اشراقات كوردية … مدخل إلى جماعة العلويّة (قزل باش) الكوردية

اعداد: خضر محمد

قرأت عن العلويّة الكوردية (قزل باش) لعدد من الكتاب، فوجدت خير من تناولهم الكاتب عبد الله خليل قره مان في كتابه (تاريخ كوردستان من البدايات حتى القرن العاشر).. وقد اعتمد في كتابه هذا على ما مجموعه ٤٧ مصدر، واهتمامه الشخصي واضح للعيان، وقد اخذ منه الوقت والجهد الكثير؛ ما دفعني أن أختار لكم هذه المعلومات المهمة حول الموضوع.

مدخل

فرقة إسلامية معتنقوها من الكورد، يقدسون علياً بشكل مباشر، ويعلنون صراحة انهم “علويّون” ، لكنها تتضمن أيضاً بعضاً من افكار الخوارج حول مفهوم الحرية، ويشتهرون في كوردستان، وكوردستان تركيا باسم “قزلباش” بمعنى الرأس الأحمر، وقد وردت التسمية من العمائم الحمراء التي كانوا يلفونها على رؤوسهم ، والمكونة من اثنتي عشر لفة؛ تيمناً بالأئمة الاثنى عشر، يبلغ تعدادهم أكثر من خمسة ملايين نسمة، وينتشرون في الولايات الجبلية من شمال كوردستان مثل: درسيم، وبينكول، والعزيز، وملاتيا، وسيواس، وقسماً من ولايات  (آمد ، وأورفا،  ومراش، وفي ولاية قيصري في غرب الأناضول بسبب التهجير القسري للكورد إليها بعد الحروب العثمانية – الروسية لوقوفهم إلى جانب الروس، وقد انتشر صيتهم أكثر بعد معركة جالديران ١٥١٤ م، لأنهم ساندوا الدولة الصفوية الإيرانية، ولذلك تعرضوا للمجازر والتهجير من قبل الدولة العثمانية.

 

واستمر الظلم والاضطهاد وكافة صنوف العذاب تلاحقهم،  خاصة ً بعد قيامهم بانتفاضة شعبية عارمة في عامي ١٩٣٧ _ ١٩٣٨ م بقيادة رئيسهم سيد رضا، وقد دُمرت مدنهم وقراهم وسلبت أموالهم وهجرت سكانهم، وتحولت مدينة ديرسم إلى مدينة أنقاض وبقيت معالمها حتى اليوم، وقد شيدت الدولة التركية بجانبها مدينة جديدة دعيت “تونجلي” التي تعني “القبضة الحديدية” لسكنى عساكر الدولة التركية في عهد رئيسهم السيء الذكر عصمت إينونو، ولتذكير الكورد بما سينتظرهم إن تمردوا ثانية.

البدايات

تعود بداية نشأة العلوية (القزلباش) إلى مؤسسها صفي الدين بن إسحق الاوربيلي المتوفي سنة ٧٣٠ هجرية، وهو الجد السادس للشاه إسماعيل الصفوي الذي كان من المشاهير في المعرفة والزهد والتصوف والسلوك الحميد، وبعيداً عن البدع والمغالاة، ولذلك دعي قطب الأقطاب، وهي أعلى مرتبة دينية، ودعيت فرقتهم بداية “الصوفية” وكان صفي الدين قد تتلمذ على يد الشيخ زاهد كَيلاني، وعندما وافته المنية أصبح خليفته في الهداية والارشاد، وتوفي صفي الدين في أوربيلي وفيها ضريحه، وعندما البسهم الشاه إسماعيل الطرابيش الحمراء ذوي الاثنتي عشرة ذؤابة تحول اسم الطريقة من “الصوفية” إلى “قيزيل باش” ومن ثم اتخذ الشاه إسماعيل الصفوي الطربوش الأحمر شعاراً لجنده، حيث ظهرت ملامح هذا التحول الديني مع نهاية العصر الأموي،  على خلفية استهداف أهل البيت ، لكنها تختلف عن شيعة إيران .

تمثل العلوية رد فعل الكورد تجاه الممارسات الظالمة للملوك والامراء الامويين على الطبقات الفقيرة عامة، والشعب الكوردي خاصة، وإذا كان اليأس والانهاك قد أصاب كورد السهول في مقاومتهم للغزوات الإسلامية،  فإن كورد الجبال استمروا في المقاومة دون توقف، بشعار الثأر لشهداء كربلاء “لكنهم في الحقيقة كانوا يقاومون من أجل المحافظة على القيم الوطنية والكرامة الإنسانية” وقد حاول أنصار الطريقة البكتشاية توسيع نشاطهم بين العلويين الكورد، بتوجيه من الدولة التركية في مراحلها كافة، بغية تغيير نزوعهم الموالي للدولة الصفوية الإيرانية وضمهم إلى الفرقة البكتاشية، لكنهم لم يفلحوا في ذلك .

 

 

إن تتبع طقوس وأفكار العلوية الكوردية (قزلباش) يلاحظ تقاطعها بوضوح تام مع الديانتين الزرادشتية والإيزيدية، حيث تخلو طقوسهم ونمط عيشهم من الفروض والاوامر الإسلامية الدينية، والدنيوية، كالصلاة والصيام والحج، وفيه عشق وتوق كبير إلى الانعتاق والحرية، والعيش في كنف الطبيعة، ونبذ السلطة ونظام الدولة، وكل ذلك تعبير عن أمل معظم الشعب الكوردي، ولهذا رفضوا الانضمام إلى الحروب السنية – الشيعية ولم يقبلوا بكلا المذهبين، لانهما يلهثان وراء السلطة، التي تعبر عن مصالح الطبقة السائدة،  واتخذوا طريقاً ثالثاً يرتكز أساسه على الجوهر الإنساني في الديانة الإسلامية، وبما يخدم الإنسان الذي كرمه الله، وقد دعاهم أفراد السنة والشيعة معاً ب “الخوارج” في حين يصرح العلويون موالاتهم لأهل البيت، بدءاً من علي بن أبي طالب، لكن طقوسهم تثبت عكس ذلك، ويبدو ان ولاءهم شكلي فقط، من خلال تقاطعهم مع الزرادشتية والمزدكية  (في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد) والمانوية (في القرن الثالث الميلادي) حيث يذكر في أدعيتهم مصطلحات مثل : “هرمس” و “هوما”  وهي مصطلحات خاصة بالزرادشتية، كما تقترب طقوسها من الطائفة النصيرية في سورية، الذين يسكنون في جبال العلويين المطلة على ساحل البحر المتوسط، مع تشابه بيئتيهما.

قد يعجبك ايضا