجل الموت؟
لا نعيش كي نموت فالموت حق طبيعي للبشر، كالحياة إنما يجب ان تكون للحياة قيمة معنوية وهدفا مقدسا يناله لمن له هدف سام وطموح الوصول. الى ذلك الهدف . كيف يكون الموت هدفا في واقع الامر لقد رفع الثوار الكورد) البيشمركه ( شعار مفاده “اما كوردستان او الفناء” وهنا نرى ان الموت بديل للهدف. لهذا التناقض مبرر نبيل هو ” الهدف أي الوطن ” لكن غالي ويكلف حياة الانسان. تغير الهدف للحركة الكوردية لاحقا الى المطالبة بالديمقراطية للعراق. ما وصلنا اليه اليوم بعد عام ٢٠٠٣ مر من عملية تطورية فكرية وصولا الى المناداة بالاستقلال.
الصورة لا تكتمل مهما كانت النوايا حسنة ويبقى هناك من يشعر بالظلم اينما حل البشر.
خلال السنوات ما بعد ٢٠٠٣ شهدت كوردستان بسواعد ابنائها قفزة تطورية نوعية من ناحية البنى التحتية والعمارة وساد السلام بعد ما يقارب قرن من أصوات الرصاص في سمائها. خير جاء على الجميع ولا اجد فيه اي شرا للمنطقة ودول الجوار.
تحية لرجال ترفعت وتنزهت ونفذت وعودها في بناء مجتمع مدني ولتخرس ازيز رصاص البنادق والمدافع الى ابد الآبدين ولتزدهر روابينا.
الاندلس
٢٠٢٣
الصورة لمصور جريدة التاخي من احتفالات صدر القناة، بغداد قبل اكثر من نصف قرن بمناسبة إعلان بيان الحادي عشر من اذار والمطرب المرحوم جالاك رفيق جالاك.