سعود هاشم
يا سيدنا الجليل،
في الوقت الذي يُفترض أن يكون فيه العدل أساس الحكم، يُعاني شعب كوردستان من سياسة تجويع ممنهجة، لا تستند إلى منطق، ولا تتكئ على قانون عادل. فالموظفون والمتقاعدون يُحرَمون من رواتبهم، لا لذنب اقترفوه، ولا لجرم ارتكبوه، بل فقط لأنهم يعيشون في إقليم رفض الخضوع للمساومات السياسية.
أليس الحسين خرج ليرفع الجوع عن الناس؟ أليس قاتل من أجل كرامة الإنسان وحقه في العيش؟ ما يزيد الجرح عمقًا، أن هذا التجويع لا يتم في الخفاء، بل يُفرض باسم الدولة، ويُمارَس تحت غطاء القانون، ويُسوَّق على أنه إجراء دستوري، بينما هو في جوهره شكل من أشكال العقوبة الجماعية، وابتزاز سياسي وقح.
الرواتب تُقطع، الحقوق تُمنع، والصمت يخيّم. الأسوأ من ذلك أن هذا الظلم بات يُشرعن بأسماء كبيرة تدّعي تمثيل “الشيعة”، وتتحدث باسم “المذهب”، بينما هي في الحقيقة تمارس الخنق المالي، وتساوم بلقمة الناس، وتحوّل حياة الأبرياء إلى ورقة تفاوض.
إن من يتحدث باسم الطائفة، ثم يستخدم سلطته في إذلال الناس وتجويعهم، لا يمثل نهج أهل البيت، ولا يمتّ بصلة إلى مبادئ الحسين عليه السلام، الذي خرج ليكسر القيود عن رقاب الناس، وينتصر للكرامة والحق. أليس الحسين هو من قال: “هيهات منّا الذلة”؟ فكيف نقبل اليوم أن يُنسب إليه هذا الصمت، أو أن يُمارس باسمه هذا الظلم؟
التاريخ يعيد نفسه، ولكن بصور أشد قسوة. اليوم لا يُحاصَر الناس بالسيوف، بل بالقوانين. لا يُمنع عنهم الماء، بل تُمنع عنهم الرواتب. والمظلوم لا يُخذل بالسلاح، بل بصمت من كان يُنتظر منهم النُّصرة.
اللافت أن حتى في زمن الطغيان، وفي عهد صدام حسين بكل ما فيه من بطش، لم تُقطع رواتب موظفي كوردستان. كانت تصل إلى أقرب قضاء أو محافظة ليتمكّن الناس من استلامها. أما اليوم، في ظل ما يُفترض أنه عهد الديمقراطية والدستور، فإن من يدّعون تمثيل المذهب هم أنفسهم من يحرمون الناس من حقوقهم الأساسية.
يا سيدنا،
إن ما يحدث اليوم لم يعد مجرد خلاف سياسي أو نزاع إداري، بل هو خيانة للعدالة، وإهانة لكرامة الإنسان. شعب كوردستان لا يُجَوّع فقط، بل يُخذَل، ويُعامَل وكأنه خارج حدود الوطن، بلا حماية، بلا صوت، بلا ضمير يصرخ.
إن كلمة منكم، ولو تلميحًا، ستكون صرخة في وجه هذا الصمت الثقيل، وستعيد التوازن في زمن كثُر فيه المتفرجون وقلّ فيه من يقول كلمة حق. نحن لا نطلب موقفًا سياسيًا، بل موقفًا إنسانيًا يُعيد بعض العدل إلى مشهد مقلوب.
فهل من كلمة، يا سيدنا، تردّ بها الظلم وتوقظ الضمير؟ هل من صوتٍ يعيد الروح إلى صرخة الحسين، ويقول للظالم: “كفى”؟