متابعة – التآخي
تشتهر العاصمة العراقية بغداد بتواجد مكتبات يعود تأريخها لأكثر من قرن ولازالت تواصل عملها برغم الظروف الصعبة التي مر بها العراق من حروب وصراعات وأزمات سياسية ومالية.
وعلى الضفات الشرقية لنهر دجلة يقع شارع المتنبي وسط بغداد، الذي يسمى بشارع الثقافة ويتميز بكثرة المكتبات التي يعود تاريخ بعضها لأكثر من قرن، كما تعرض عشرات الأكشاك وعلى الرصيف، شتى الكتب على جانبي الشارع الذي بدأ يجذب العراقيين وزوار العراق بعالمه المليء بالثقافة والفن والشعر والأدب والتجمعات الثقافية والاجتماعية، بحسب المراقبين، فضلا عن تواجد مراكز ثقافية ومواقع آثارية تروي تاريخ بغداد .
وتعد المكتبة العصرية من أشهر مكتبات بغداد القديمة التي مضى على تأسيسها أكثر من قرن ولاتزال تمارس عملها في بيع الكتب النفيسة وتسهم في نشر الثقافة بعموم العراق.
ويقول أياد صادق القاموسي، الحاصل على شهادة الدكتوراة بالتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، وصاحب المكتبة العصرية لوكالة الأنباء الصينية “المكتبة أسسها محمود حلمي الكتبي سنة 1914، واشتراها والدي سنة 1964، وهي أكثر مكتبة شهرة “. وسبق المكتبة العصرية ، مكتبة نعمان الأعظمي التي أسسها عام 1908 وقبلها كانت مكتبة عبد الأمير الحيدري.
وانتقلت المكتبة العصرية لشارع المتنبي عام 1948، مادفع بقية المكتبات للانتقال لهذا الشارع القريب من الدوائر الحكومية والمحكمة، وتتميز المكتبة بوجود وكالة لها من أغلب دور النشر المصرية لاستيراد الكتب والمجلات، وفقا للقاموسي، مشيرا إلى أن القصص المترجمة والروايات والمجلات عليها إقبال أكثر من الكتب العلمية، ومبينا أن مكتبته فتحت فروعا لها ببعض المحافظات كالبصرة والعمارة وباسم المكتبة العصرية نفسه.
وفي العقود الأولى من القرن العشرين، إزدهر سوق الكتاب تدريجيا حتى أصبح ظاهرة جذبت انتباه العديد من دور النشر العربية والأجنبية وشجعها للتوجه للسوق العراقية التي وجدتها مربحة.
وتكتسب المكتبات القديمة أهمية كبيرة لأنها كانت السبب في نهضة الثقافة العراقية وإظهار الأدباء العراقيين برغم قلة الطباعة بالعراق، بحسب المراقبين.
ويضيف القاموسي “كان دور المكتبات دورا ثقافيا كبيرا، وكان كثير من الأشخاص يأتون إلينا ويقولون لنا أن أغلب كتبنا نشتريها من المكتبة العصرية أو من مكتبة المثنى أو من مكتبة محمد جواد حيدر مكتبة المعارف والمكتبات الأخرى”. وتخصصت المكتبة العصرية بالكتب القديمة والمستعملة التي يعود طباعة بعضها لعام 1898.
وعن تأثير الإرهاب لفت القاموسي إلى أن زملاء له من أصحاب المكتبات قتلوا بالانفجار الذي حصل بشارع المتنبي عام 2007 فضلا عن بعض المارة، فضلا عن الخسائر المادية، واستطرد “الانفجار الذي حدث أوقع ضررا كبيرا جدا علينا”، مضيفا “كان لدي مخزن فيه نوادر الكتب كلها انتهت، من بينها أهم نوادر الكتب الكوردية”، مبينا أنه بدأ بعد الانفجار بداية جديدة.
وأوضح أنه في أيام تردي الوضع الأمني بالعراق كان يمشي بالاتجاه المعاكس ويجعل الشمس خلفه لكي يرى الظل في حالة متابعته من قبل شخص لأن أغلب عمليات اغتيال أصحاب المكتبات كان بإطلاق نار عليهم من الخلف، واصفا ذلك بالأمر المرعب.
وتعرض شارع المتنبي لهجوم بسيارة مفخخة في 5 آذار عام 2007 ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات من أصحاب المكتبات والعاملين فيها والمارة.
وواجه العراقيون كثيرا من الصعوبات نتيجة العقوبات الدولية لمدة 13 سنة على بلادهم في تسعينات القرن الماضي ما دفع كثيرا من أساتذة الجامعات والمثقفين لبيع كتبهم توفيرا للقمة العيش، كما عانوا من سنوات الفوضى وإراقة الدماء التي أعقبت نيسان ٢٠٠٣، لكن المكتبات استمرت بعملها برغم كل هذه الظروف الصعبة.
ومن المكتبات القديمة الأخرى مكتبة الفلفلي، التي أسسها حسين الفلفلي عام 1930 ولاتزال تمارس عملها لغاية الأن.
ويقول أكرم حسين الفلفي صاحب المكتبة “أسس والدي حسين الفلفلي المكتبة سنة 1930 بسوق السراي، وكانت عبارة عن مجالس أدبية يلتقي فيها أكثر الأدباء والمثقفين العراقيين مثل مصطفى جواد والدكتور جواد علي وعلي الوردي وغيرهم”.
ونوه إلى أن مكتبته من المكتبات القديمة التي استمرت من تاريخ تأسيسها حتى الأن، مردفا “من المكتبات التي مر عليها أكثر من قرن مكتبة نعمان الأعظمي ومكتبة الغري والمكتبة العصرية ومكتبة التلميذ ومكتبة شمس الدين الحيدري وغيرها، هذه المكتبات اندثرت نهائيا ولم يبق منها سوى المكتبة العصرية ومكتبتنا”. ويقع سوق السراي بالقرب من شارع المتنبي وحاليا متخصص ببيع القرطاسية.
وأشار الفلفلي إلى أن المكتبة كانت تستورد الكتب من جميع الدول العربية والأجنبية” مضيفا “لدي كتاب عن حضارات بابل وآشور عمره أكثر من 100 سنة، والمكتبة فيها موسوعة مكونة من 25 جزءا مطبوعة عام 1899 عبارة عن موسوعة تاريخية أدبية ألفها أحد القساوسة المتواجدين بمدينة الموصل”.
وأفاد أن مكتبته وبعد عام 2003 إتجهت إلى نشر أرشيف العراق الصوري فضلا عن بيع الكتب القديمة، مزيدا القول “نشرنا أرشيف العراق الصوري في كل مجالاته التراثية السياسية الفنية الرياضية التاريخية والآثارية”.
ومن أصحاب المهن القديمة التي لها علاقة بالكتب، عبود محمد حسن الفلوجي، الذي فتح والده مكتبا لتجليد الكتب عام 1920 ومايزال يواصل عمله مع أولاده وأحفاده.
ويقول الفلوجي الذي يعمل مؤرشفا ومجلد كتب ومطبوعات تجارية “أعمل منذ كان عمري 10 سنوات مع والدي وحاليا عمري 80 سنة، وهذا المحل كنا نستأجره وحاليا هو ملكنا، وتطورنا منه بالعمل “.
بدوره يقول الدكتور جمال البزار، أستاذ تاريخ الحضارة العربية الإسلامية وباحث بالتراث العراقي والبغدادي “إن المكتبات القديمة لم تكن فقط لبيع الكتب، إنما كانت منتديات أدبية يجلس فيها كبار الأدباء والأساتذة العراقيين من شتى المجالات”، وأضاف “هذه المكتبات كانت عبارة عن المصدر المهم للباحثين للحصول على المصادر والمراجع المهمة قبل الذهاب إلى المكتبات المركزية”.
ويرى البزاز بأن شارع المتنبي رجعت له الروح والحياة بعد عام 1990 بوساطة الأشخاص الذين يبيعون الكتب على الأرصفة بعد أن أضطر أصحاب المكتبات الخاصة لبيع كتبهم بسسب الأزمة الاقتصادية والمالية التي حلت بالمجتمع العراقي والبغدادي في التسعينات، بحسب تعبيره.
وعن تجربته بقراءة الكتب يقول “بالنسبة لي إذا لم أقرأ كتابا أصاب بالصداع، لدي قول أذكره للطلبة ولأي شخص، بدل أن تأكل ثلاث وجبات إقرأ ثلاث صفحات لأن الأكل لا يهم إلا صاحبه ولكن الثقافة تهم الجميع، والثقافة لدينا مشاعة ومجانية وعملية اقتناء الكتب جدا بسيطة، أنا أحمد الله أنه يوجد كتاب له ثمن، لأن الكتاب لا يقدر بثمن”.