مابين حرق المصحف..وحرق السفارة

صبحي مندلاوى

أثار حرق  المصحف الشريف في السويد  ردود أفعال إسلامية وعربية عدة، ولاشك ان   أكبر ردود الأفعال الغاضبة كانت في العراق ووصل الى حد حرق مقر سفارة السويد فيها من قبل متظاهرين .

ماحدث في ستوكهولم وأمام مقر السفارة العراقية لم تكن المرة الأولى والتي يتم فيها حرق المصحف الشريف في اوربا و العالم  فقد سبقتها اكثر من ستة عشر مرة  منذ عام 2011 في بريطانيا و الولايات المتحدة وفرنسا والنرويج والدنمارك  وألمانيا وآخرها كان في  السويد ولمرتين متتاليتين من قبل شخص عراقي مغمور إسمه سلوان موميكا وهو ذو أصول مسيحية والذي كان منضويا سابقا في احدى التشكيلات الخاصة بالمسيحيين في سهل نينوى مع ميليشيا ريان الكلداني بعد أن منحته الشرطة السويدية تصريحًا بتنظيم الإحتجاج إثر قرار قضائي 
ولاشك أن ما أحرقه هذا  العنصري الحاقد هو المصحف الشريف وليس القرآن الكريم وهي النسخة المكتوبة حيث توجد الملايين منها و لم يكن القرآن الذي هو كلام الله الذي هو محفوظ بحفظه جل وعلا حيث  يقول في محكم كتابه الكريم (( إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ))

عربيا أدانت 14 دولة عربية واقعة حرق المصحف منها دول مجلس التعاون الخليجي و مصر  والأردن، وفلسطين، والمغرب، ولبنان،  والجزائر، وليبيا في بيانات حكومية فضلا عن العراق و دوليا صدرت إدانات شديدة من تركيا و ماليزيا، وباكستان وأفغانستان وإيران لتلك الواقعة.

ماحدث في العراق من ردود أفعال رسمية و شعبية كان مختلفا وأثار عدة تساؤلات وعلامات استفهام و مع ان البعض علل ذلك بقدوم شهر محرم الحرام فضلا عن أن الشخص الذي قام بهذا الفعل الشنيع هو عراقي إلا أنه من الواضح أن السيد الصدر و تياره المنسحب من العملية السياسية جاءته فرصة جديدة للظهور في المشهد السياسي وربما كان رد الفعل المتشدد من قبل الحكومة العراقية محاولة لإحتواء مجاميع التيار الصدري ، فيما تتجه الأنظار نحو إنتخابات مجالس المحافظات والتي ستكون مرآة عاكسه للانتخابات المقبلة لمجلس النواب العراقي وربما تعمل الأحزاب السياسية المختلفة إلى كسب ود الشارع العراقي من خلال التصعيد الذي أدى إلى حرق مقر السفارة السويدية في بغداد وهو لم يكن الحدث الأول في سلسلة الهجمات التي تطال البعثات الدبلوماسية والمصالح الأجنبية في العراق وهي بذلك تجاوزت القانون الدولي حيث تشكل إتفاقية فيينا قاعدة لتوفير الحماية بين الدول للبعثات الدبلوماسية ومنع حصول
أي اعتداء سواء كان مسلحا أو لا .

إن ثقافة الحرق التي إنتشرت بين العراقيين لم تقتصر على البعثات الدبلوماسية بل ان الصراع بين الأحزاب السياسية غالبا ماأدى إلى حرق المقرات في بغداد و المحافظات في مرات عديدة فيما تعرض مقر الديمقراطي الكوردستاني في بغداد إلى الحرق لأكثر من مرة بدواعي غير مبررة و أمام أعين الأجهزة الأمنية في صورة تعكس عجز الحكومة وأجهزتها من القيام بواجباتها حيث أن هذه الأحداث تترك إنعكاسا للواقع العراقي المر .

أن سياسة حرق المقرات واللعب بالنار يدل على عدم وجود مؤسسات دولة حقيقية ولا احترام
للقانون وهي ثقافة خطيرة جدا نشأت عند بعض الجهات السياسية حتى بات تقليدا متزايدا في العراق من خلال مخططات مرسومة سلفا بعكس ما يتم ترويجه بأنها حالات عفوية.

كان الأجدر بالعراقيين إعطاء صورة إيجابية أخرى تعكس روح الإسلام الحقيقي في ردود أفعالهم تجاه حرق المصحف الشريف من خلال التظاهر السلمي ورفع لافتات رافضة لهذه الحادثة وان تقوم الشرطة بإبعاد المتظاهرين عن مقر السفارة بمسافة مناسبة والقيام بنشاطات أخرى تعبر عن سخطهم بشكل متحضر أمام شعوب العالم كما فعلت معظم الدول الإسلامية والعربية في شجب هذا التصرف ومنها ما قامت به الكويت حينما قررت طبع 100 الف نسخة من المصحف الشريف باللغة السويدية في خطوة ذكية و دبلوماسية.

إن التهدئة وعدم التصعيد مطلوبة حاليا وماقامت به الحكومة من قرارات ومنها قطع العلاقات الدبلوماسية وطرد البعثة الدبلوماسية هي مطلوبة رغم ان العراق لا يمتلك علاقات اقتصادية وسياسية كبيرة مع السويد ، لكن هناك ملفات أخرى بين العراق والسويد ومنها تتعلق بقضية اللاجئين حيث إستقبلت السويد مئات الآلاف من العراقيين في مراحل مختلفة ولازال الكثير منهم يعيش هناك ، وعلينا جميعا كحكومة وشعب أن نشجب ثقافة الحرق بكل أشكاله وأنواعه بغض النظر عن كل مسبباته كونها تسيء لسمعة العراق والعراقيين.

 

قد يعجبك ايضا