متابعة ـ التآخي
فيما تتنافس الدولتان الكبريان اقتصادياً، يظهر أن الولايات المتحدة بدأت تخسر سباقها مع الصين في مجال التكنولوجيا والتطور التقني، بحسب الباحثين.
فعلى مبدأ “رب ضارة نافعة”، دفعت العقوبات الأميركية شركات التكنولوجيا الصينية إلى تسريع الأبحاث من أجل تطوير الذكاء الاصطناعي من دون الاعتماد على أحدث الرقائق الإلكترونية الأميركية، بحسب ما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وباتت الشركات تدرس الأساليب التي تسمح لها بتحقيق أفضل وأحدث أداء للذكاء الاصطناعي بأشباه موصلات أقل عدداً أو أقل قوة.
كما بدأت تبحث كيفية دمج أنواع مختلفة من الرقائق لتجنب الاعتماد على نوع واحد من الأجهزة، مثل “هواوي تكنولوجيز” للاتصالات، وشركة الأبحاث “بايدو”، ومجموعة “علي بابا” العملاقة للتجارة الإلكترونية من بين الشركات التي تسعى إلى الحصول على مزيد من الأداء من رقائق الكمبيوتر المتواجدة بالفعل.
ورأت نقلا عن باحثين ومحللين أنه إذا نجحت هذه الأبحاث، فإنها تسمح لشركات التكنولوجيا الصينية بتحمل العقوبات الأميركية، وتجعلها أكثر مرونة في مواجهة القيود المستقبلية.
كذلك يلفت تقرير الصحيفة الاميركية، إلى أن العقوبات الأميركية باتت تحفز شركات التكنولوجيا الصينية على تسريع البحث لتطوير ذكاء اصطناعي متطور من دون الاعتماد على أحدث الرقائق الأميركية.
بدورها، عدت باحثة الذكاء الاصطناعي سوزان تشانغ، أن على الصين تشجيع الابتكار في تطوير الذكاء الاصطناعي العام، وذلك بعد أن فرضت وزارة التجارة الأميركية قيودا شاملة على توريد الرقائق إلى بكين في تشرين اول الماضي.
في موازاة ذلك، سعت الشركات الصينية إلى استعمال تقنيات برمجية مختلفة لتقليل الكثافة الحسابية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق، وهو نهج تسارع عالميا مؤخراً، بما في ذلك بين الشركات الأميركية.
وتظهر النتائج على عكس الشركات الأميركية، أن الشركات الصينية كانت أكثر جرأة في الجمع بين تقنيات برمجيات متعددة معا.
يشار إلى أن إطلاق أوبن إيه آي لـ ChatGPT في تشرين الثاني الماضي، عد نوبة جنون عالمي لتطوير الذكاء الاصطناعي.
وفي حين أن كثيرا من هذه الأساليب ما يزال يجري تسويتها في مجتمع الأبحاث العالمي ويصعب تنفيذها، فقد شهد الباحثون الصينيون بعض النجاح.
وتتصارع كل من أميركا والصين، أعظم قوتين اقتصاديتين في العالم، سياسيا على عدة ملفات، واقتصادياً أيضاً، فيما يحتل السباق في مجال العلوم والتكنولوجيا الدور الأهم في هذا الصراع الخفي.
وكان الخبراء قد اشاروا الى أن الصين تلعب بهدوء في الملف التكنولوجي من دون ضوضاء إعلامية، لكنها في الوقت ذاته توجه ضربات قاتلة في حربها مع الولايات المتحدة في هذا المضمار، بحسب قولهم.
ووصفوا شركة مثل “شاومي” بأنها “الديناصور القادم من الخلف “لسوق المنافسة الشرسة بين شركات صناعة الهواتف الذكية الشهيرة في العالم، وذلك بعد مرحلة من النزاع على تقنيات العملاق الصيني “هواوي”.
وقالوا إن التفوق الصيني التكنولوجي يظهر جلياً في كل مرحلة، لكن الصين تظل تعمل بصمت، وعندما تلوح أزمة مع الولايات المتحدة، يظهر النزاع بأشكال متنوعة.
وكانت الصين قد قالت في النزاع السابق، إن التهم الموجهة للمديرة المالية لشركة هواوي “ملفقة تماما” في وقت أعلنت فيه هواوي، أنها ستدافع عن نفسها ضد الملاحقات الأميركية بعد إفراج كندا عن مديرتها المالية منغ وانزهو.
وأضافت شركة الاتصالات الصينية العملاقة، أنها “ستدافع” عن نفسها ضد مزاعم العدالة الأميركية بأنها تحايلت على العقوبات ضد إيران، بعد أن أسقط مسؤولون أميركيون اتهامات بالاحتيال ضد وانزهو.
وقالت الشركة في بيان “ستستمر Huawei في الدفاع عن نفسها ضد هذه المزاعم في محكمة في نيويورك” مع عودة منغ وانزهو إلى الصين.
وقال ممثلو الادعاء في محكمة فيدرالية في بروكلين بنيويورك في حينه، إنه اطلق سراح المديرة المالية لشركة التكنولوجيا الصينية هواوي، والسماح لها بالعودة إلى الصين بعد التوصل إلى اتفاق مع الحكومة الأميركية بشأن تهم الاحتيال.
وتطور الاقتصاد الصيني بصورة كبيرة في العقود الماضية، اذ انه بعد وفاة الزعيم التاريخي ماو تسي تونغ في عام 1976، بدأت الاصلاحات التي قادها الزعيم دنغ شياوبينغ في تغيير وجه الاقتصاد الصيني، فقد منح المزارعون الحق في استغلال أراضيهم الخاصة مما ساعد في تحسين مستويات معيشتهم والتقليل من ظاهرة شح المواد الغذائية؛
كما فتحت الأبواب للاستثمارات الأجنبية بعد أن أعيدت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة في عام 1979. وتدفقت الأموال على الصين من قبل المستثمرين الذين كانوا يتوقون للاستفادة من العمالة الرخيصة والايجارات المنخفضة في الصين.
ويقول ديفيد مان، كبير الاقتصاديين الدوليين في بنك ستاندارد تشارترد، “من نهاية السبعينات إلى الآن، رأينا أكبر المعجزات الاقتصادية في التاريخ”.
وفي التسعينيات، بلغت نسبة نمو الاقتصاد الصيني مستويات قياسية، وانضمت البلاد إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001 مما منح اقتصادها دفعة اضافية. فقد انحفضت التعرفات الجمركية المفروضة على المنتجات الصينية في شتى البلدان، مما أدى إلى انتشار هذه السلع في كل مكان؛ ويقول مان “أصبحت الصين ورشة العالم”.