من ثورة گولان بدأت الحكاية من جديد

د. ابراهيم احمد سمو

من گولان ، تعلّمنا نحن الذين انخرطنا لاحقًا في مسيرة الثورة، أن الثورات الحقيقية لا تموت، بل تمتد، وتُولد من جديد كلما توفرت الإرادة واستقامت الخطى. في گولان، أدركنا أن أي امتداد سليم لثورة ما لا بد أن يُبنى على قاعدة صلبة، أساسها الإيمان العميق بعدالة القضية، واستمراريتها عبر الأجيال.

من ثورة أيلول العظيمة بدأ الدرس الأول. لولا خيانة الدول الكبرى، وتوقيع الاتفاق المشؤوم، لكانت هذه الثورة نقصد (ثورة ايلول ) قد بلغت غايتها ونالت النصر المنشود. لكنها، رغم الانتكاسة، لم تنتهِ. بل عادت من جديد، بثوب جديد، وإرادة أصلب، وعزيمة لا تعرف الانكسار. لقد أصرّ الأحياء على أن يقولوا كلمتهم: “نحن هنا، لا نموت، وشعبٌ له أرضٌ وقضيةٌ عادلة وقادةٌ حكماء، لا يُقهر ولا يُمحى من الوجود”.

توفرّت الأرضية لانطلاقة جديدة، وبدأت الحركات تتشكل من الداخل العراقي، وسط ظروف معقدة ومحفوفة بالمخاطر. في البداية، كانت مفارز صغيرة تتحرك هنا وهناك، لكنها كانت تحمل في داخلها روحًا كبرى. ثم جاءت التنظيمات التي نظّمت تلك الجهود، وصاغت الرؤية، وحددت الأهداف. من ذاك التنظيم، ومن إرادة لا تعرف التعب، بدأت الانتصارات تتحقق، خطوة بعد أخرى، وموقعًا تلو موقع.

أُكمل النصاب الثوري الحقيقي حين استعادت الثورة علاقتها العميقة مع الجماهير. لم تكن ثورة النخبة فقط، بل ثورة الشعب، بكل أطيافه، وهمّه، وأحلامه. هذا التلاحم الشعبي هو ما أعاد للثورة بريقها، وجعل منها موجةً لا يمكن إيقافها.

في گولان، لم نتعلّم فقط كيف نقاتل، بل كيف نُبعث من الرماد. تعلمنا أن النضال لا يُقاس بزمن، بل بإيمان. وأن الخيانة قد تعرقل المسيرة، لكنها لا تستطيع أن تُنهيها. فالثورة الحقيقية تُشبه النهر؛ إن عُرقل مجراه، وجد لنفسه طريقًا آخر. وهذا ما فعله الشعب الكوردي حين حوّل الهزيمة إلى فرصة، واليأس إلى انطلاقة.

لقد رسمت تجربة گولان ملامح مدرسة ثورية جديدة، كانت حلقة وصل بين ماضٍ مجيد ومستقبل يصنعه الأحرار. من هناك، عرفنا أن الثورة ليست حدثًا، بل مسار طويل، يتطلب وعيًا، وتنظيمًا، وشجاعة في اتخاذ القرار. والأهم من ذلك: أن تكون الثورة في قلب الجماهير، لا في الخطابات فقط.

قد يعجبك ايضا