الانتخابات المقبلة…رياح التغيير أم أستمرارية الواقع

محمد حسن الساعدي

يستعد العراق لخوض تجربته الديمقراطية مجدداً،إذ من المقرر أن تُجرى الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، وذلك بعد تصويت مجلس الوزراء العراقي على هذا الموعد في أبريل الماضي، وفقًا للمادة 62 من الدستور العراقي، يجب إجراء الانتخابات العامة بعد مرور أربع سنوات على أول جلسة لمجلس النواب، مع حذف 45 يومًا من هذه الفترة. وبما أن الدورة الحالية بدأت في 9 يناير/كانون الثاني 2022، فإن الموعد المحدد للانتخابات يلتزم بالإطار الزمني الدستوري .

بدأت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات استعداداتها الفنية لإجراء الانتخابات، بما في ذلك تحديث سجلات الناخبين، حيث يحق لنحو 30 مليون عراقي من أصل 46 مليونًا التصويت والمشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة . كما قامت المفوضية بطباعة أكثر من 3 ملايين ورقة اقتراع للتصويت العام، بالإضافة إلى أوراق للتصويت الخاص، وتضمنت القوائم الانتخابية 136 قائمة بواقع 1,191 مرشحًا، من بينهم 368 مرشحة .
تأتي هذه الانتخابات لاختيار أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 329 نائبًا، الذين سيضطلعون بمهمة انتخاب رئيس الجمهورية ومنح الثقة للحكومة الجديدة،وتعتبر هذه الانتخابات مصيرية لجميع القوى السياسية المشاركة،وكذلك تعطي زخماً قوياً ومعنوياً للنظام السياسي الجديد،ومع اقتراب موعد الانتخابات العراقية القادمة، يتجدد الجدل في الشارع السياسي والشعبي حول مدى جدواها، وإمكانية أن تكون بوابة نحو التغيير المنشود، في ظل حالة من الإحباط العام وانعدام الثقة بين المواطن والمؤسسات الرسمية.
تواجه الانتخابات المقبلة تحديات متعددة، منها الخلافات السياسية بشأن قانون الانتخابات وآلية توزيع الدوائر الانتخابية، بالإضافة إلى التوترات الأمنية والاقتصادية التي قد تؤثر على سير العملية الانتخابية. كما أن هناك مخاوف من احتمالية تأجيل الانتخابات في حال تدهور الأوضاع الأمنية وعدم الاستقرار السياسي .
تشهد الساحة السياسية العراقية حالة من التشتت والانقسام، نتيجة تراكم الأزمات، سواء كانت أمنية، اقتصادية، أو خدمية. ورغم مرور أكثر من عقدين على التغيير السياسي في 2003، ما زالت البلاد تعاني من ضعف في البنية الديمقراطية، وهيمنة المحاصصة، وتكرار نفس الوجوه في المشهد السياسي، ما يدفع الكثيرين للتشكيك بقدرة الانتخابات على إحداث تغيير حقيقي،كما أن من أبرز التحديات التي تواجه هذه الانتخابات عزوف الناخبين،إذ أن نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة كانت متدنية، خاصة بين فئة الشباب، ما يعكس أزمة ثقة حقيقية، كذلك المال السياسي والسلاح المنفلت،فلا تزال هناك مخاوف من تأثير النفوذ المالي والعصابات المسلحة على حرية الناخبين ونزاهة النتائج، بالاضافة الى التدخلات الخارجية، إذ تستمر بعض القوى الإقليمية والدولية في لعب دور في توجيه المشهد السياسي العراقي، ما يثير القلق بشأن استقلال القرار الوطني.
بالرغم من هذه التحديات، يرى البعض من المراقبين أن الانتخابات القادمة قد تمثل فرصة مهمة لإعادة ترتيب الأوراق، خاصة في ظل تنامي الوعي السياسي لدى قطاعات واسعة من العراقيين، وظهور قوى مدنية جديدة تسعى إلى كسر هيمنة الأحزاب التقليدية،كما أن المطالب الشعبية التي انطلقت منذ احتجاجات تشرين لا تزال حاضرة، وتشكل ضغطًا على الطبقة السياسية للاستجابة والتغيير، ولو جزئيًا،فالانتخابات العراقية القادمة ليست مجرد استحقاق دستوري، بل محطة مفصلية في تاريخ العراق الحديث،وأن النجاح في تحويلها إلى مناسبة ديمقراطية حقيقية يتوقف على وعي الناخب، نزاهة العملية، وجرأة القوى الإصلاحية في كسر الجمود السياسي. فهل ستكون هذه الانتخابات بداية تغيير حقيقي، أم مجرد إعادة تدوير للوجوه والمواقف؟
تُعد الانتخابات البرلمانية المقبلة فرصة مهمة لتعزيز الديمقراطية والاستقرار في العراق. وتشجع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات المواطنين على تحديث بياناتهم والمشاركة الفاعلة في العملية الانتخابية لضمان تمثيل عادل وشامل لجميع فئات المجتمع،ومع تحديد موعد الانتخابات البرلمانية في 11 نوفمبر 2025، يواجه العراق تحديات كبيرة تتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة تعكس إرادة الشعب وتساهم في بناء مستقبل أفضل للبلاد.

قد يعجبك ايضا