آمنة وهاب الهموندي
ها اليوم وأنا عروس وفي بيتي الزوجية ولابد من إظهار مهاراتي المنزلية في المطبخ .. لفت انتباهي في ركن المخزن (هاون) وسارعت لأشراكها في المطبخ بعد تنظيفها وتلميعها … ولا أدري لماذا رغبت دق الهيل بالهاون رغم وجود الطاحونة الكهربائية في مطبخ عيالي وعند عودة زوجي من العمل ذهل بوجود الهاون سارع بالقول : من أتى به هنا؟ وفي اليوم التالي أختفى الهاون ولم أعد اجده ، لكن مع تكرار الحالة لاحظت تكرار نفس الموقف من زوجي حتى شعرت بأن قصة وراء هذا الهاون .. وبعد مضي الأيام والسنين عثرت في درج مكتبه على اوراق قديمة ومنها ( كارت بالدرجات الدراسية) وعليها أسم لا تمت صلة بالعائلة .. وهنا بدأ الشك والتساؤلات عندي من تكون ( س ) ؟
ولما فتح قلبه المجروح بجرح جراحات الكورد الفيلية الذي لم يندمل في نفسه لسنوات وبدأ يروي قصته الحزينة جراء مأساة الفيليين إبان تسفيرهم وإبادتهم ونهب وسلب ممتلكاتهم..
لقد تعرف على اسرة (س) ذات الستة عشر ربيعا في الثمانينات وبالذات خالتها التي رافقت أختها ( والدة. س) في عيادة الطبيب النفسي لأنها تعاني القلق من مأساة التهجير والاعتقالات التي واجهت اهلها في بغداد وأنا كنت ارافق والدتي .. وفي العيادة تكررت لقاءنا بالصدفة وهنا بادرت خالتها بتقريبنا وتطورت الحالة حتى عزمت خطبة (س) … ولما كنت أخدم في الجيش تأجلت نزولي بالأجازة لإتمام الخطوبة و تزامنت وفاة جدتي في الموصل وذهبت لمراسم دفنها والعودة مسرعا لبغداد.
ولما هاتفتها لم أجد من يرد عليّ . لذا سارعت بالحضور لمنزلهم المكتظة بالناس وهنا اربكني الأحساس بالهلع ماذا يمكن ان يحدث من مكروه؟ ولما تقربت من الدار رأيت بأم عيني الجريمة الكبرى والهرج والمرج لنظام البعث الذي يقوم ببيع ممتلكاتهم، لذا اردت أن أعرف مصيرهم حتى عرفت إن العائلة قد تم تسفيرهم !! إذن لا أثر لمحبوبتي … وهنا حاولت العثور على أثر لتبقى ذكرى عندي ولم أجد بين الفوضى سوى (شهادة نجاحها) مرمية بين الأوراق وحملتها في جيبي وبعد أن خرجت بادرني الجلاوزة بالسؤال : إذن لماذا حضرت هنا إن لم تشتري حاجة ؟
أجبتهم : لم أجد ما يرضيني.
ولما لمحت الهاون مرميا في زاوية المطبخ حملته ورميت بدنانير للجلاوزة.
وحملت معي ذكرى أليمة والحزن يعتصر قلبي على مصيرها وأبقيتها عندي ذكرى لوفائي لها بأني وفيت لكن القدر أراد لنا أن لا نلتقي.