نبيل خالد مخلف – باحث وأكاديمي
يشكّل التصعيد الإسرائيلي ضد إيران اختبار بالغ الحساسية بالنسبة للعراق، الذي يجد نفسه مرة أخرى محاطاً بالنيران دون أن يكون طرفاً مباشراً فيها، فالجغرافيا لم تُمهل بغداد رفاهية الابتعاد، إذ يتوسط العراق خط التماس الملتهب بين طهران وخصومها الإقليميين، فيما تُحرّكه داخلياً قوى غير منضبطة قد تجعل من أراضيه امتداداً لحروب الآخرين. والجدير بالذكر، أن العراق يحاول السير على خيط رفيع بين الحياد والانحياز، مُعلناً رفضه لاستخدام أراضيه في أي صراع، لكنه في الوقت نفسه عاجز عن ضبط المواقف غير الرسمية لبعض الفصائل المسلحة ذات الولاء الخارجي، والتي قد تجر البلاد إلى مواجهة مع إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة، وهذا العجز لا يعبّر فقط عن خلل أمني، بل عن أزمة سيادة سياسية ما تزال مهددة بالانقسام عند كل لحظة توتر.
أما اقتصادياً، فإن أي اهتزاز في مضيق هرمز أو تصعيد في الخليج سيصيب العراق في عمق موارده المالية، عبر تعطيل صادراته النفطية أو رفع كلفة تأمينها، مما يعيد إنتاج الأزمات الداخلية في قالب أشد ضغوطاً، وعلى المستوى السياسي، تتجدد خطوط التوتر بين التيارات المتنازعة، إذ يُقرأ كل موقف تجاه التصعيد من زاوية الولاء الإقليمي، لا من منطلق المصلحة الوطنية، وعلى الرغم من الصورة القاتمة، لا تزال أمام بغداد فرصة نادرة للعب دور الوسيط الإقليمي، إن هي أحسنت استخدام علاقتها بإيران، وانفتاحها الحذر على العالم العربي، وسعت لتوظيف هذه الأزمة في ترسيخ دورها كممر للحوار لا كساحة للصراع، غير أن هذا الدور لا يمكن أن ينبثق من أمنيات، بل يتطلب إرادة سياسية مستقلة، وضبط فاعل للقرار الأمني، ودعم خارجي يمنح العراق غطاءً للحركة بدل أن يبقى مكشوف الظهر.
في النهاية، يبدو العراق وكأنه يسير بين فكي كماشة: إذا فشل في تحييد نفسه عن هذه المواجهة الإقليمية، فقد يجد نفسه مجدداً في قلب صراع لا يملك القدرة على التحكم في مساراته، ولا في توقيت نهايته.
وفي خضم هذه التحديات، من المحتمل أن يبرز العراق كلاعب إقليمي، إذا ما توفرت الإرادة السياسية المستقلة، لإستغلال فرصة لعب دور الوسيط في تهدئة التوترات، مستفيداً من علاقاته المتوازنة مع أطراف الصراع، خاصةً مع إيران من جهة، وتواصله مع الولايات المتحدة وبعض الدول العربية من جهة أخرى، إن التحرك الدبلوماسي العراقي في هذا التوقيت قد لا يضع حد نهائي للأزمة، لكنه يمكن أن يفتح مسارات للحوار، ويمنح العراق دور إيجابي في حفظ الاستقرار الإقليمي، في لحظة حرجة باتت فيها الحاجة ماسة إلى صوت عاقل يسعى للتقريب لا للتصعيد.