نهاد الحديثي
اعتاد العراقيون طيلة عقدين ونصف على رؤية فوضى المشهد العراقي , حزبيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا , والعراقيون لايبالون بما يحدث من تناحر وصراع على السلطة والمكاسب , ولكنهم يتأسون ويحزنون على الفساد ونهب الثروات والمال العام , فلم يعد يهمهم الانتخابات لانها بالتالي ضحك وتزييف و قضاء وقت مستقطع من أعمار العراقيين, ومع قرب مواسم التحشيد الانتخابي لما تسمى الانتخابات المبكرة يتفهّم العراقيون الطموح السياسي للصراع على السلطة, فيظهر معها زيف الديقراطية.
السلطة والحلم بالبقاء في الحكم تتكرر منذ حكومة إبراهيم الجعفري أول حكومة انتقالية بعد عام 2005، في استنساخ تجربة من سبقهم من النظام السابق في مفارقة مضحكة تخبرنا بها أدبياتهم التي قامت على أنقاض ذلك النظام، إن الديمقراطية هي أساس الحكم وإن شرعية الحاكم تُكتسب من خلال رضا الشارع وصناديق الانتخابات، لكن الواقع يعكس صورة مشوهة لمنظومة غير مستعدة للتخلي عن أدوات السلطة ومقتنياتها بالرغم من اعتراف الكثير من رموزها بالفشل وضرورة إفساح المجال أمام الآخرين لأخذ أدوارهم في العملية السياسية , هي دورة الحياة السياسية في العراق، فوظيفة رئيس الوزراء بالمحصلة هي مزاج سياسي تتحكم به خيوط خارجية وداخلية في تقرير مصائر العراقيين لا يُعلم متى تتوقف , ويتفهم العراقيون ان مشروع الانتخابات المبكرة الذي يحاولون لملمة شتاته وإقراره للتنفيذ نهاية العام الجاري قد يكون إحدى خطوات الرافضين لولاية ثانية للسوداني, كما ان الإعلان عن تأسيس التيار الوطني الشيعي الذي يقوده مقتدى الصدر له دلالات ومعان تفسرها اللحظة الحاسمة التي بدأت فيها العملية السياسية تحدد مصير المتحكمين بخيوط السلطة، فالوقت أصبح مهمّا لتسجيل أهداف سياسية تستفيد منها الكتل والأحزاب مبكرا ومن أجل سبق انتخابي، والواقع السياسي بدأت تلوح في أفقه أحداث ومتغيرات قد تقلب موازين القوى أو تحدث مفاجآت، فشعار التيار الوطني الشيعي الذي بدأ يتردد صداه في أروقة السياسة وحتى في الشارع للتخندق الانتخابي القادم ضمن محاولات عودة التيار الصدري والمشاركة في الانتخابات القادمة تحت هذا العنوان، ما يعني عودة مبدأ الأغلبية السياسية التي أصرّ عليها مقتدى الصدر ورفضها الإطار التنسيقي، وسالت من أجل ذلك الرفض دماء كثيرة على أرصفة الشوارع، وتحولت المنطقة الخضراء إلى ساحة حرب بين جيش الأغلبية السياسية والتوافقية.
وتناقلت مصادر خبرا مضمونه ان طهران طلبت من رئيس الوزراء العراقي الترشح للانتخابات القادمة ضمن قوائم الإطار, وقال المصدر أن التوصيات جاءت بعد إظهار أطراف سياسية رغبة في التحالف مع السوداني بعيدا عن الإطار وذلك في مقابل حصوله على ولاية ثانية.
أظهرت “توصيات” وجهتها إيران إلى رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني – مدى اهتمام طهران باستقرار النظام الذي يقوده حلفاؤها قادة الأحزاب والفصائل الشيعية في العراق، وحرصها على وحدة هؤلاء الحلفاء حفاظا على سلطتهم ودرءا لنشوء دوائر قرار جديدة منافسة لهم في البلد , وتخشى إيران تفكّك الإطار, فيما الحاجة إليه ماتزال قائمة للحفاظ على نفوذها في العراق، في مرحلة دخلت فيها قوى أخرى على رأسها تركيا على خط المنافسة على النفوذ في البلد, حيث توصف الحكومة العراقية الحالية بأنّها حكومة الإطار التنسيقي نسبة إلى التحالف الذي شكّلته الأحزاب والفصائل الشيعية إثر الانتخابات البرلمانية الماضية وتمكّنت من خلاله من انتزاع امتياز تشكيل الحكومة من التيار الصدري (التيار الوطني الشيعي حاليا) بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر والذي حقق في تلك الانتخابات نتائج جيّدة جعلته يطمح للسيطرة على السلطة التنفيذية، وهو ما لم تكن إيران ترغب فيه نظرا لعدم ثقتها في الرجل الذي يحظى بقدر كبير من الشعبية في صفوف الجمهور الشيعي في العراق , شخصية السوداني التي تميل إلى التحرر والاستقلالية أكثر من غيره تجعله تحت ضغط القوى السياسية، كما هي حظوظه في تصدر المشهد السياسي أو الحصول على ولاية ثانية، لأن الآلية المعقدة لاختيار رئيس الوزراء لا تعطي لأي أحد الحق في أن يكون رئيسا للوزراء ما لم يحصل على (1/2 + 1)، وهذا صعب جدا للسير نحو الرئاسة، بالإضافة إلى طبيعة التحالفات السياسية بين القوى الشيعية نفسها؛ فالمشهد السياسي الشيعي معقد، وتعقيده يحميه من أي تجاوز لحقوق المكون الأكبر ويتيح لقواه السياسية أن تكون مجتمعة ليس إلا، وإلا لما استطاع التحالف الثلاثي تشكيل حكومته؛ ولكن طبيعة هذه التحالفات التي لم تراع حقوق ومصالح المكون الأكبر تجعل من الصعب على أي شخص، أو كتلة أو قوة سياسية، أن يذهب وحده دون النظر إلى مصالح المكون أو القومية.
ولا ترغب إيران في انقسام الإطار، كما لا ترغب بنفس القدر في أن تنشأ من داخله، وكذلك من داخل العائلة السياسية الشيعية العراقية بالمطلق دوائر قرار جديدة قد لا تكون بالضرورة ملتزمة بالخطّ السياسي المتّبع في العراق منذ أكثر من عقدين من الزمن وما يميّز ذلك الخطّ من التزام بالتحالف مع طهران ومن خدمة لمصالحها ونفوذها في البلد, ويبدو أنّ الخشية الإيرانية لا تستثني السوداني نفسه الذي مكنته نجاحاته النسبية في قيادة الحكومة الحالية قياسا بالأداء الضعيف لرؤساء الحكومات الذين سبقوه من توسيع شعبيته الأمر الذي قد يجعله مرشّحا فوق العادة للفوز في الانتخابات القادمة, وهناك من يعتقد أن السوداني يمثل رغبة الشعب العراقي في بناء دولة مستقلة يكون القانون هو الحكم فيها وإبعاد الميليشيات والخارجين على القانون عن المشهد السياسي والأمني، بالإضافة إلى حصر السلاح بيد الدولة، ومنع انزلاق العراق إلى صراعات طائفية وعرقية أخذت الكثير من حياة العراقيين وفرقتهم وأن يصبح العراق لاعبا إقليميا ودوليا، لذلك فإن السيد السوداني يكاد يكون الحاكم الوحيد الذي نال احترام أغلب العراقيين، بالإضافة إلى القيادات والحكام العرب والغربيين، باعتباره شخصا صادقاوقادرا على قيادة العراق إلى الإصلاح والتغيير,, ولا يمكن بأي حال وصف السوداني الذي دخل ميدان السياسة من بوابة انتمائه لحزب الدعوة الإسلامية، بالمعارض للنفوذ الإيراني في العراقي أو بالمتمرّد على سياسات إيران تجاه بلاده، ومع ذلك فإنّ من أبرز ميزاته، المثيرة لقلق الإيرانيين، انتهاجه سياسة براغماتية في البحث عن شركاء في تنمية العراق بعيدا عن الانحيازات الأيديولوجية، الأمر الذي من شأنه أن يجعل البلاد مفتوحة على قوى منافسة لإيران مثل تركيا وبلدان الخليج, وتعلم طهران أنّ بقاء السوداني تحت مظلّة الإطار التنسيقي يعني وجود رقيب على سياساته ومانعا لها من الذهاب بعيدا في تحقيق طموحات تتعارض مع المصلحة الإيرانية.
ويحظى رئيس الوزراء السوداني الذي يقود منذ سنة 2019 تيار الفراتين إلى حدّ الآن,بتأييد شعبي كبير, علاقته فاترة بزعماء الاطار, ولا يعمل بجلبابهم ولديه اشكالات مع البعض.
ويتوقع العديد من المحللين ان السوداني سيكون خصما لقوى الإطار التنسيقي، وسيحصل على مقاعد جيدة في الانتخابات البرلمانية القادمة، والتي تتراوح بين 25 و30، بالاتساق مع إظهار جديته في الاستجابة السريعة لمطالب الشعب العراقي وأنه قريب منه وتخفيف شحن الشارع العراقي عبر حملة الإعمار التي يقودها في البلاد سواء على مستوى بغداد أو المحافظات.
يتداول مقربون من دائرة السلطة سيناريو الولاية الثانية للسوداني والرهان على ورقة قد تكون رابحة في مزاجهم السياسي وهي هوية السوداني الذي يُعتبر أول رئيس وزراء عراقي تسلّم زمام السلطة من الداخل العراقي، حين عاش سنوات الحروب والحصار الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة على الشعب العراقي، لكن الرئيس تخدعه وعود وعهود قادة الإطار التنسيقي؛ فهو بالنسبة إليهم مجرد بيدق في لعبة يلعبها اللاعبون في ترشيح أو توريط الآخرين بمسك زمام رئاسة الوزراء والتخلص من عقدة تشكيل الحكومة ومن ضغوط الفاعل الخارجي أو حتى لإرضائه، وما إن تنتهي الصلاحية ومفعولها حتى تبدأ محاولات التخلص من البيدق والبحث عن بديل، لا تستغرب فتلك هي سُنّة النظام السياسي في العراق” المتوتر الذي لا يستقر, الحديث عن الواقع العراقي لا يدعو إلى الغرابة، فهو مشهد حي اعتدنا رؤيته منذ أكثر من عشرين عاما، في تكرار ممل لا يحمل أي جديد سوى قضاء وقت مستقطع من أعمار العراقيين في الانتظار وحياة بائسة
السوداني يريد الحصول على الأقل على 50 مقعدًا في الانتخابات ليكون أحد أقطاب الإطار التنسيقي ,, ويقود محمد السوداني، رئيس الحكومة، فريقًا من الوزراء و”الحشد” والأقارب في تحالفه الانتخابي الجديد,,وسبق رئيس الوزراء باقي حلفائه الشيعة في الإعلان عن التحالف، فيما لا يُعرف إن كان الإعلان المبكر يحمل رسالة معينة, ويتشكل التحالف من 7 كيانات، وكان من المفترض أن يضم ضعف هذا العدد، إلا أنه تقلص لأسباب غير واضحة حتى الآن, اياد علاوي ركب الموجه دون صالح المطلك , يضاف للتحالف احمد الاسدي وفالح الفياض زعيم الحشد, هناك تحالف حلول الوطني، الذي يترأسه محمد الدراجي، الوزير السابق ومستشار السوداني. والدراجي هو جزء من تحالف خدمات، الذي كان يترأسه شبل الزيدي، قائد كتائب الإمام علي,وتزامناً مع استعداد القوى الشيعية للانتخابات، تزايدت الضغوط على الفصائل المسلحة للاندماج في هيكل الحشد الشعبي، تمهيداً لما تصفه بعض المصادر بـ”الانتقال إلى العمل السياسي الكامل”، وسط تحذيرات أميركية بفرض عقوبات إضافية على شخصيات وفصائل مرتبطة بإيران، ومطالبة الحكومة العراقية بحصر السلاح بيد الدولة.
إعلان الائتلاف في هذا الوقت خطوة استباقية في إطار الإعداد للانتخابات القادمة، لاسيما وأن أغلب الكتل السياسية لم تُعلن عن تحالفاتها ومستويات مشاركتها، ولذلك أراد السوداني أن يظهر أكثر قدرة من خلال الإعلان المبكر عن عمله الانتخابي، وأن لديه قدرة على التنظيم الانتخابي قبل القوى السياسية الأخرى , الإطار” يخشى خسارة الانتخابات أمام السوداني: المسؤول يستقيل قبل ترشحه
توصيف الواقع السياسي لما يجري في العراق مع اقتراب الانتخابات البرلمانية بين كتل وأحزاب الإطار التنسيقي يؤكد أن التنسيقي وصل إلى مرحلة التشظّي. ظهرت ملامح عدم رضا، بل ورفض، من قبل بعض القوى السياسية لتولي السوداني ولاية ثانية في رئاسة الوزراء, سيناريوهات صعبة تنتظر العراقيين في الأيام القادمة قبل الانتخابات البرلمانية، يفرضها واقع سياسي متشرذم وفوضى قد تمتد إلى الشارع العراقي، بدأت تكبر مثل كرة الثلج.