ليث الحمداني
ينتمي الكاتب والصحفي والشاعر العراقي خالص عزمي إلى جيل من المثقفين العراقيين الذين تميزوا بتنوع نتاجهم الفكري وإمكانياتهم الموسوعية التي أهلتهم لشغل مواقع متميزة في مختلف الأنشطة التي خاضوا غمارها.
خالص عزمي المثقف العراقي الذي عاش في غربته (النمساوية) وواكب مسيرته الثقافية بحيوية وصدق وإخلاص لتاريخه ومواقفه. وهو وكان مصرا على (التنوع) الذي ميز جيله. وكان يتابع أوضاع وطنه الجريح بالكتابات التحليلية السياسية ويناجي مواطن صباه بقصائده الرقيقة.. ويتذكر أحباءه وأصدقاءه من الرواد، فيتناول سيرهم بكتابات تقدمهم للأجيال التي جرى (تسطيحها) و (مسح ذاكرتها). وكان آخر ما نشره في هذا المجال سلسلته الرائعة (أدب القضاة) التي نشرت (البلاد) الورقية والإلكترونية أغلب أجزائها.
شخصيا عرفت المثقف والصديق خالص عزمي في الثمانينات حين أشرفت على إصدار أسبوعية (الاتحاد) البغدادية التي كان هو أحد (أعمدتها) إلى جانب د. على الوردي و د. عبد الحميد العلوجي والشيخ جلال الحنفي وعبد القادر البراك وصادق الأزدي وشاكر على التكريتي وغيرهم من عمالقة الفكر والثقافة والصحافة.
وطيا الحوار الذي أجريته مع المبدع الراحل خالص وهي محاولة استذكارية لبعض أوراق حياته الثقافية والصحفية الحافلة بالعطاء.
بدأته بالسؤال التقليدي عن تاريخ علاقته بالثقافة، فكان الجواب:
البداية
ج ـ لقد نشأت في اسرة تهوى الثقافة؛ وتعشق الادب؛ فقد كان جدي الحاج محمد ابراهيم؛ احد البارزين في الكرخ من بغداد في تعليم التلاميذ الصغار حفظ القرآن الكريم وترتيله وكذلك القراءة وحسن الخط والحساب وما الى ذلك من اصول التعليم في اوائل القرن العشرين؛ اما والدي فقد كان اديبا وشاعرا معروفا نشر العديد من نتاجه في الصحف المحلية والعربية وطبع اكثر من كتاب؛ كانت له في بيتنا في محلة جامع عطا؛ غرقة واسعة مخصصة للكتب ؛ احتوت رفوفها على امهات المراجع في اللغة والتاريخ والادب مع مجموعة نادرة من المخطوطات و دواوين فحول الشعراء العرب.. الخ.
كان والدي معلمي الاول؛ فلطالما استمعت اليه وهو يشنف اسماع الاسرة بإنشاد عيون الشعر العربي؛ ومما لا انساه انه كان شديد الاعجاب بالمتنبي؛ حيث حفظ جل ديوانه؛ الى جانب دواوين؛ ابي فراس الحمداني؛ والشريف الرضي؛ والبحتري؛ وابن الفارض … الخ.
وتدليلا على اكباري لهذا المعلم الجليل الذي أجهد نفسه كثيرا في سبيل تربيتي وتوجيهي؛ فقد نظمت ابياتا (وانا في الرابعة عشرة من عمري) كانت من بواكيري احييه فيها لمناسبة بلوغه الخمسين من العمر وقد سر بها ايما سرور؛ وقد أخذني معه الى محل قرب جامع الحيدرخانة وأشترى لي ساعة من هناك.
استمرت علاقتي بالثقافة اثناء فترة الدراسة؛ وكان تأثير بعض اساتذتي علي كبيرا؛ ولا انسى ابدا ما بذلوه من عناية ورعاية وتوجيه؛ ولعل من ابرزهم؛ الشاعر ناجي القشطيني؛ وعارف الوسواسي؛ وعزت الخضيري؛ وعباس عبد علي؛ وعبد الغني زلزلة؛ ولكن الذي كان له تأثير مباشر على ملكتي الادبية؛ كان الاستاذ الشاعر ذو النون الشهاب؛ مدرس اللغة العربية في الثانوية المركزية في الموصل؛ ورئيس تحرير مجلة الجزيرة الادبية؛ والذي كان يزودني بالكتب المهمة والمجلات المصرية واللبنانية المشهورة؛ بل ويشجعني على الكتابة في الصحف المحلية والعربية .
س 2 ـ متى شرعت بالكتابة وبأي الصحف نشرت ابتداء؟
ج2 ـ بدأت الكتابة مبكرا؛ ولعل اول نشر لي في الصحافة كان وانا في السادسة عشرة من العمر؛ فقد نشرت قصة بعنوان (المجنون) وكانت في مجلة المجالي؛ ان لم تخني الذاكرة؛ ثم واصلت المسيرة بعدئذ في الثانوية حيث نشرت لي جريدة النداء البغدادية كلمة القيتها اثناء وثبة الشعب ضد معاهدة بورتسمث ثم نشرت مقالة بعنوان (الكبت الادبي) في الالهام … الخ، بعدها شققت طريقي في النشر بمختلف الصحف المحلية؛ حتى تجاوزتها الى كبريات المجلات الادبية؛ كالرسالة المصرية؛ والاديب اللبنانية؛ والدنيا الدمشقية؛ والحكمة اللبنانية والعلم المغربية والضاد الحلبية وغيرها عشرات .
س3 ـ عرفت بتنوع نتاجك الفكري؛ في الادب والشعر والقانون والسياسة؟ ما هو موقفك من كل ذلك؟
ج 3 ــ حينما يطالب الكتاب مثلا؛ بالحرية العامة والتخلص من اي نوع من الرقابة؛ فعليهم ان يحرروا ما يبدعون من اية مغاليق او سواتر تمنع مواهبهم من التدفق والانطلاق في فضاءات واسعة دونما اي قيد يضعونه هم أنفسهم على نتاجهم! بمعنى؛ حينما أجد انني راغب في التعبير عما يدور في خلدي بالمسرحية او القصة او الشعر او الرسم؛ فاني لا اتقيد اساسا بالأصناف والاشكال والمسميات؛ بل اذهب الى القلم او الريشة لأعبر عن ذلك؛ ولا اهتم ابدا بقيود الصيغ؛ لان ذلك ضد الحرية التي اطالب بها؛ لذا فتراني اجول في عوالم التعبير بعيدا عن الاقفاص والحواجز العازلة والمعزولة بذات الوقت.
بين الصحافة والوظيفة
س4 ــ ماذا في ذاكرتك عن مجلة الاسبوع التي اصدرتها في الخمسينات؛ ومن أبرز من آزرك فيها داخل العراق او خارجه؟
ج 4 ــ سأعيد عليك ما ذكرته سابقا في هذا المجال؛ لكي أوجز وأجمل: حينما كنت طالبا في كلية الحقوق خططت لإصدار صحيفة ثقافية تعتمد القارئ بالدرجة الاولى وتحترم مكانة الكتاب وسمعتهم؛ على ان تكون بصيغة (شكلية وموضوعية) تختلف عن كل الصحف الادبية التي اطلعت عليها. وكانت الاسبوع مجلة شاملة تعنى بأهم جوانب الادب والفن؛ من شعر وقصة ومسرحية وسينما وموسيقى ونقد وفنون تشكيلية … الخ. وقد اتفقت مع عدد من رجال الثقافة على تولي ابوابها بحسب الاختصاص. وصدرت في عام 1952؛ حيث توليت رئاسة التحرير وعاوني في الاشراف على ابوابها؛ الاساتذة حقي الشبلي (المسرح) حارث طه الراوي (الادب الحديث) عبد القادر رشيد الناصري (الشعر) كاظم جواد (النقد) سعد عبد الكريم (السينما) سلمان داود (الفنون التشكيلية).
سيرة
دبلوم الصحافة من مصر عام 1950.
أصدر مجلة الاسبوع الادبية ذات الشهرة الواسعة عام 1952.
تخرج في كلية الحقوق ـ بغداد ـ عام 1954.
مارس المحاماة والكتابة في الصحف العراقية والعربية.
التحق في جامعة لندن ـ كنجز كولج ـ لنيل الدرجة الاكاديمية العليا في القانون وقدم رسالته المعنونة 🙁 الرقابة البرلمانية على الحكم في العراق وبريطانياـ دراسة مقارنة) في القانون الدستوري ونالت القبول عام 1962.
أصدر جريدة بغداد نيوز ورأس تحريرها عام 1964 حتى عام 1967.
أنشأ جريدة بغداد اوبزرفرـ عن المؤسسة العامة للصحافةـ ورأس تحريرها عام 1967 ولغاية 30/تموز/1968 أصبح مديرا عاما في ديوان وزارة الثقافة والاعلام عام 1972 حتى منتصف عام 1974.
اعيد الى وزارة العدل كمدون قانوني في رئاسة ديوان التدوين القانوني (مجلس شورى الدولة) واحيل على التقاعد وهو في الثامنة والاربعين من العمر عام 1979 حينما كان في قمة عطائه حيث قدم العشرات من مشاريع القوانين والانظمة والآراء الفقهية والتفسيرية.
اشتهر بتنوعه الابداعي في الشعر والقصة والمسرحية والبحوث النقدية في الادب والقانون والفنون عامة ونشر العشرات منها في الصحف العراقية والعربية وكذلك على المواقع الاعلامية ذات المستوى الرفيع ضمن فعاليات شبكات الانترنيت.
أسهم في برامج ومنوعات الاذاعة والتلفزيون ومن أشهر اعماله التلفزيونية
(نوابغ الفكر) الذي أحدث ضجة في الاوساط الثقافية حينما قدم شخصيات بارزة راحلة تقمص فيها الممثلون ادوارها في الحياة. اما في الاذاعة فقد ألف بعض التمثيليات من اهمها:
(كاد المعلم) و(بيتنا الجميل) وكذلك بعض الأحاديث ومنها (ألوان من الادب والفن).
شارك ببعض لوحاته في معارض للرسم في بغداد ومنها معرض (خمسون رساما ورسامة) ومعرض (اصدقاء القاعة) ونالت بعض اعماله التشكيلية ترحابا في النمسا.
من مؤلفاته: حكاية الادب العربي المعاصر؛ صفحات مطوية من ادب السياب؛ هندسة الفكر العربي؛ البياتي في مدن العشق؛ مهمة يارنج؛ مسرحية قطار الشعر العربي؛ كاظم جواد حياته وشعره؛ الصحافة الصهيونية؛ تجربتي الصحفية؛ شهادة على العصر؛ الخ. وهناك مجموعة من الكتب المعدة للنشر منها:
في هوى بغداد؛ ايامي اللبنانية؛ في الطريق الى الاذاعة؛ نوابغ الفكر؛ احلى الشمائل؛ ديوان مشاعر؛ الرقابة البرلمانية على الحكم ـ بالانكليزية ـ
مما شاهدت ـ بالانكليزية ـ؛ اوراق ملونة ـ مقالات وبحوث ـ؛ في الاعلام
ـ بحوث ودراسات اعلامية منوعة ـ؛ في رحاب القانون ـ دراسة وممارسة ـ؛ من الادب والفن الحديث ـ باقة منوعة من الترجمة الى اللغة العربية؛ البرت هول والفن والحارس القديم ـ مجموعة قصص طويلة. ـ ونجوم في سماء مصر يتحدث فيه عن أبرز الشخصيات التي تعرف عليها في ارض الكنانة؛ أدب القضاة؛ حقوق المرأة من قبل المهد الى ما بعد اللحد؛ يحكى أن …. الخ
الجواهري – ذكريات خاصة؛ عزيز علي كما عرفته؛ يا لعناء الممثل (مسرحية بانتوميم) المطاردة (مسرحية) في المستشفى (قصة)؛ المهحرون (مسرحية)؛ احتفالات موصلية في فصول له علاقات وطيدة مع شخصيات قانونية وادبية وفنية في العراق والوطن العربي…؛
توفي المبدع العراقي الأصيل خالص عزمي في النمسا يوم 17 شعبان 1432هـ/ 17 تموز 2011م.