منارات عراقية … نجيب المانع .. ناقد مزج السرد بالرومانسية

 

توما شوماني

(نجيب المانع) ناقد مزج الواقعية بالرومانسية، ولد في الزبير في البصرة، في الزبير الرابضة على حافة الصحراء وعلى حافة فردوس النخيل وشط العرب. في (ذكريات عمر اكلته الحروف) يقول مؤلفها (نجيب) في بعض منها (هذه تجربات تتناول بالدرجة الاولى مغامرات الأفكار، بجزعها واطمئنانها، والمستقبل العربي «والمستقبل تاريخ ايضا») وفي الزبير يقول (نجيب) في (بلدة الزبير رايت الشعر ينبجس من الرمال الملتهبة) وفي هذا حق فالصحراء ارض النوق والبعران انجبت أكبر قافلة من شعراء الحب والتشبيب والهيام اولهم (عمر بن ابي ربيعة) الذي قال (كلما قلت متى ميعادنا ضحكت هند قالت بعد غد) و (مجنون ليلى) و (كثير عزة) و (جميل بثينة) وغيرهم. (نجيب المانع) ابن الزبير تزاملت معه في المرحلة الثانوية من العمر في ثانوية البصرة الوحيدة في لواء البصرة، كان نجيب أبرزنا في صفي الرابع والخامس اذ كنا نعجب من قدرة (نجيب) في احراج مدرس الادب العربي محمد الصانع ومدرس التاريخ في اسئلته الابداعية. الواقع انني لا اتذكر من طلبة صفنا آنذاك غير (نجيب) وآخر رحل الى اميركا وبقيت شخصية (نجيب) عامرة في ذهني. وآخر مرة زرته في بغداد بعد تأميم النفط، اذ زرت أحد اقاربي ثم عرجت على غرفة (نجيب) في البناية التي كانت قائمة على آخر شارع في ساحة التحرير في الباب الشرقي. كان ذلك الحديث الاخير الذي دار بيننا. (نجيب) كان انسكلوبيديا اذ اعجبت بحذقه في معرفته الكاملة في الآداب العالمية مع تعامله الكامل في تاريخ ونقد الموسيقى العالمية مع تعامله الحاذق بلغة سيبويه الغامضة. كان (نجيب) كاتبا ينظم شعرا وشاعر يكتب سردا، ويخلط السرد بالشعر. وفي قدرته على تعلم الفرنسية بنفسه وببعض الاستعانة باللاجئ التونسي (على الحمامي) اذ يقول (نجيب): (تعلمت منه نطق الحروف وشيئا من الجمل الاولية) ويذكر (نجيب) بان (الحمامي) تحطمت به الطائرة فمات. الواقع ان (على الحمامي) كان يدرسنا في المتوسطة في ثانوية البصرة (التاريخ الاوربي) وكان يسرد المواضيع سردا دون توقف.

 

 

 

في فهرس كتابه (ذكريات عمر اكلته الحروف) نجد الكثير من العناوين البراقة منها (الموجة الرومانطيقية – شعر الرصافي.. طنان بلا موسيقى – اللغة. الطلسم الغامض – الاديب سجين اللغة – مدينة الزبير …وفيض الشعور – قصور طه حسين – لم ير معرضا ويخوض في الفن التشكيلي – رثاء الصوت البشري – جائزة الركاكة – لست عمليا.. وهذه سبب خيبتي) ومواضيع اخرى وهي مواضيع فيها الجرأة وفيها لمسات الرومانسية.

تحدث (نجيب المانع) عن بلدته الزبير فيما ذكرت من قبل (في بلدة الزبير رأيت الشعر ينبجس من الرمال الملتهبة) ويذكر في كتابه ايضا (كنت اسكن الزبير وادرس في مدينة البصرة مجتازا في الذهاب في السيارات العتيقة المطقطقة اربعة عشر كيلومترا من الغبار المتصاعد في طريق لم يكن معبدا واربعة عشر كيلومترا في العودة لان بلدة الزبير لم يكن فيها حينذاك مدرسة متوسطة او ثانوية). الواقع كانت الزبير ملجأ للنازحين عن السعودية والكويت يوم لم تكونا مصابتان بداء (النفط) وكان الفقر يلف ابناء الزبير الا بعض العائلات منهم (آل المانع) وبعضهم آثر العيش في البصرة ومن السعوديين الثرات الذين آثروا الاستقرار في البصرة (الذكير) وهم من الثرات وكانوا يسكنون بيتا اشبه بقلعة له درجات من الارض للوصول الى الطابق الارضي وهو المؤلف من حوش فوقه طابق له على دواره ما كان يعرف (بالطارمة) عليها (محجرات) عالية مثقبة تشرف على (الحوش) الذي في وسطه (البلوعة) اي فتحة المجاري. كان (آل الذكير) من المتزمتين اذ كان الحريم في الطابق الاعلى المغلق لا تخرج واحدة منهن الى الشارع ولا يرى المرء في هذا البيت الا الرجال. وكان (لآل الذكيير) سيارة لا يستخدمها الا الرجال. وعلى عكسهم عائلة (آل الشعيبي) السعودية الاصل التي كانت تسكن شارع السعودية فقد كانت من المتطورين وكانت بناتهم يدرسن في المدارس ويمشين سافرات. وكانت الزبير ملجأ للكويتيين ايضا الآتين من الكويت قبيل (التنفيط) والكثير من اغنيائهم عاشوا في البصرة وكانوا من مهربي اللؤلؤ. ومن المضحك ان أحد الفتيان السائبين من ابناء الكويت في البصرة كان طيلة نهاره يقضيه جالسا على كرسي لحلاق يهودي يراقب الفتيات المارات وكان يلمع شعره بدهن الشعر (البرايلكريم) وعندما قامت دولة الكويت أصبح ذاك الكويتي السائب غير المتعلم سفيرا للكويت في العراق. على اي حال فأنني اتعاطف مع (نجيب) في وصفه الرومانسي للزبير لكنها كانت في واقعها قرية صحراوية لا تجد فيها غير بضع مخازن و(جايخانات) وكان الرجال يقضون اوقاتهم في (الجايخانات) اما نسائهم فكن مقبورات في بيوت ذوات السراديب لان الزبير كانت اعلى من مستويات المياه. وكنا في المدارس نذهب سفرات (للإثل) وهي غابة من الاشجار الصحراوية وكانت بعيدة عن الزبير بعدة كيلومترات فكنا نمر بالزبير في الرواح والرجوع. على اي حال فان(نجيب) يقول في اول صفحات الكتاب في (طفولة في الزبير) يقول (وكان عالم كتبنا يشبه نافذة صغيرة تطل على باحة مهجورة فهو مكون من دواوين مصفرة الاوراق طبعت في مطابع قديمة). الزبير اليوم ليست زبير الامس الزبير. فهي الآن فارغة من الذين يتحدثون بلهجة (اش تبي) اي (اي شيء تبغي) فتسمع الآن (شتريد)، الزبيريون السعوديون او الكويتيون آثروا الرجوع الى منابعهم الاصلية بعد حلول (عصر النفط) النابع من الصحراء القاحلة بدلا من قول نجيب (الشعر ينبجس من الرمال الملتهبة) والآن تقول المقولة (النفط ينبجس من الرمال الملتهبة). وسبب هجرتهم ايضا بداية عصر الانقلابات في العراق والذي ادى في النهاية الى موت العراق احتراقا.

 

 

في (ذكريات عمر اكلته الحروف) تحدث (نجيب) عن القدامى كـ (المتنبي) و (الجاحظ) وعن اجيال النصف الاخير من القرن الماضي كـ (طه حسين) و (الرصافي) و (السياب) كصديق و (الموسيقى) واعلام الغرب كـ (ديوفيسكي) وعديدون. ذكر (نجيب) عن (بدر شاكر السياب) انه عاصرة في الدراسة في بغداد فكان (السياب) يدرس في دار المعلمين العالية وكان (نجيب) يدرس في كلية الحقوق. الواقع ان الذي وقع انني عندما كنت في الصف الاول في ثانوية البصرة الواقعة على الطريق المؤدي الى (جيكور) قرية (السياب)، كان (السياب) في الصف الخامس وهو الصف الاخير وفي ظني ان نجيب كان يدرس في متوسطة البصرة وقتئذ، وعندما وصلت الصف الخامس كان معي (نجيب) في ثانوية البصرة، وفي تلك السنة حل السياب مدرسا بعد ان تخرج من دار المعلمين العالية. لا أدرى لم هذا الاختلاف؟ عسى ان اكون مخطئا. الغريب في ذهني ان (نجيب) ذكر انهما تزامنا في الدراسة في بغداد. يقول (نجيب) عن (السياب) هذا القول (اخذ في شعره الاول يكوم الآلام فوق الآلام على رأس «المومس العمياء» و «حفار القبور») ثم يقول (يكفي التعبير …عن الم واحد…وان من القسوة الشعرية عند الفنان تحميل شخوصه الألم). يتحدث (نجيب) عن فشله في ممارسة المحاماة فيقول كان فشلي اسطوريا اعتبر نفسه واحدا من الذين فشلوا في ممارسة المحاماة ومنهم (اكوب هاروتيان) الذي يجل له الاعتبار اذ قال عنه (نجيب) كان (اكثرهم صفاء ذهن ومصارحة وقوة شخصية). يذكر (نجيب) رواية نادرة عن (السياب) وهي انه نهر متسولا فتأثر (هاروتيان) فوجه (للسياب) قوله (ان معاملتك القاسية للمتسول حجبت عني شعرك في وصف المآسي والالام البشرية؟) فغضب (السياب) على (هاروتيان) قائلا ما معناه إنك ارمني لا تفهم الشعر العربي فكان صمت وما لبث (السياب) بعدها ان شعر بالخطأ فاعتذر. وتحت عنوان (اللغة…الطلسم الغامض) يحس بتقوقع اللغة العربية المقيدة بقيود سيبويه القديمة المعروفة بانها (نحو وصرف) لهذا يقول (نجيب)، (وجدت لغة بلند الحيدري والسياب والبياتي ونازك الملائكة في اعمالهم الاولى تبشر بلغة الشروق اللغوي الجديد) وفي موضوع (الاديب سجين اللغة) حيث يقول (الاديب سجين اللغة…ومع اللغة حاملا ثقل الماضي الثقيل). (نجيب) يعترف ان العربية لا تروي غليله فيما يهيم في التعرف على الادب العالمي فنجح في تعليم نفسه بنفسه الفرنسية إضافة الى ما يعرف من لغة شكسبير، الواقع ان (نجيب) يلوم الدكتور طه حسين عميد الادب العربي اذ لم يعرف العرب بالأدب الفرنسي. اعترف (نجيب) بأخطائه وسلبيات حياته. اما انا اعترف باني لست قادرا على اعطاء كشفا كاملا عما ورد في (ذكريات عمر اكلته الحروف) ومن يود ان يعرف كل ما ورد فيه فعليه قرائة (ذكريات عمر اكلته الحروف).

 

 

يقول صلاح نيازي زوج سميرة المانع شقيقة نجيب وكانت مدرسة في ثانوية الكرادة الشرقية في بغداد وكانت زوجتي الراحلة (جوليت) زميلتها في التدريس. يقول صلاح (نجيب نخلة من مدينة البصرة جذورها منقوعة بالماء، ورأسها ملتهب بالشمس والثمر. عاطفته كذلك منقوعة بالماء، وعقله مشبوب. متصلان ومنفصلان كجذور النخلة وعروقها. يقرأ شكسبير بإكبار وتدمع عيناه لسقط الزند للمعري، يتمعن بمقالات جون رسكن، ولا يتغذى إلاّ من الجاحظ. لا يهمه من كل الفلسفات إلا كرامة الفرد. لا تهمه هوية النص بقدر علاماته الابداعية الفارقة. وهو مثل الفنانين الاصلاء فوق الحزازات المذهبية والطائفية، أو لا يُعرف بأي مذهب أو طائفة. لم اسمع منه قط كلمة واحدة متحيزة ضد الانسان كإنسان). ويضيف صلاح عن نجيب فوق الانسان (أعظم ما في الموسيقى العالمية: بيتهوفن، هو ضعف إنساني هذا الضعف الإنساني لا يدرس مع الأسف في مدارسنا، وإنما تدرس القوة. والوطنية بنظرهم تأتي من الأناشيد الوطنية. وللحقيقة، أود أن أذكر أنني قضيت اربعين عاما في انكلترا، فلم أجد هناك نشيدا وطنيا في المدارس، وانما يغنون أغاني الشباب التي تظهر في التلفزيون، يصطف الطلاب صباحا، يغنون الأغاني الليلية، أو سواها، ولا يغنون: لاحت رؤوس الحراب، تلمع بين الروابي.. يصنعون من الطبل دبابة صغيرة.. كأن مبحث الإنسان غائب أحيانا عند بعضنا..).

 

 

كان نجيب جريئا في قول ما يقول في مواضيع ستاتيكية جامدة محرمة خاصة عن اللغة العربية (مما يبعث على الاستغراب أن اللغة العربية الحديثة لا تحمل مفهوماً ذا أهمية كبرى في تحديد معالم الشخصية المهزوزة المتعثرة المعتمدة على غير ما فيها من مقومات، الشخصية المتعاظمة المتفاخمة بسبب علاقاتها مع مَنْ لهم مكانة اجتماعية أو سياسية أو فكرية مع أن اللغة العربية كانت تعالج في الماضي مثل هذا الانتفاخ الفارغ بكلمة جيدة الدلالة هي النفاجة مصدراً والنفّاج صفة. النفّاج هو الذي يشير إلى نفسه في مناسبةٍ أو غير مناسبة على أنه استحوذ على اهتمام الكبار أو حاز على الثراء الملفت للنظر أو ملأ دماغه بالمعرفة الأخاذة التي لو كانت معرفة حقاً لحاذرت من تسليط الضوء عليها لأن المعرفة هي إضاءة داخلية بحد ذاتها). ويضيف (وقد يحصل النفاج على إشباع جوع معين في نفسه حين يخبرك بأن عظيماً ما لم يدعه إلى العشاء فحسب بل كذلك أغاظه بكلمةٍ فلتت منه بعد إفراطه في الشراب ولكنه «أي النفّاج المتحدث» أوقفه عند حدّه أو قد يجد مداورة نفّاجة أخرى بأن يعلن أنه لم يغضب لتصرف ذلك الكبير فقد عرف أنه لا يضمر له سوى المودة المعززة بالاحترام). ثم يقول («للسنوب SNOB والسنوبزم النفاجة» بالانكليزية أبعاد تجعل الانكليزي حذراً من الوصول إليها فليس عند الانكليز من هو أقبح من النفاج لا يعادله في البشاعة عندهم سوى الشخص الذي يفتقد روح الدعابة فإن من أعظم الشتائم عندهم ليس هو الشخص الذي حادت أخته أو ابنته عن طريق الفضيلة بل ثقيل الدم الذي لا يعرف كيف يبتسم للفكاهة غير اللئيمة أي الذي لا يفهم روح الدعابة وبطبيعة الحال فمن يأخذ نفسه مأخذاً جدياً مبالغاً فيه وهو إلى ذلك يطالب الناس من حوله بالاعتراف الارغامي به لما يحدثه وجوده بين كبار الشخصيات من جلجلة وصخب ولما يحدثه فكره من اكتساح مهيب، لا يكون سوى فاقد لروح الدعابة البريئة مثل افتقاد الثلج لإمكانية الإنارة. النفاج إذن لا يعرف النكتة ولكنه ربما يكون مالكاً للسخرية بمن يراهم أضعف منه أو أقل شأناً، والسخرية مؤذية على عكس الدعابة، ثم يقول (والنفاج زئبقي في نظرات عينيه وحركات يده وانزلاقات جسده الهلوع القلق المترجرج وهو زئبقي فيما يهوى وما يكره، وزئبقي في ميوله ونزواته ومبادئه وأفكاره وهو عديم الأصالة إذ لا يمتلك شيئاً نابعاً من أعماقه مائة بالمائة ولا خمسين بالمائة إذ كل ما عنده مستعار أو مقترض وأحياناً يقترض الأفكار والأذواق والعبارات بفائدة عالية جداً يكلفه تسديدها ثمناً باهظاً من الكرامة والصدق والسلم الداخلي).

 

 

(أغاية الدين ان تحفوا شواربكم يا امة ضحكت من جهلها الأمم) قالها المتنبي قبل قرون خوالي، اما (يا امة ضحكت من جهلها الأمم) فقد ذكرها (نجيب) بشكل آخر حين قال (شكل الذين لا يقرؤون منهم أكثر من 99.9999 بالمائة)، (نجيب) كمثقف عالي المعرفة وكانت تملأه المرارة من التخلف العربي في شتى المجالات اذ قال (المشكلة في الانحطاط العربي الحالي ان العربي يمجد نفسه بوصفة نقيا بريئا كريما ذكيا على مجرى الفخر القديم). الواقع ان العربي يقدس تاريخه اذ ينتقي تاريخه الايجابي دون ان يحاول مراجعة السلبيات ويعتبر تواريخ الآخرين زبالة. يقول ما معناه للأسف ان الامة العربية بكاملها ليس فيها دار واحدة للنشر ويقول لو سألت غربيا عن العرب لقال لك (العربي الحديث انسان لا يقرأ ولا يستحي من كونه لا يقرأ) ويضيف بان اللغة العربية قاصرة عن تقديم ما يجب تقديمه للإنسان العربي ليزود بالثقافات المعاصرة الحديثة لهذا يقول (المشكلة في ذلك الوقت أو لعلها في كل وقت أن اللغة العربية، وحدها لم تكن كافية لتحقيق ذلك الاتصال الذي كنت أسعى إليه، فلابد من الدخول في محيط لغة أخرى أو أكثر من لغة. ووجدت أن اللغة الإنكليزية وحدها لا تفتح سوى نصف باب فحزمت على دراسة اللغة الفرنسية لفتح النصف الآخر كي أستطيع ان ادخل بهو التراث الإنساني). ومن اقواله (فالفرد العربي المتضخم هو الاستعمار الجديد الرابض على صدر الامة هو اساس الطغيان). ذكر (نجيب) فحوى ما قالته احدى الكاتبات عن الارستقراطيين الانكليز (لا يشتمون ابدا ولا تغلي دماؤهم غضبا إذا وجدوا احدا في حالة تهدد بخطر اندلاع الكلمات الرخيصة منه، انسحبوا صامتين وتركوا الاحمق يهذي على هواه حتى يبرد ويستحي من نفسه).

عمل (نجيب) في كادر (جريدة الشرق الاوسط) السعودية التمويل في لندن لكن صراحته وضعته في محن لان كتاباته كانت صافية لا لبس فيها ولا التواء وكان قراؤه وزملاؤه في الجريدة ممن يعانون العصاب الذي يحمله أكثر الكتاب والقراء خاصة السعوديين الذين يتابعون اية كلمة او جملة خارجة عن المألوف تجاه كتابات (نجيب)، فأحدث حرجا للجريدة. كتب صعلوك عن (نجيب) رسالة الى رئيس التحرير قائلا (قال لي شخص ساء حظه فدخل بيتك غير العامر وازدراك ازدراء مقيتا حين وجد تبذيرك جنونيا، اذ عثر عندك على كل اعمال بيتهوفن وشوبان وديبوسي ورافيل وبرامز وشوبرت وفاكنر وباخ وعشرات الاخرين الخ) وقال آخر (قد أبلغني شخص اخر زارك يوما ما زيارته الاولى والاخيرة أنك قلت له قولا لا يضاهيه في الشناعة سوى كتاباتك).

ليتني استطعت كتابة كل ما يمكن كتابته عن (نجيب) لان علاقتي به كانت قصيرة في الصفي الرابع والخامس في ثانوية البصرة. كانت سنتان عامرتان حيث كانت البصرة تفوق بغداد في الكثير من النواحي، كان فيها مطار أكبر من مطار بغداد الذي كان لا يتعدى عدة (بنكلات)، اما مطار البصرة فكان بناية في طبقات عديدة وكان فيها مطعما يأمه الكثير من البصريين. وكانت البصرة قائمة على (طريق الهند) وكانت كافة الطائرات الذاهبة الى الهند او الشرق تمر بالبصرة مستريحة فتتزود بالوقود ثم تطير. على اي حال اعود الى (نجيب) فعندما كنت في الصف الاول في ثانوية البصرة كان (السياب) في الخامس وكان ضئيل الجسم خاصة رأسه اذ عندما كانت الفتيات يقابلنه كن لا يملكن ايقاف ضحكاتهن وهن يضعن ايديهن على أفواههن وكان (السياب) يشعر ذلك اذ كان حساسا كشاعر. وكنت اشهاده ذاهبا نحو الخورة ماشيا حيث تقع (جيكور). على اي حال فإنني زاملت (نجيب) سنتين نسيت الكثير منها الا (نجيب) بقي في ذاكرتي عامرا لالمعيته الظاهرة في الصف ولم التقيه الا عدة مرات وكنت قد سمعت انه غادر العراق (هربا) شأنه شأن الآخرين من الاوضاع التي سادت العراق، غادر الى منبع عائلته السعودية الاصل فكانت نوع من الصعقة لي لان السعودية ليست بالقطر الملائم لـ (نجيب) الا انه انتهى به المقام في لندن مدينة الحرية التي تلائم (نجيب) ثم وافاه الاجل قبل الاوان.

قد يعجبك ايضا