الباحث / احمد الحمد المندلاوي
كما نعلم مندلي مدينة قديمة وعريقة في ربوعها أماكن أثرية وتكايا ومقامات ومقابر.. ما زالت لها أصداء في الذاكرة الانسانية والحضارية. ومنها تكية حاجي بكتاش. فماذا تعرف عن هذه التكية ومن هو حاجي بكتاش هذا؟!
هو حاجي بكتاش النيسابوري صاحب الطريقة البكتاشية في التصوف، ويعتمد الكثيرون من المتصوفة طريقته المسماة بـ (البكتاشية – القزلباشية) نسبة الى الحاج بكتاش النيسابوري الأصل والمولد، وكان من السادة الموسوية.. أي ممن يتصل نسبهم بالإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام) وقد تتلمذ في خراسان/ إيران على يد الشيخ لقمان الصوفي الشهير توفاه الله تعالى سنة 738 هــــ في عهد السلطان خداوندكار في قرية (قره شهر)، ودفن في محل سمي باسمه (الحاج بكتاش) وما زال مرقده مزاراً يرومه أهل التصوف والعرفان.
انتشرت طريقته في التصوف في أماكن كثيرة، لا سيما في المناطق الكوردية؛ فأصبح له مريدون و بنوا لهم تكايا ومقامات في أماكن كثيرة منها قضاء مندلي- ديالى، فله تكية باسمه قرب نهر السوق (جو بازار) بين البساتين الخضراء الجميلة في بداية محلة قلعة بالي، اندثرت وبقيت معالمها، كان يرتادها مريدو الطريقة البكتاشية، كما له تكايا أخرى في إقليم كوردستان، لأنَّ له مريدين بين الشبك كذلك، و قد أخبرني صديق لي بأنّ للحاج بكتاش مقام وتكية في بدرة – محافظة واسط، ويظهر من ذلك بأنّ له تكايا و مقامات كثيرة في كوردستان لرواج طريقته في التصوف و العرفان.
وعن تكية الحاج بكتاش يقول المؤرخ محمد جميل الروزبياني:
تكية الحاج بكتاش في محلة قلعة بالي شيدها أحد الضباط البكتاشيين في العهد العثماني، عندما كان في مندلي، ثم وقف عليها عبد الرحمن حسني بك المصري المشتهر بـ (بالا) وهو والٍ بالبصرة سنة 1324هــ بستاناً اشتراه لهذه المهمة.
وقد خربت التكية أخيراً واتخذها بعض الفقراء والمساكين مأوى لهم، ورغم ان مديرية الأوقاف العامة استولت على 5/1 بستان (عطية درويش) الموقوف على التكية فإنها لا توليها اهتماماً.
البكتاشية.. تاريخ ورجال:
انتشرت البكتاشية في صفوف الشعب التركي انتشاراً كبيراً بسبب سهولة الأسلوب الذي تحدث بها شيوخها الى الناس، فقد ظهر شعراؤها أمثال:
(يونس آمرة، وقايغوسوز أبدال، ونسيمي بغدادي، ونظام أوغلو وغيرهم) وأنشدوا في هذه الطريقة بلذّة روحية جذابة والبعد عن الجدل العنيف.
وكانت تكايا البكتاشية مثالاً للنظافة والأناقة مع ما اشتهر به من (السر البكتاشي) والأشعار الميسرة التي كانت تنشد لأجلها تعرف (النفس).
والبكتاشية فرقة صوفية تنسب الى السيد محمد بن إبراهيم المشهور بالحاج بكتاش ولي المدفون في تركيا، وهو من أتباع الشيخ احمد اليسوي صاحب ديوان (حكمت) الذي كان يقرأ في كل بيت تقريباً، تنصُّ بعض الروايات على أن الحاج بكتاش ولي درس على يد احمد اليسوي، وقيل إن المؤسس الحقيقي للطريقة هو (بالم بابا) المتوفى سنة 922هـ، وجاء في بعض الكتب إنَّ الحاج بكتاش ولي هو (البير الأول) و(بالم بابا) هو (البير الثاني).
لقد انتشرت هذه الطريقة في بلاد الأناضول والبلقان فدان بها الألبانيون خصوصاً بين صفوف (الإنكشارية) وإنَّ كثيراً من المؤرخين يطلقون بالإنكشارية (الحاج بكتاش أوغللاري) أي أولاد الحاج بكتاش.
والطريقة البكتاشية هي خليط من الطرق الباطنية منها الحروفية وبهذا نرى أن (الفضل الله الحروفي) وهو أستاذ نسيمي بغدادي المقتول كلاهما في دولة التيموريين وكتابه الجاودان المقام الأسمى عند البكتاشية، وللحاج بكتاش كتاب عربي اسمه (مقالات)، ولهم تعاليم خاصة وحجج قوية يبررون بها لأنفسهم (الحب المفرط) لشخص الإمام علي بن أبي طالب (ع) ويبجلون الأئمة الإثناء عشر تبجيلاً عظيماً سيما الإمام جعفر الصادق (ع) وبهذا يكونون قريبين من المذهب الإمامية.
كانت البكتاشية في أول الأمر تعد الشيخ احمد اليسوي مرشداً لهم ويؤمنون بمبادئه إيماناً عظيماً ولكنها استقلت تدريجياً وأصبحت لها مبادؤها الخاصة.
وكانت للبكتاشية تكايا كثيرة في العراق في العهد العثماني منها التكية المعروفة باسمها في كربلاء والموصل وطوز خورماتو وداقوق ومندلي (كما ذكرنا أعلاه) وغيرها من المدن العراقية.