د. حسن كاكي
قد يعيش الانسان تحت ظل الفاقة والعوز والظلم والقهر والتهميش ولكنه لا يستطيع ان يعيش بلا وطن بلا أمل بلا مستقبل.. هكذا عاش الكورد الفيليون .. فقد عاشوا في العراق كعجم وايرانيين حتى اللقب الفيلي كان لوحده تهمة والتكلم بلهجتهم الفيلية كان يتم خلف الجدران بعيداً عن الأذان الصاغية والعيون المتلصصة خوفاً من طارق الليل ان يأتيهم ويسوقهم نحو المجهول، وعاشوا في ايران كعرب وعراقيين على الرغم من امتداد اراضيهم فيها لآلاف الكيلومترات، وأسسوا فيها امبراطوريات عظيمة مثل الكيشية والإيلامية والميدية غيرها ..
ربما يتبادر الى ذهن البعض ان انفلة الكورد الفيليين بتلك القسوة والوحشية كان بسبب معاداتهم للبعثين بعد انقلاب 8 شباط الاسود، او ربما لانهم كورد وشيعة وذوي مراكز تجارية واقتصادية واجتماعية مرموقة .. لكن في الواقع كانت هذه اسباب ثانوية، والسبب الرئيسي لانهم رفضوا الأنصهار في بودقة الدول المحتلة لأرضهم كالشعوب والقوميات الاخرى.
فقد تم شن حملات الإبادة والتهجير،وتنفيذ سياسة الاضطهاد والتهميش ضد الكورد في كل اراضي كوردستان الكبرى،كونهم ليسوا عراقيين، ولا أتراكاً، ولا إيرانيين، ولا سوريين بل كورداً كوردستانيين .
منذ تاسيس الدولة العراقية عام 1921 وبالتحديد منذ اتفاقية قصر شيرين 1929 هذه الاتفاقية التي شطرت العوائل والعشائر الفيلية القاطنة شرق دجلة الى شطرين شطر وقع تحت سطوة الحكم الايراني والشطر الاخر وقع تحت سيطرة الحكم العراقي وبدأ إنكار أوساط كثيرة لانتمائهم القومي، ومحاولة سلبهم موضع فخري واعتزازهم هذا أنها شكوى مزمنة من مزمنة ذات أبعاد سياسية واجتماعية وعنصرية طويلة الأمد يجيش بها صدر كل كوردي فيلي.
كما ان التهجير لم يكن فقط في زمن الطاغية صدام بل جرى في العهد الملكي في زمن رئيس الوزراء ياسين الهاشمي وفي زمن رشيد عالي الكيلاني كما تم اسقاط الجنسية عن الدكتور جعفر محمد كريم في عام 1950 لنشاطه في الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وبهية مصطفى لنشاطها في الحزب الشيوعي العراقي .
فالمحتل يشك في ولاء السكان الاصليين، بالأخص بعد ان قام الكورد بثورات عديدة ضد محتلي أرضه في كل ارجاء كوردستان الكبرى، لذلك يحاول إبادة السكان الأصليين وتهجيرهم للتخلص منهم، او التقليل من أعدادهم وتقليص مساحة اراضيهم بالتعريب والتفريس والتتريك لتثبيت احتلاله.
وتجلى العامل السياسي في محاولة إخراج الكورد الفيليين من الحريم الكوردي مثل إخراج الكورد اللور، وقبائل كوردية اخري مثل الايزيدين والشبك والعلويين والدروز من حريم الامة الكوردية، وتنسيبهم الى أرومة عربية، او إيرانية، او تركية، او سورية.
كما قام النظام البعثي الصدامي بأنفلة الكورد الفيليين في البداية، لكونهم الحلقة الاضعف من الشعب الكوردي، حيث يسكنون المناطق السهلة المفتوحة، ومن ثم قام بمراحل الانفال الاخرى، واستخدام الاسلحة الكيمياوية، وما الى ذلك من حرب إبادة ضد الشعب الكوردي في كوردستان العراق، كذلك شنت حروب إبادة وتهجير ضد الكورد في كل من تركيا، وإيران، وسوريا .
الفيليون كورد اقحاح واي محاولة لعزل هذه الشريحة عن واقعها وانتماءها القومي سوف تضع هذه الشريحة موضع الشك في أصالتها الكوردية والعراقية أيضاً أمام الأخرين، وهذا ما لا يقبله الفيليين كونهم كورد أصلاء ولم ينسوا تحت كل الظروف قضيتهم القومية العادلة ولهم مساهماتهم الفاعلة منذ بواكير الحركة الوطنية الكوردية في العراق، وكانوا رأس الحربة في كل الثورات وانهم كانوا من ضمن أعضاء الهيئات التأسيسية للأحزاب الكوردستانية،فضلا عن دورهم المميز في صفوف قوات البيشمركة ودفعوا باهظاً ثمن اخلاصهم وأصطفافهم مع الخط القومي والوطني للثورة الكوردية.
فقوتهم تأتي من قوة الحركة التحررية الكوردية ومشاكلهم هي جزء من مشكلة كورد العراق بأجمعه والخيمة الكوردستانية تستوعب كل أحلامهم وطموحاتهم، وأنهم لن ينجروا وراء أي تفسيرات اخرى أو مغريات السلطة أو أي طموحات تلغي هويتهم القومية ، ولا وراء من يريد تخريب وعيهم وذاكرتهم وثقافتهم وشخصيتهم ليكونوا تابعا ذليلاً يتلقى ما يصدر له ويحدد له من افكار وثقافات غريبة بعيدة عن واقعه وتاريخه ليبقى يدور في دوامة التخلف ويتعرض للاحباط والتمزق والتشرذم حيث ينتظرهم جراد الجاهلية الجديد وينتهز الفرصة للانقضاض عليهم من جديد.
اخيرا لو اردنا الا تتكرر مأساتنا فلا بيت يأوينا غير البيت الكوردي، ولا وطن يجمعنا غير كوردستان .