احمد الزاويتي
في تصعيد متواصل للأزمة بين أربيل وبغداد، تتخذ الحكومة الاتحادية في بغداد خطوات متلاحقة يُنظر إليها في إقليم كوردستان على أنها إجراءات عقابية، تتجاوز الخلافات الإدارية أو الدستورية لتصبح أدوات ضغط سياسي واقتصادي. ملف المنافذ الحدودية، وقرار قطع رواتب الموظفين، ومنع تصدير النفط الكردي، باتت كلها مؤشرات على سياسة ممنهجة تهدف إلى إضعاف الإقليم، لا تسوية النزاع معه.
بغداد توجه اتهامات غير موثقة عن وجود معابر غير رسمية، بينما تؤكد حكومة الإقليم أنها أغلقت هذه المعابر منذ 2007، وأن المنافذ الحالية تتم إدارتها بشفافية، بل وتُسلّم عائداتها إلى الحكومة الاتحادية وفق اتفاق مالي واضح، يُلزم أربيل بتحويل نصف الإيرادات، مقابل التزام بغداد بتوفير رواتب الموظفين.
لكن ذلك لم يمنع اتخاذ قرار مفاجئ في مايو 2025 بوقف صرف تلك الرواتب، في توقيت حساس سبق عيد الأضحى بأيام.
تزامن ذلك مع توقيع الإقليم لاتفاقيات طاقة ضخمة مع شركتين أمريكيتين في واشنطن، بقيمة فاقت 110 مليارات دولار، ما فُسّر في بغداد كخطوة أحادية لتوسيع استقلالية الإقليم الاقتصادية، وربما السياسية. وكان رد الفعل الاتحادي عبر تعطيل المعابر، تشديد الإجراءات الجمركية، وقطع الرواتب، وكأن الرسالة كانت: لا يمكن للإقليم أن يتحرك خارجيًا بمعزل عن المركز.
تصريحات السياسي الكوردي هوشيار زيباري لم تكن بعيدة عن هذا السياق، إذ وصف قرار وقف الرواتب بأنه “سياسي وظالم”، وجاء ليهمّش موظفي الإقليم ويحرمهم من حقوقهم، بل اعتبره هجومًا على الفيدرالية التي بُني عليها دستور ما بعد 2003، وألمح إلى احتمال تدويل الأزمات إذا استمر هذا النهج.
لكن هذه الخطوات قد ترتد عكسيًا على بغداد. فبدلًا من إخضاع أربيل، قد تدفعها نحو المزيد من التقارب مع واشنطن، وقد تُفتح الأبواب أمام قرار دولي يسمح للإقليم بتصدير نفطه بشكل مستقل، وهو ما قد يُمكّنه من تمويل رواتب موظفيه دون العودة إلى بغداد، مما يُشكّل نقطة تحول في العلاقة بين الطرفين. في هذه الحالة، قد تتحول الأزمة من خانة الضغط الاقتصادي إلى بداية انفكاك حقيقي بين المركز والإقليم.
لا يجب أن ننسى أن 93% من شعب كوردستان صوّتوا لصالح الاستقلال في استفتاء 2017، ورغم التجميد السياسي الذي لحق بنتائج ذلك الاستفتاء نتيجة الضغط الإقليمي والدولي، إلا أن التطورات الحالية قد تُعيد هذا الملف إلى الواجهة، سواء عبر تفعيل نتائجه أو بإيجاد مظلة قانونية جديدة تعطي للإقليم فسحة استقلالية أوسع.
وربما تكون هذه المواجهة فرصة نادرة لإقليم كوردستان كي يُعيد رسم موقعه داخل العراق أو خارجه، لا من موقع الانفصال العاطفي، بل من باب التوازن الواقعي، مستفيدًا من علاقاته الدولية، وحالة الفوضى السياسية داخل العراق، وتراجع قدرة المركز على احتواء التعددية الاتحادية التي طالما كانت مجرد نصوص مجمدة في الدستور.