على وزارة التربية في إقليم كوردستان أن تعود إلى الجذور… من أجل جيلٍ يكتب ولا يمسح

د. ابراهيم احمد سمو

في ظل الانحدار الواضح في مستوى القلم، وتدهور الفكر، وضعف الكتابة وسوء الخط، لم يعد من الحكمة أن نقف موقف المتفرج. ما نشهده اليوم من تراجع في المهارات الأساسية للطلبة، وغياب الإحساس بقيمة الكلمة والمعرفة، ينذر بكارثة تربوية ستنعكس سلبًا على أجيال بأكملها.

إن التربية الناجحة ليست مجرد عبور من صف إلى آخر، بل بناء حقيقي لمهارات الطفل وتشكيل شخصيته من خلال التعليم المتقن والمراحل المدرسية المدروسة. ومن هنا، فإننا نعتقد أن العودة إلى الجذور، إلى الأساس الحقيقي للتعليم، هو السبيل الأنجع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبناء منظومة تعليمية تنهض بالفعل لا بالقول.
وفي ضوء ذلك، نقترح إعادة النظر في النظام التعليمي القائم، خاصة في المراحل الأساسية الثلاث: الابتدائية، والمتوسطة، والإعدادية، مع التركيز على ما يلي:

أولًا: إعادة الامتحانات الوزارية للمراحل المفصلية
من الضروري إعادة العمل بالامتحانات الوزارية للسادس الابتدائي والثالث المتوسط، في اقليم كوردستان مع الحفاظ على الامتحان الوزاري للسادس الإعدادي كما هو. هذه الامتحانات كانت تمثل محطات حقيقية لتقييم الطالب، وتحفيزه على بذل الجهد، وربط التعليم بمسؤولية شخصية وأسرية. أما إلغاؤها فقد فتح الباب أمام التراخي، وجعل التعليم في نظر الكثيرين مجرد رحلة عبور بلا وزن أو معنى.

ثانيًا: إنهاء سياسة “النجاح التلقائي”
لقد أثبتت سياسة النجاح والعبور التلقائي في الصفوف الثلاثة الأولى (الأول، الثاني، والثالث الابتدائي) أنها من الأسباب المباشرة لانخفاض مستوى الطلبة. فكيف يمكن أن نبني أساسًا معرفيًا لدى طفل، ونحن نرسل له رسالة ضمنية بأنه سينجح بغض النظر عن مستواه؟ لا بد من إعادة الاعتبار لهذه المراحل الحساسة، وتحفيز الطفل منذ البداية على الاجتهاد والتميّز، حتى يشعر بقيمة ما يتعلمه.

ثالثًا: إصلاح المناهج… بالبساطة والهوية
لا يمكن لتعليم ناجح أن يقوم على مناهج معقدة، مثقلة بالمعلومات المترجمة، أو المنقولة عن تجارب لا تراعي الفروقات الثقافية والعمرية. المطلوب هي مناهج خفيفة المحتوى، مناسبة لأعمار الطلبة، بلغة بسيطة وواضحة، بعيدة عن التعقيد، ومن تأليف تربويين محليين متخصصين، من أصحاب الخبرة الطويلة، الذين يعرفون بيئة الطالب واحتياجاته.

كما نقترح الرجوع إلى بعض المناهج القديمة، التي كانت تراعي التدرج في بناء المفاهيم، وتحمل في طياتها روحًا وطنية وإنسانية، لا تبالغ في تمجيد الأشخاص، بل تحتفي بتاريخ الأمة، وتنمي في الطالب روح الانتماء، ليس إلى سلطة، بل إلى وطن وهوية وقيم.

رابعًا: دعم المعلم والمنهج لا استيرادهما
لا يمكن بناء تعليم حقيقي من دون دعم غير محدود للمعلم، وتمكينه من أداء دوره كقائد تربوي لا مجرد ناقل للمعلومة. فالمناهج الجيدة تحتاج إلى معلمين مقتنعين بها، مشاركين في صناعتها، يشعرون أنها وليدة تجربتهم لا فرض خارجي عليهم. وهنا نؤكد أن استيراد المناهج الجاهزة لا يصلح مع بيئة تحتاج إلى إعادة بناء الذات أولًا، قبل استعارة نماذج الغير.

خامسًا: التعليم طريق الخروج من الظلمات
التعليم ليس رفاهية، ولا خيارًا، بل ضرورة وجودية. لا خروج من الظلام، ولا نهوض من السكون، ولا تجاوز للفوضى والانقسامات، إلا من بوابة العلم. علينا أن نُعلِّم أبناءنا أن القلم ما يزال أقوى من الرصاصة، وأن الخط الجميل هو انعكاس لنفس مرتبة وذوق رفيع، وأن الكتابة ليست مجرد أداء وظيفي، بل فعل حضاري.

ختاماً:
لن يُصلح حال أمتنا شعار فارغ، ولا نظام معلق في هواء الموازنات السياسية. لا بد من إرادة حقيقية لإعادة التعليم إلى سكته، بدءًا من المرحلة الابتدائية، ومرورًا بالمتوسطة، وصولًا إلى الإعدادية، حتى يتخرج الطالب وهو يحمل علمًا وفكرًا، لا مجرد شهادة عبور.

العودة إلى الجذور ليست تراجعًا، بل خطوة حكيمة نحو المستقبل… مستقبل تبنيه أيادٍ تفكر وتكتب، لا تمسح وتنسى

قد يعجبك ايضا