“سيعلم الظالمون حق من انتقصوا، إن الظالم لينتظر العقاب، والمظلوم ينتظر النصر والثواب”
شريح بن الحارث بن قيس الكندي
د. توفيق رفيق التونچي
نحنً أبناء العراق تغير حالنا خلال مئة عام الأخيرة منذ ان قرر المستعمر البريطاني وأعوانه وقلة من العراقيين من بقايا الدولة العلية العثمانية إنشاء كيان في عاصمة الدولة العباسية من البصرة إلى بغداد وثم الحق به ولاية الموصل بعد استفتاء صوري غير دقيق المعالم والنتائج قام به عصبة الأمم. وتم تخطيط حدودها باتفاق بين وزير خارجية البريطاني سايكس ونظيره الفرنسي بيكو وبعد تتويج ملكً حجازي على عرش العراق وهو الذي فقد كرسيه في الشام نتيجة لانتدابات دمشق عن طريق الفرنسيين والتي آلت إلى حصتهم في التقسيم الجديد للغنائم والتفاهم مع الجمهورية التركية التي أسست على أنقاض الدولة العلية وكانت من نتائجها الحيف الذي وقع على القومية الكوردية وبذلك قسم الشعب الكوردستاني بين أربعة دول ثلاثة منها حديثة التكوين ( العراق، سوريا، تركيا) التي أسست على ما تبقى من أراضي الدولة العلية العثمانية فتكون بذلك كيان سياسي في الولايات العثمانية في العراق سمي ب “مملكة العراق”.
كيان شعبه تعددي غير متجانس قوميا وعقائديا وثقافيا مما كون البذرات الأولى لتفكك مجتمع غير متفاهم . وملك جيء به البريطانيين من الحجاز لا علم له بالتكوين الثقافي، القومي والعقائدي لشعبه. تفكك المجتمع إلى قوميتين بدأ مع إعلان الجمهورية وتأصل خاصة بعد سواد حكم الفكر القومي العربي بعد عام ١٩٦٣ ووصلت ذروتها مع الحكم البعثي البغيض الذي اجبر الملايين من غير العرب ترديد شعار الحزب القومي وادعاء بوجود أمة عربية واحدة .
دأبت الحكومات المتتالية منذ تأسيس المملكة العراقية عام ١٩٢٢ على تكوين هوية وطنية هلامية وإيجاد قاسم مشترك للشعب العراق ولكن دون جدوى. الجدير بالذكر ان كل من لم يعترف بهذا الكيان الذي صنعه أيادي المستعمر أما قتل، اغتيل واعدم واتهم بالخيانة.
بذلك تحول هذا التاريخ الاستعماري وجميع اتفاقياته ملزما لأبناء الشعب العراقي ومقدسا ولحد يومنا هذا.
لاريب كان للصراع التركي الإيراني التاريخي التأثير الأكبر على سياسة الدولة الناشئة وبقيت المواطنة العراقية منقسمة إلى تبعية عثمانية ذو الأكثرية من الطائفة السنية وتبعية إيرانية من ابناء الطائفة الشيعية. تكوين النسيج السكاني العراقي من الناحية الطائفية يشمل جميع القوميات المسلمة اي ان السعي مثلا قد يكون عربيا، كورديا او توركمانيا اما المسيحيون فهمً كذلك من معظم الطوائف كاثوليكي، أرثوذوكسي وعدد قليل من البروتستانت وهناك كذلك عقائد أخرى كالايزيدية، الكاكائية ، البهائية واليهودية باسم الفكر العروبي الذي ولا ريب حق الطبيعي ان يحمله العراقي العربي من أفكار الراحل جمال عبد الناصر ومن ثم ميشيل عفلق . اما القوميات الأخرى فلا يجوز اعتبارهمً جزء من الشعب العربي وبعد ذلك وبتهمة مطالبة الانفصال قتلهم وإبادتهم وتعريبهم.
بدأ قصف كوردستان خلال قرن من الزمن بدأها الإنكليز أولا وتم قتل وإعدام الشباب وهدم القرى عن طريق سياسة الأرض المحروقة وحملات التعريب وانتهى بحملات الأنفال باستخدام الطائرات وقصف الجبال بالقنابل واستخدام جميع الأسلحة المحظورة دوليا وخاصة الغاز. وانتهى الأمر بهم بتعريب القرى التوركمانية والكوردية وتهجير مع دفنهم إحياء في مقابر جماعية.كما اجبر الناس على تغير قومياتهم الى العربية حيث منع شراء العقارات لغير العرب في محافظة كركوك مما أدى الى تقديم العديد من العوائل تغير قومياتهم الى العربية. دواعي حربهم الذي قدموه للشعب بحق جريمتهم شعب كوردستان كان الاتهام بطلب الانفصال وعدم الرضوخ إلى اتفاقية المستعمر البريطاني وأعوانه .
اذكر للقارئ ان جل طلبات القوميات العراقية كانت ثقافية وإدارية ولم يكن مطلب الانفصال وحق تقرير المصير طلبا للأحزاب السياسية بل كان المطلب لا يتعدى الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي. رغم ان حق تقرير المصير مكفول حسب الأعراف الدولية ولا يمكن إجبار شعب بالعيش معا بالقوة والإجبار كذلك بقبول اتفاقيات استعمارية لم يكن بنفسه طرفا فيها.
إلا ان شعب كوردستان بقوا على وطنيتهم واعتزازهم بعراقيتهم. العراق الاتحادي ما بعد ٢٠٠٣ بني على أساس سياسي تعددي ديمقراطي مبني على نظام الأقاليم وبدستور يضمن الحياة المشتركة لجميع مكوناته وان النظام يتعثر منذ عقدين وأكثر كنتيجة مباشرة لأمور مهمة أهمها عدم فهم النظام ومعوقات التطبيق وهيلامية حدود الإقليم الذي بقى كما أراد ذلك حزب البعث عام ١٩٧٤ وشمل آنذاك محافظة السليمانية واربيل فقط والذي أدى إلى اندلاع الحرب في كوردستان ( لم تكن لمحافظة الدهوك وحلبجة وجود إداري كمحافظة آنذاك) وتوزيع الثروات وتأجيل المشاكل للمستقبل كل ذلك مع بقاء آثار
الفكر القومي والسيطرة على الآخرين وفرض العقوبات وإلا كيف يمكن فهم ما يجري بين الحين والأخر من ضغوطات اقتصادية على الصعيد المالي على الإقليم الذي لا يحصل في أحسن الأحوال على أكثر من ١٧ ٪ من الثروة الوطنية مقابل ٨٣٪ لا ينقطع عنهم حتى رواتبهم. يتساءل المرء كيف فهم الشراكة في الحكم هؤلاء من السياسيين وكيف تطبق تلك الشراكة؟ وبأخرى هل قرء احدهم الدستور (القانون الأساسي ) ويعرف معناه وما تم الاتفاق الوطني على أسس الحكم في البلاد.
أين يسيرون هؤلاء بالبلاد الله اعلم ؟
مجرد سؤال يحتاج بعض التأمل قبل الإجابة.
السويد
2025