دزوار فائق في حوار صريح مع التآخي :بحسب الحقائق التأريخية والخرائط المعتمدة دوليا، كركوك مدينة كوردستانية

حاوره د.حسن كاكي

استمرارا للقاءات والحوارات الصحفية التي تجريها صحيفة التآخي مع الشخصيات السياسية والثقافية والاكاديمية والحكومية والحزبية ،مراسل التآخي يطرح اسئلة متعددة على الدكتور دزوار فائق المستشار الاقدم لمجلس وزراء اقليم كوردستان، ومستشار رئيس وزراء الاقليم السيد مسرور البارزاني، وممثل حكومة اقليم كوردستان في اللجنة التنفيذية العليا للمادة 140 من الدستور،بدأنا حوارنا مع الدكتور دزوار فائق بسؤال بشأن قرائته بشأن مقولة البارزاني الخالد المعروفة (كركوك قلب كوردستان) اجاب قائلا:

-تعد كركوك من أقدم مدن العالم؛ وكانت اول عاصمة لمملكة (كوتيام – الكوتيين) الكوردية في التاريخ القديم، وتحت اسم (أرابخا او عرفة) وكانت في العهد العثماني مركز ولاية شهرزور التي كانت تضم مناطق واسعة مثل : راوندوز، واربيل، وكويسنجق، وشقلاوة، بشدر، رانية . كما انها مركز حضاري وتاريخي وانساني واقتصادي، ومن هنا جاءت مقولة البارزاني الخالد (كركوك قلب كوردستان) فان هذا الوصف الجيوسياسي الدقيق لهذه المدينة الكوردستانية كان يرتبط من وجهة نظر الراحل بعدة حقائق تاريخية وجغرافية وستراتيجية، واقتصادية . والكورد كانوا ولازالوا الاغلبية فيها ناهيك ان الكورد قاوموا سياسة التعريب في كوردستان من خلال ثورات عديدة منها ثورة الشيخ محمود الحفيد وثورات البارزانيين وثورتي ايلول وكولان وقدموا انهارا من الدماء والشهداء، وهي جزء لا يتجزأ من كوردستان وهذه حقيقة يعرفها الجميع .

 

 

*المماطلة والتسويف في التعامل مع المادة 140  وعدم تنفيذها كان لسببين رئيسيين ،الأول التدخلات الخارجية التي لا تريد الخير للعراق والعراقيين ،والثاني رسوخ الفكر المركزي الشوفيني العنصري الطائفي في عقيدة وفلسفة البعض من حكام العراق الجدد.

حتى ان صدام حسين اثناء المفاوضات بعد اتفاقية 11 آذار عام 1970 اقترح ان تكون حدود كركوك ضمن مناطق الحكم الذاتي لغاية نهر الخاصة أي نصف كركوك ورفضتها القيادة الكوردستانية في حينها . (وانا اقول هنا ان سلسلة جبال حمرين هي حدودنا الطبيعية التي رسمها الله سبحانه وتعالى). لذا لا غبار على كوردستانيتها مطلقاً،  ليس حسب الادعاءات الكوردية، بل حسب الوثائق الدولية، والحقائق التاريخية والجغرافية، والخرائط المعتمدة، وكتابات المؤرخين، والباحثين وكتب التراجم والسير واراء الرحالة والمستشرقين، واطنان الوثائق والمستندات في دائرة المعارف البريطانية، والعراقية، والموسوعات الأجنبية، التي لا تجانب هذا الطرف وذاك .

س : لماذا جاء التأكيد على تعريب مدينة كركوك اكثر من غيرها ؟ .

-لو لم تكن كركوك كوردستانية لما تم تعريبها، وعلى الرغم من سياسة التعريب في الكثير من المدن الكوردستانية منها خانقين ومندلي وبدرة وجصان وشنكال (سنجار) ومخمور وشيخان وزمار وغيرها . لكن التأكيد على تعريب مدينة كركوك جاء بعد تأسيس الدولة العراقية واكتشاف النفط فيها، لذا بدأت الحكومة العراقية تفكر بسياسة تعريبها وابتدئها رئيس وزراء العراق في العهد الملكي ياسين الهاشمي حيث اجرى تغييراً شاملاً في خريطة توزيع القبائل العراقية، لا سيما في ظل زحف العشائر العربية الرحالة منها : شمر، زبيد، وعنزة، القادمين من الحجاز، ونجد، متوغلين باتجاه منطقة الجزيرة غربي مدينة الموصل وكركوك، واستمرت هذه الظاهرة بعد الحرب العالمية الاولى وقيام الدولة العراقية، لكن ضمن برنامج وخطط مقننة عرفت بـ (سياسية التعريب). وكانت خطة التعريب في العهد الملكي ترمي الى تعريب مناطق كوردستان الاستراتيجية، والغنية بالنفط، والمعادن، والخصبة زراعياً، لذا تم انشاء مديرية الاسكان لتوطين البدو في اطراف كركوك ومنحهم الجنسية العراقية لغرض تجنيدهم في الجيش العراقي .

ثم بدأت الحكومة العراقية وبصورة رسمية بتنفيذ عدة مشاريع إروائية مثل : مشاريع اللطيفية، والدجيلة، والحويجة، والجزيرة . وبدأت سياسة التعريب بخطوات وبوتائر متسارعة لاستيطان العرب الرحل والغير رحل، ووزعت عليهم الأراضي الزراعية وجلب خبراء زراعيين لتعليمهم الزراعة، وتشجيع أعداد كبيرة منهم للاستفادة من فرص العمل التي وفرتها شركة نفط العراق في كركوك. بالإضافة الى تشييد (2000) دار سكنية في منطقة عرفة وتوزيعها على العرب حصرا، ناهيك عن الجماعة المسمى (جماعة العشرة الاف) في عهد النظام البعثي وهي تشجيع السكن في كركوك للعرب حصرا مقابل منحهم عشرة الاف دينارا وقطعة ارض سكنية، واجلاء الكورد عن المدينة بالتدريج  .

س : اليس هناك قرارات من مجلس الامن او الهيئات الدولية كانت تمنع التلاعب بخصوصية المناطق الكوردستانية بعد ضم كوردستان الجنوبية الى العراق ؟

-نعم فقد اكد السير (أريك درودموند) ممثل الحكومة البريطانية في عصبة الأمم في الفترة (1920 ـ 1933) على الحكومة العراقية الالتزام بتطبيق شروط عصبة الأمم، وان أي محاولة لتغيير الهوية الكوردستانية لمدينة كركوك بالذات يعتبر إخلالا بالعقد وإلغاء للاتفاقية والتزامات عصبة الأمم، والحكومة البريطانية تجاه العراق، أي ان شرط بقاء الدولة العراقية والاعتراف بها مرتبط تماما بعدم المساس بالهوية الكوردستانية لمدينة كركوك، ولذلك فقد تعهدت الحكومة العراقية باحترام الخصوصية الوطنية لشعب كوردستان في 28/1/1932 وبلائحة مصدقة من قبل مجلس الامن، ولكن لم تلتزم بها كما ان هذه الجهات لم تمنع تعريب هذه المناطق فقط بل حتى تمادت وغضت النظر عن المجازر التي ارتكبت ضد الكورد في الانفال وحلبجة وغيرها . بل ان سياسة بريطانيا ولغرض وضع يدها على نفط كركوك، كانت سياستها تتماشى مع السياسة العراقية في تعاون (انكلوا – عراقي) بخصوص ضرب المطامح القومية الكوردية، والتنكر لحقوقه القومية، وقسوتهم في قمع انتفاضاته وثوراته بالقوة المسلحة، وتفننهم في تشويه طموحاته القومية وتراثه وحضارته.

* بعد الاتفاق السياسي الأخيرالذي ابرم بين اربيل وبغداد الذي انتج حكومة السيد محمد شياع السوداني، هناك بادرة امل و حسن نية واستعداد كبير من الحكومة الاتحادية،لحل قضية كركوك عبر السبل القانونية والدستورية ;

س : لماذا لم تطبق المادة 140 من الدستور علما كان السقف الزمني لتطبيقها نهاية عام 2007 ؟

-المادة 140 مادة دستورية صوت عليها 85% من الشعب العراقي ، وباركتها كل القوى السياسية العراقية الذين كانوا الركيزة الاساسية لتغيير النظام والمحرك الاساسي للمعارضة العراقية، وتم طرح هذا الموضوع كمشروع حل قانوني للقضية الكوردية، ولمعضلة كبيرة كانت تواجه كل الحكومات العراقية المتعاقبة على حكم العراق، وكانت لها تأثيرات سياسية واقتصادية وعسكرية ليس على مستوى العراق فحسب وانما على المستوى الاقليمي والدولي بسبب تدخلات هذه الدول في الشأن العراقي، وتنفيذ المادة 140 من الدستور يعد حلاً وطنياً يرضي ، ليس فقط للكورد وانما العرب والتركمان، وفخامة رئيس اقليم كوردستان نيجرفان بارزاني قال (ان تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي يحل اغلبية المشاكل العالقة بين الاقليم والمركز ويسود الامن والاستقرار في العراق والمنطقة برمتها) . كما قال فخامة رئيس وزراء الاقليم السيد مسرور بارزاني (يجب تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي عبر الحوار الوطني ونحن مصرون على تطبيقه) . ولكن مع الاسف لم تطبق هذه المادة بالشكل المطلوب اولا :بسبب التدخلات الخارجية التي لا تريد الخير للعراق والعراقيين وثانيا : لان الفكر المركزي الشوفيني العنصري الطائفي كان كامناً في عقيدة وفلسفة البعض من حكام العراق، ولم تتغير كثيرا لدى حكام العراق الجدد بعد 2003، ناهيك عن عدم فهم البعض منهم لمباديء الديمقراطية والحكم الفيدرالي  .

س : بصفتكم ممثل عن حكومة اقليم كوردستان في اللجنة التنفيذية العليا للمادة 140 من الدستور فما هي الستراتيجية الجديدة التي ستتبعونها لتطبيق هذه المادة في ظل التعقيدات التي وضعها البعض لتنفيذ هذه المادة؟

;

-الحقيقة هذه المادة هي امتداد للمادة 58 من قانون ادارة الدولة العراقية وهذا يعني السماح لكل الذين هجروا قسرا من هذه المحافظة في العودة اليها وتعويضهم ماديا ومعنويا ومنحهم اراض سكنية وتوفير فرص عمل متكافئة لهم ومعالجة المخالفات الادارية المقصودة، وانهاء التجاوزات على الحدود الادارية التي تم بموجبها عزل الكثير من الاقضية والنواحي ذات الغالبية الكوردية من كركوك وضمها الى محافظات اخرى لغرض تقليل النسبة السكانية ولغرض التغيير الديمغرافي للمدينة .

فبعد تطبيق خطوات هذه المادة تتهيأ الاجواء لتطبيق المادة 140 والتي هي الاحصاء العام بالاعتماد على احصاء عام 1957 كركيزة اساسية والفيصل في تحديد هوية من ينتمي الى مدينة كركوك والمناطق الاخرى المستقطعة من كوردستان، ومن ثم اجراء عملية الاستفتاء لتحديد مصير المدينة وامكانية الحاقها بكوردستان قانونيا ودستوريا، ولهذا الغرض تم تشكيل لجنة تنفيذية عليا برئاسة السيد هادي العامري، وممثل عن اقليم كوردستان، وممثل عن مجلس الوزراء العراقي، وممثل عن وزارة الداخلية، وممثل عن وزارة الزراعة، وثلاث ممثلين عن محافظة كركوك من الكورد والعرب والتركمان .

س : كيف يفسر سيادتكم استمرار سياسة التعريب من جديد في مناطق المادة 140 وبالذات في كركوك وخانقين؟

-التعريب الجديد جاء بعد تغيير موازين القوى نتيجة تدخل الدول الاقليمية وبالذات بعد احداث 16 اكتوبر في 2017 اي بعد اجراء الاستفتاء الشعبي في اقليم كوردستان والمناطق المستقطعة منها، وتفسيرنا لموضوع التعريب الجديد جاء بسبب عقلية بعض الحكام في العراق والواقع تحت تأثير الدول الاقليمية، ناهيك عن العامل العنصري والطائفي  والحل يكمن في تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي.

سيادة المستشار : صرحت النائبة حنان الفتلاوي في حينها انها وقفت خمسة اعوام ضد تنفيذ المادة 140 من الدستور؟

الحقيقة انا استغرب من هذا التصريح لنائبة في البرلمان العراقي تعمل ضد الدستور الذي شرع هذه المادة في الدستور العراقي وكحل جذري لعقدة مستعصية لسنوات طوال، واقسمت هذه النائبة على الالتزام به وتطبيق بنوده وبموجبه تم تأسيس البرلمان العراقي، وهذا يعد خرق دستوري وقانوني كان يجب ان تحاسب عليها قانونياً، وكان على الكورد ان يقاضوها لأنها خرقت القانون والدستور والحنث باليمين الذي اقسمت عليه .

س : سيادة المستشار : هل تعتقدون بان هناك بادرة امل لتنفيذ هذه المادة الدستورية ؟

المادة 140 مادة حساسة وفيها تعقيدات كثيرة، وهي مادة دستورية وقانونية ويفترض ان تنفذ وفق السياقات القانونية، والساسة العراقيين حاولوا ويحاولون وضع الكثير من التعقيدات امام تنفيذ هذه المادة نتيجة العوامل التي ذكرناها سابقا، ولكن هناك بوادر امل بعد الاتفاق السياسي الذي ابرم بين اربيل وبغداد التي انتجت حكومة الاستاذ محمد شياع السوداني، وهناك حسن نية واستعداد كبير من لدن دولة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، وكذلك من قبل السيد هادي العامري لحل هذه القضية بالطرق القانونية والدستورية .

س : هل تعتقدون بان الاطراف العراقية سوف تلتزم بالاتفاقيات المبرمة بين الطرفين ؟.

الكوردي بسجاياه الطيبة ونقائه الجبلي دائما كان ولا زال صادقا ويثق بالآخرين وربما كان هذا سبب نكباته العديدة . وقال فخامة الرئيس مسعود البارزاني (نحن جزء من الحل ولسنا جزء من مشاكل العراق) ونحن وفينا بوعودنا وكافة التزاماتنا تجاه الحكومة الاتحادية، لذا عليها هي الاخرى الالتزام بوعودها والتزاماتها لحكومة وشعب كوردستان، ونأمل من ساسة العراق الالتزام بالدستور وتنفيذ هذه المادة، وهي في مصلحة امن واستقرار العراق .

س : هل ما زالت سياسة التعويضات مستمرة بالنسبة للوافدين والمغادرين الطارئين على المدينة؟

-نعم مستمرة وعلى المشمولين بهذه المادة مراجعة الدوائر المختصة بذلك، علما ان المبلغ المقترح في الميزانية وهي 100 مليار دينار عراقي سنويا غير كافية وهذا معناه الاستمرار اربعون عاماً في تعويض المواطنين وحتى لو تم مضاعفة المبلغ الى 200 مليار كما وعدوا ايضا قليلة ونحن نطمح الانتهاء من التعويضات خلال سنتين او ثلاثة سنوات على اكثر تقدي.

س : كيف ترون الاوضاع الحالية في كركوك ؟

هناك حقيقة يجب ان يعرفها الجميع ان اكثرية السكان في كركوك اليوم، قبل وبعد التعريب والصهر والاجلاء، هم من الكورد، ونتائج الانتخابات بعد تغيير النظام  اثبتت ان الكورد اكثر من نصف سكان كركوك، وفيها مزيج من التعددية العرقية والقومية من العرب والتركمان والآشوريين والكلدان والارمن والصابئة المندائيين، ولعل هذا ما دفع الباحثين الى تشبيه مدينة كركوك بعراق مصغر، وعلى سطح المشهد الكركوكي هناك مصالح تجارية واقتصادية متبادلة، وحركة سوق متداخلة، ومصاهرات عائلية مشتركة وعميقة بين الكورد، والتركمان، والعرب، الامر الذي يشكل ارضية للتعايش والمواطنة المتكافئة،ولم تشهد المدينة تصادما وصراعا حضاريا ونزاعا مسلحا على الرغم من تحريض العقلية السلطوية للتصادم بينهم, واقتصر التصادم بين السلطة الحاكمة والقوميات المظلومة, وخصوصا سياسة التعريب التي انتهجتها الحكومات العراقية المتعاقبة بالأخص نظام البعث ألصدامي في كركوك, الذي لم يعمل على توطين العوائل العربية في كركوك فقط, بل تهجير العوائل الكوردية إلى مدن كوردية أخرى .. إلا إن هذه المدينة لم تفقد توازن تنوعها وتعددها, لان التفاعل الاجتماعي الايجابي بين الأعراق أقوى من جبابرة الإرهاب ألبعثي .

اخيرا سيادة المستشار،ما ردكم على من يقول ان المادة 140 قد انتهت صلاحيتها وماتت؟

-المادة 140 مادة دستورية ضمن الدستور الدائم العراقي ولن تنتهي صلاحيتها او تموت طالما الدستور العراقي باقي  .

قد يعجبك ايضا