محادثات جدة طريق السعودية والامير بن سلمان من بوابة الحرب في أوكرانيا

 

 

متابعة ـ التآخي

برغم أنها لم تحقق نتائج ملموسة بعد أن وصفتها موسكو بأنها غير مجدية ومحكوم عليها بالفشل، فإن محادثات جدة بشأن الحرب في أوكرانيا أبرزت قبل كل شيء دور الوسيط الذي تسعى السعودية وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان لتأديته، اذ استفاد هذا الأخير من أجواء التوترات بين روسيا والغرب وتقلبات أسواق الطاقة والنفط ليضع نفسه في قلب الدبلوماسية الدولية، بحسب الباحثين.

ولم تحقق محادثات جدة بشأن الحرب في أوكرانيا التي احتضنتها السعودية في 5 و6 آب 2023 اختراقا يذكر، على صعيد حلحلة الأزمة التي اندلعت منذ بدء الحرب في اوكرانيا في 24 شباط 2022.

إن المناقشات التي جمعت وفودا من أكثر من أربعين دولة ومنظمة دولية وشارك فيها بخاصة كل من الولايات المتحدة والصين والهند ودول أوروبية، لم تسفر عن أي تقدم فعلي لتسوية هذا النزاع؛ كما لم يتم نشر بيان ختامي مشترك في نهاية الاجتماع الذي لم تتم دعوة روسيا، الطرف الرئيس في الحرب، لحضوره.

برغم كل هذا، يرى خبراء متخصصون بشؤون منطقة الشرق الأوسط، بأنه وبالنسبة إلى الرياض التي وجدت نفسها في قلب المشهد الدولي، فإن مخرجات محادثات جدة هي أبعد من النزاع الروسي الأوكراني بحد ذاته.

 

 

في هذا الصدد، يقول ستيفن كوك الخبير المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث ومؤسسة فكرية مستقلة مقرها نيويورك “بالنسبة إلى محمد بن سلمان، فقد كان المهم خصوصا أن تُعقد هذه القمة الكبرى حول ما يمكن عده القضية الأبرز على الساحة الدولية في جدة بحضور وفود من القوى الغربية الرئيسة، إضافة إلى ممثلين عن دول الجنوب”.

يضيف الباحث “في السنوات القليلة الماضية، حرص ولي العهد على إظهار أن المملكة العربية السعودية هي لاعب دولي أساسي، ليس فقط بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، ولكن أيضا على الساحة الدبلوماسية. لهذا، فإن هذا المؤتمر الكبير هو إذا بمنزلة الوسيلة التي تتيح لولي العهد تحقيق مراده بمنح السعودية دورا دوليا أكبر”.

لكن بالنسبة لكريم صادر خبير سياسي ومستشار متخصص في دول الخليج، فإنه “لم يكن ينبغي أن نتوقع الكثير” من هذا الحدث الدبلوماسي، ليضيف “قمة جدة كانت شكلية هدفها قبل كل شيء إظهار إرادة تواجد فاعلين جدد، أو ما يطلق عليهم القوى البديلة، للتأثير على الساحة الدولية، هذه القوى، ومن بينها السعودية، وجدت في هذه الأزمة الأوكرانية والاضطرابات الدبلوماسية فرصة سانحة لتسجيل النقاط”.

وبحسب كريم صادر، فإن النظام البتروموني (الدول الملكية المصدرة للنفط) السعودي “يستغل هذا الوضع والنزاع بين أوكرانيا وروسيا، وبشكل أوسع التوترات بين الغرب وموسكو، ليكون ضمن هؤلاء اللاعبين الأساسيين” دوليا، على حد وصفه.

وقد تمركزت الرياض بشكل استراتيجي وبدعم من حلفائها الغربيين، بين موسكو وكييف في سعيها لتوسيع نفوذها على الساحة الدولية. فمن جهة، لعبت المملكة لعبة روسيا وجهدها الحربي، عبر ممارسة سياسة نفطية تهدف إلى رفع الأسعار في الأسواق العالمية، ما أثار استياء واشنطن. ومن جهة أخرى، ساندت المملكة، وهي أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم، قرارات مجلس الأمن الدولي التي تندد بروسيا في حربها على أوكرانيا.

حتى إن الأمير محمد بن سلمان كان قد استضاف في منتصف أيار الماضي، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على إثر زيارة مفاجئة قادته إلى جدة، فيما كانت جامعة الدول العربية تعقد قمتها.

يلحظ كريم صادر في هذا الشأن “رفضت الرياض منذ البداية لعب لعبة الغرب، والاصطفاف بطريقة كاريكاتورية مع موقف حلفائها التقليديين، وهو ما يعد موقفا ثوريا تماما لأننا نعد دول الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية حلفاء طبيعيين للغرب”.

 

 

من جانبها عدت روسيا، التي كانت في الأصل منزعجة من زيارة الرئيس الأوكراني إلى السعودية، أن الاجتماع الذي جرى تنظيمه في عطلة نهاية الأسبوع على شواطئ البحر الأحمر، الذي لم تتم دعوتها للمشاركة فيه، هو “عديم الفائدة”.

في هذا السياق، تنقل وسائل إعلام روسية رسمية، عن نائب وزير الدفاع الروسي سيرغي ريابكوف وصفه محادثات جدة بأنها “انعكاس لمحاولات الغرب لمواصلة جهوده الفاشلة وغير المجدية” لحشد دول الجنوب مع موقف كييف.

ويرى كريم صادر، ان غياب الممثلين الروس عن هذا الاجتماع هو “رسالة مبطّنة من السعودية إلى الغرب” للدلالة على إعادة ضبط موقف الرياض من الحرب في أوكرانيا.

وهو يقول في هذا الإطار “اتهمنا السعوديين بأنهم أصبحوا بعض الشيء مؤيدين لروسيا، إذا وبسبب هذه الطريقة في التصرف معهم، فإنهم باتوا يظهرون رغبتهم في إعادة التوازن أكثر لتوجهاتهم كما يظهرون للغربيين بأن السعودية ليست متحالفة مع روسيا بطبيعة الحال، بل أنها تلعب دور الموازن والوسيط”.

وفيما كان لافتا غياب روسيا عن محادثات جدة، فإن تواجد قوة كبرى أخرى عضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كان الحدث الأبرز، فقد تمكن السعوديون أخيرا من إقناع الصين، العضو البارز في منظمة بريكس، بأن تشارك عبر مبعوثها إلى أوكرانيا، لي هوي.

يرى ستيفن كوك، بأن حضور المبعوث الصيني الخاص “هو انتصار دبلوماسي كبير للسعوديين”، ويضيف بأن السعوديين قد كرّسوا “كثيرا من الوقت والجهد لتطوير علاقاتهم مع الصينيين”، لتفادي أن ترتبط بكين ارتباطا وثيقا مع منافستهم الإقليمية إيران.

هذا، وكانت السعودية قد استضافت الرئيس الصيني شي جينبينغ في كانون الأول 2023، في زيارة نظمت خلالها قمة اقتصادية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي الست، وجرى بمناسبتها توقيع عقود بمليارات الدولارات لاسيما في مجالات الطاقة والبتروكيماويات.

وفيما يستغل إعادة البناء الجيوسياسي العالمي لوضع بلاده في مصاف القوى الكبرى، تمكن محمد بن سلمان أيضا من العودة إلى واجهة المشهد الدولي الذي جرى استبعاده منه بعد اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2018.

في هذا الشأن، يوضّح ستيفن كوك “قبل نحو خمس سنوات، كان محمد بن سلمان معزولا من المجتمع الدولي على خلفية اغتيال الصحفي السعودي الذي كان يعمل بصحيفة الواشنطن بوست، واليوم يجد نفسه مضيفا لقمة كبرى لما قد يكون أهم قضية في السياسة الدولية حاليا”.

ففي تقرير لوكالة المخابرات المركزية سي.آي.إي رفعت عنه السرية من البيت الأبيض في شباط 2021، جرى اتهام محمد بن سلمان بأنه أعطى “موافقته” على عملية “القبض أو قتل” جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول بتركيا.

وبالنسبة إلى كريم صادر فإن “من المؤكد بأن أجندة السعودية تتداخل مع الأجندة الشخصية لولي العهد الذي يسعى شخصيا إلى الاستفادة من هذا الوضع. عندما ظهر محمد بن سلمان، اكتشفه الغرب على أساس أنه الشخصية المثيرة للحرب: مهندس الحرب الرهيبة في اليمن، ومؤلف الضربات ضد قطر، في سوريا ولبنان. اليوم، هذه هي الصورة التي يحاول تلميعها عبر تقديم نفسه على أنه الأمير الوسيط والدبلوماسي، بعد أن كان يُعد قبل هذه الأزمة الأوكرانية، منبوذا من جو بايدن شخصيا، في أعقاب القضية المروعة لاغتيال جمال خاشقجي”.

كذلك، يذكّر الخبير المختص في شؤون دول الخليج بأن السعودية وفي ظل الزخم الذي يحيط بولي العهد، قد اقتربت أكثر من إيران، وحصلت على إعادة بشار الأسد إلى الصف العربي، فيما لعبت دور الوسيط بين الروس والأوكرانيين.

ويختم كريم صادر بالقول “أعتقد أن محمد بن سلمان يستعد ببساطة لتتويجه، ومن ثم يظهر في دور المثبت للاستقرار حتى يكتب صفحة جديدة له كملك مستقبلي”.

 

قد يعجبك ايضا