مهند الصالح
في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث، وتتشابك فيه القضايا، تصبح السياسة ليست خياراً، بل ضرورة لكل مواطن، صغيراً كان أم كبيراً. ولذا نقول: علّموا أولادكم السياسة، لا تجعلوهم تافهين.
إن إبعاد الأبناء عن فهم السياسة لا يحميهم كما يتوهم البعض، بل يضعهم في دائرة الجهل، ويجعلهم ضحايا محتملين لمستقبلٍ قد يكرّر فيه التاريخ نفسه بأسوأ صوره. فكم من الأنظمة القمعية استغلّت جهل شعوبها كي تكرّس استبدادها؟ وكم من الأجيال نشأت عاجزة عن التغيير لأنها لم تتعلّم منذ الصغر أن لها حقًّا في النقد والمشاركة والفهم؟
الجهل السياسي في مجتمعاتنا العربية ليس خفياً ولا يحتاج إلى بحثٍ طويل. إنه جهلٌ ملموس، نراه في الأحاديث اليومية، في ردود الفعل على الأخبار، في العبارات التي تتكرر كأنها حقائق مطلقة، وهي في الواقع مجرد صدى لخطابات الآخرين.
المؤلم أكثر أن تجد شباباً يحملون شهادات عليا في الطب والهندسة والعلوم، لكنهم يفتقرون لأبسط مفاهيم الوعي السياسي. يعجزون عن تحليل المواقف، ولا يفرّقون بين المجرم والضحية، بين الحق والدعاية. هم نسخة مثقفة علمياً، لكن تافهة سياسياً.
قد يتساءل البعض: وماذا سنجني من تعليم السياسة؟ أليس الخلاف والانقسام السياسي سببًا في أزماتنا؟ لكن الحقيقة أن الانقسام لا تسببه السياسة، بل يسببه الجهل بها. السياسة الواعية تخلق اتفاقاً على المبادئ الكبرى، أما التفاصيل فاختلافها طبيعي وصحي.
المجتمع الذي يُجمع على العدالة والحرية والمساءلة لا ينهار إذا اختلف أفراده على الوسائل، بل يقوى. أما مجتمع الجهل، فهو هشّ، هشٌّ لدرجة أن أبسط أزمة تفتك بوحدته.
فلنعطِ أبناءنا فرصة التغيير، لا بإبعادهم عن السياسة، بل بتقريبهم من فهمها، وتحليلها، والنقاش حولها. علّموهم أن يكون لهم رأي، وأن يدافعوا عنه بالحجّة، لا بالصراخ. علموهم أن السياسة ليست ترفاً، بل هي مصير.
لأن الجهل لا يخلق الحرية، بل يُخلّد الاستعباد