منارات عراقية … علي الشرقي .. شاعر كبير عشق العراق

جعفر المهاجر

بعد جهد جهيد في البحث عن ديوان الشاعر أسفر بحثي في الحصول على الديوان بمساعدة أحد الأصدقاء فأخذت عيناي تلتهم كل حرف فيه وقرأته عدة مرات وأسفرت قراءتي للديوان عن هذا البحث أرجو أن ينال رضا من يرغب في قراءته.

والشعر الأصيل هو الذي يبقى شامخا، يتجدد مع الزمن فتردده الأجيال وتحتضنه الأمه لأنه يمثل جزءا من حضارتها وتأريخها ورسالتها الإنسانية وهذا ما تميز به شعر الشيخ علي الشرقي.

 

 

ولا شك أن الشاعر الكبير الشيخ علي الشرقي هو أحد أبناء العراق المبدعين حيث أعطى من روحه وقلبه وكيانه ووجدانه شعرا خالدا لا يبلى على مر الزمن. هو الشيخ علي بن الشيخ جعفر بن الشيخ محمد حسن بن أحمد بن موسى بن حسن بن راشد بن نعمه بن حسين المعروف بالشرقي.

ولد الشيخ الشاعر علي الشرقي في النجف الأشرف عام 1892م وتوفي عام 1964م وخلال هذا العمر البالغ 72 عاما عانى الشاعر الكثير من الفقر والحرمان بعد أن ولد يتيما ولم تتح له ظروفه المادية الصعبة الاستمرار في الدراسه فكان القرآن منهله الثر الذي غرف منه ينابيع معرفته وكانت مكتبات النجف وحوزتها العلمية وما تحتوي رفوف مكتباتها من ذخائر المعرفة لكتاب وعلماء وشعراء رفدوها بغزير علمهم لا تغيب أبدا عن هواجس الشاعر ورغبته الجامحة في الاستزادة منها منذ نعومة أظفاره. خاصة أذا علمنا أنه تتلمذ على يد الشيخ محمد جواد الشبيبي والشيخ محمد كاظم الخراساني والسيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني وغيرهم من فطاحل اللغة والفقه والأدب والعلم والتراث.

أن شعر الشيخ علي الشرقي شهادة رائعة للحس الوطني والقومي الشريف الخالي من التعصب والاستعلاء. وهو رمز للنضال الدؤوب ضد كل أعداء الأنسان العراقي وغير العراقي وأمانيه وتطلعاته المشروعة في الحياة الحرة الكريمة البعيدة عن القهر والظلم والإلغاء. وقد صدر ديوانه الذي ضم جل شعره عن وزارة الثقافة والأعلام العراقية عام 1979م حيث أشرف الأستاذان الدكتور أبراهيم الوائلي وموسى الكرباسي على جمعه وتحقيقه وذلك بعد عناء طويل لقياه أثناء جمعهما له حيث كان قبل ذلك في أوراق متناثرة في مكتبته وفي أماكن أخرى. يقع الديوان في 462 صفحه من الحجم الكبير وقد تضمن معظم قصائده ورباعياته ومزدوجاته التي عالجت مختلف شؤون الحياة بلغة شعرية أنيقة ومؤثرة بعيدة عن الحشو والتكلف.

 

 

يقول المحققان في مقدمة الديوان (لم يقتصر الشرقي على الشعر فقد كان ناثرا لا نبخل عليه بأن نعده من كبار الكتاب في البلاد العربية وقد كتب في موضوعات تأريخية واجتماعية وسياسية وأدبية وكانت لغته في النثر أشبه بلغته في الشعر فقد كان يكتب بحثا أو دراسة أو مقالة كأنه كان ينثر شعرا.)

والشاعر له عدة مؤلفات يجدها القارئ في مقدمة الديوان ولكن الذي يهمنا في هذا البحث هو شعره فقط.

أن معظم شعر الشرقي يمثل أخلاقية شاعر أصيل متمكن من أدواته الشعرية وهب نفسه لوطنه العراق وجند قلمه لمقارعة الظلم والظالمين وكل أنواع القهر والتخلف وعندما تتفجر قريحته شعرا من أجل وطنه ينقلنا الى عوالم وجدانية وإنسانية تنبض بحرارة الانتماء الى تربة العراق وحضارته العريقة الضاربة في أعماق الأرض والتأريخ وهو أينما حل هاجسه الوطن وكلما ابتعد عنه يشعر بالحنين الجارف له لأنه قطعة منه لا يطيق العيش بدونه. ويشبه نفسه بالنبتة التي تستمد بقاءها من تلك التربة الطاهرة المعطاء حيث يقول في إحدى قصائده:

هل المرء قطعة من بلاده   وما اندفعت ألا لتشعر بالجذب

وأني لأوطاني كنبت بحقلها   أذا نزعوه جف عن ناظر رطب

وهو يتمنى أن تعيش كل شعوب الأرض في محبة وصفاء ووئام بعيدا عن التطاحن والحقد والكراهية وهذا الأمر هو أحب الأشياء الى قلبه:

 

 

حبيب لقلبي أن أرى كل موطن   لآخر موصولا برابطة الحب

والشرقي غالبا ما يلجأ الى الرمز للتعبير عما يجول في نفسه من احتجاج على تلك الأوضاع التي كانت تسود في العراق. وشعره خال من السطحية والإسفاف والغموض والتعقيد، وهو يكثر من التشبيهات وله أسلوبه الخاص والمميز ويعالج موضوعاته بروح معاصرة بعيدا عن المباشرة والنقل الآلي بل حافل بالصور الجديدة والمبتكرة والمعاني المستحدثة والعبارات الرشيقة. وعنما ينشد الشرقي شعرا يعبر عن تجربة صادقة حية وفي المواقف الوطنية نراه يصعد الحدث، ويثير المشاعر، ويلهب الأحاسيس لقضية عادلة ويجعلها في حالة تأجج وغليان. فعندما تطعن كرامة الأمة في الصميم من قبل أعدائها، وتداس حقوق الشعب وتصبح خيرات الوطن نهبا للأجنبي الغاصب لا يكون للشاعر الصادق مع نفسه ومع شعبه غير خيار الاستنهاض والثورة على هذا العدو الدخيل الذي لا يمت الى الوطن بصلة ويريد أن يتحكم برقاب الناس ظلما وعدوانا وقصيدة (منجل الفلاح) تعبر خير تعبير عن تلك الرؤى فهو يدين فيها أولئك الحكام الذين بنوا قصورهم الشاهقة والمنيفة وسعادتهم ونعيمهم الدنيوي على جماجم الفقراء والمسحوقين والمحرومين ويبين في هذه القصيدة الجميلة كيف سرق الحكام الطغاة قوت الشعب وهم غارقون في ملذاتهم ولهوهم وبذخهم دون الالتفات لمعاناة تلك الطبقات المسحوقة والمحرومة التي غدت جيلا من الأشباح حيث يقول في تلك القصيدة:

أرهقت شدة المظالم جيلي   فاذا هم جيل من الأشباح

ما لهذا الفلاح في الأرض روح   أهو من معشر من الأرواح؟

هو في جنة ينال عذابا   وهو تحت الأشجار أجرد ضاح!

وقرى النمل لهف نفسي أثرى   من قراه ألا من الأتراح

ألى أن يقول:

رب قصر من فوق دجلة   كالطاووس للزهو ناشرا لجناح

أتراه مدته دجلة أنفا؟   حين فاحت روائح القداح

نصبوه كمنبر من زهور   والمراقي كسوسن وأقاح

لو كشفنا أطباقه من أساس   لوجدناه منجل الفلاح!

أرهقته ضرائب باهضات   وديون ثقيلة الأرباح

لم يفده سلاحه فهو ليث   قتلوه صبرا بغير سلاح!

لو كشفنا عن قلب ذاك المعنى   وجدناه مثخنا بالجراح!

قد يعجبك ايضا