صورة المرأة عند شعراء المعلقات  

 

د . صباح ايليا القس

 

 

عالج اغلب شعراء المعلقات غرض الغزل في معلقاتهم ولا سيما معلقة امرئ القيس الذي اتفق اغلب النقاد على انها اربع لوحات اشتملت على التغزل بأربع نساء في وقت واحد ولذلك جاءت الاراء في هذا الجانب مختلفة تماما فمنهم من اعتقد انه غزل رمزي يشير الى الماضي المدفون في ضمير الشاعر او هو على سبيل ملء فراغ الاغراض الشعرية ويشير آخر الى مجموعة علاقات الشاعر قبل مقتل أبيه والقصد علاقاته الشبابية المنغلقة في زمن مضى بحيث جمعها وجعلها تاريخا شعريا ومنهم من يرى انها مجموعة قصص استمدها من حوارات الاصدقاء في مجالسهم وسهراتهم ولهوهم وليس فيها ما يشير الى احساس حقيقي صادق ومعاناة عاطفية عبر واقع مقيد باعتبارات وتقاليد تحدد حركة المرأة .. وفي صورة اخرى يعطينا الشاعر رسما لا توجد امرأة يمكن ان تتطابق صورتها مع الشكل الذي صوره الشاعر بحيث اشتملت على المحاسن المثالية المتعارف عليها حينها يقول :

مهفهفــــة بيضـــاء غيــر مفاضـــة      ترائبهـــا مصقولـــــة كالسجنجــــلِ

وهناك من وافق امرئ القيس على انه غزل حقيقي وواقعي لان امرأ القيس شاعر فارس ابن ملك ووسيم و ذو مال وهي مواصفات تدفع النساء للتعلق به ..

وليت الامر توقف عند الغزل بل هناك مطارحات غرامية وصور لم يستطع غيره اقتحامها او تسجيلها لانه بحسب مكانته الاجتماعية قادر وغير مسؤول بل وهناك حماية اجتماعية تبيح له الممنوعات مثل :

ويــوم دخلـــت الخـــدر خــــدر عنيـــزة        فقالـــت لـــك الويـــلات انــك مرجلـــي

او :

ويومـــا عـــلى ظهـــر الكثيـــب تعـــذرت       عــــليَّ وآلــــــتْ حلفـــــة لــــــم تُحــــللِ

وقوله :

وبيضـــة خـــــــدر لا يـــــرام خباؤهـــــا        تمتعـــت مـــن لهــــو بهــا غيــــر مُعجـــلِ

ومثل هذا لا يستقيم مع الاجزاء الجميلة والغزل الرقيق كما في قوله :

أفاطــــم مهــــلا بعـــض هـــذا التـــدلل           وإن كنـــت قـــد أزمعــت صرمــي فأجملـــي

أغـــــرك منـــــي ان حبــــك قاتلــــــي         وإنــــك مهمـــا تأمـــري القلــــب يفعــــــلِ

اما طرفة فقد عانى تجربة الحب الفاشلة ومعروف ان تشبيه المرأة بالظبية او المهاة او الشمس يجسد صورة مستقاة من الطبيعة يقول :

ووجــــه كأنــه الشمـــس حلــت ردائهـــا         عليــــه نقــي اللـــون لـــــــم يتخــــدد

وقوله :

اذا نحـن قلنــــا اسمعينــــا انبـــرت لنــــا        عــلى رسلهــــا مطروفــــة لـــم تشــــدد

اما عمرو بن كلثوم فقد اتخذ الزوجة معيارا للفخر القبلي وحمايتها والحفاظ عليها واجب شرعي وليس في ذلك حرج فالمرأة كانت ولا تزال هي رمز العفة والكرامة والشرف يقول :

أخــــذن عـــلى بعولتهــــن عهــــــدا          اذا لاقــــــــوا فـــوارس معلمينــــــــا

وقوله :

اذا لــــم نحمهــــنّ فـــــلا بقينـــــا            لشــــــيءٍ بعدهــــــن ولا حيينــــــــا

وفي معلقة زهير بن أبي سلمى نجد التشبيه بالمها والظباء يتكرر اذ كانت الطبيعة مصدر التشبيهات يقول :

تنازعــــت المــــها شبهــــا ودرّ        البحـــور وشابهــــــت فيهـا الظبـــاء

وأمــــا المقلتـــــان فمـــن مهـــاة       وللــــــدر الملاحـــــــــــةُ والصفـــــاء

ويتغزل لبيد بن ربيعة بصاحبته التي فارقته ورافقت اهلها الى ديار بعيدة ولم تترك له سوى أثارها :

بـــل مــا تذكّـــر مــن نـــوار وقـــد نـــأتْ      وتقطعــــتْ أسبابهــــــــــا ورمامهـــــــــا

مُريّـــــةُ حلّــــتْ بفيــــــد وجـــــــاورت        أهــــل الحجــــاز فأيـــن منـــك مرامهـــا

ولعنترة العبد مع ابنة عمه حكاية فهو بطل اسود وهي بيضاء وفرق بين العبد والحرة لكن الحب لا يعرف الفوارق فقد تغزل بعبلة في قوله :

يـــا دار عبلـــــة بالجــــواء تكلمــــي      وعِمـــي صباحــــا دار عبلــــة واسلمــــي

ومن اجمل ما جاء في معلقته غزلا قوله :

فـــوددتُ تقبيـــل السيــــوف لأنهـــا         لمعــــتْ كبـــارق ثغـــرك المتبســــم

اذ شبه لمعان السيوف وهو في ساحة المعركة بلمعان ثغر الحبيبة . الغزل فن جميل وغرض شعري لا يقهره الزمان وليس مرتبطا بجنس او لون او حالة اجتماعية .

 

قد يعجبك ايضا