سياسةٌ بإرتداداتٍ لذلك تفجرت ثورة الربيع گولان.

فاضل ميراني*

ابتعد شخصيا عن الحشو اللغوي وبخاصة في التشريح التاريخي، ففكرنا و منهج عرضنا للامور الحيوية في حراكنا القومي و الحزبي و السياسي و طرق ادامته ليتصل بالاجيال تدعمه الوثائق و تسنده المضامين و المحتويات الحقيقية في الوثائق، ودارسو البحث العلمي يعرفون معنى كلامي هذا، اذ لا نأخذ بالافادة بالشهادة الا في محل قبولها، ولا اعتبارات و غير مسموح للأوهام و الاصطناع الدخول لمنظومة عملنا.
ان تكرار الخطأ مرتين لا ينتج صوابا، ذلك ان السياسة و الغاية المباحة للحكم تتطلب الاحاطة و الفهم و العمل المنتج، ومن ذلك دراسة التفاعلات السابقة بين الجمهور و الحكم بخاصة في البلاد موضوع البحث او التجارب المتشابهة المعطيات من حيث القرب الجغرافي و الفكري و المجتمعي.

من اسابيع و قبل ذلك بسنوات نشطت و تنشط قضية حيوية هي قضية (خور عبدالله) و القضية نتيجة سياسة متوارثة، ومع ان المقال ليس مخصصا للبحث في قضية الخور و كيفية تحول الجغرافية لضحية القرارات المؤدية للخسران، الا ان ذلك لا يمنع من الاستعانة بها و بغيرها من النتائج التي يجب على الحاليين الاعتبار منها، او كما قال يوما احد العباسيين: رحم الله من اعتبر بغيره قبل ان يُعتَبر به.
فقبل ذلك تنازل النظام عن جزء من شط العرب ثمنا من اثمان أُخَرْ للتوقيع على اتفاق مع محمد رضا بهلوي للانسلاخ من الاتفاق معنا في اتفاقية اذار، ثم عاد ليكسر بنود القانون الدولي فيمزق الاتفاق بحجة تبدل النظام في ايران و تبدأ حرب سنوات ثمانٍ ما كادت تخبو نيرانها حتى كان غزو الكويت سبقته و استمرت عقوبات اقتصادية شوهت كثيرا من سمات المجتمع العراقي و سمعته.

لقد تنبهنا سريعا لخطورة الفكر الحاكم في العراق حتى للحكام الذين خلقوا لانفسهم او خلق اخرون لهم دعاية تناسب سقف الجمهور و تحلب منهم ارواحهم و اموالهم و تجندهم لمشاريع مزرية، هناك و بعد التآمر على ثورة ايلول برز العيب الكبير للعقل الحاكم و قصوره عن فهم طبيعة الشعوب الحرة و التنظيم السياسي الواقعي، فمع كل التفاهمات ضدنا و التي وصلت لمراقبتنا و تحديد حركتنا من قبل اجهزة امن شاه ايران، الا ان طبيعة الاشياء تحركت رغم كل قوة مبذولة ضدنا، و بدل ان يراجع النظام اخطاء عمله، اخذته العزة بالاثم و انطلق وسط مجال مشحون بالشعارات و الزي العسكري باثا حياة جاهلية يسند فيها الانفاق على التخريب تعاليم عقيدة شوڤينية فشلت في اوروپا فتم سقيها لعقول معجبة بقسوة الحاكم الذي يردد: ان من قال لي اتقِ الله ضربت عنقه، وذاك الذي يقول : انني اخذ البرىء بجريرة المذنب.

اعاد القائد مصطفى البارزاني و الراحل ادريس البارزاني، و الرئيس مسعود البارزاني ومعهم مجموعة من الكوادر المتقدمة الاعتبار للثورة و ربط امتداداتها التنظيمية بسرعة و دقة لتبدأ مرحلة كانت من اصعب مراحل العمل السياسي و العسكري، من ايران حيث عشرات الوف الكورد الرافضين امان النظام المكذوب في العراق الى داخل كوردستان و بشغل كبير دؤوب في اوروپا بين اللاجئين، كل هذا داخل خيوط متشابكة معقدة من المصالح بين دول آخر همها الالتفات لقضية شعبنا، وايضا بوجود دفع للتآمر الداخلي على بيت البارزاني بصفتهم زعامة مقلقة لانظمة سياسية و لاتباع عدد من تلك الانظمة من ذوي غايات شخصية لخلق زعامة موازية .

لم تمضِ اشهر على النكسة حتى شم النظام البائد دخان ثورتنا ثم شاهد نيرانها و اكتوى بها، فنحن انفسنا الذين وقفنا ندا له و لمن سبقه لما فهم السابقون له وفهم هو ان السلطة تعني التصرف بلا قيد في كل شيء فهو يشترع قوانين جائرة تبيح الجريمة بحق النفس و العرض و المال و الارض فيحل الحرام و يشرعن الجرم، و يستخدم اموال الدولة لخدمة اوهام زعامة انهزمت سياسيا و اداريا و اضرت الماضي و شوهت حاضر ذلك الوقت و اتت نتائجها مستقبلا لا يبشر بخير، فلقد ضربت اللحمة المجتمعية، و تسلط البطش الامني على كل مفاصل الحياة، و تم انهاك الاقتصاد، و صار الهروب و اللجوء طموحا، وكره كثيرون شروط مواطنة هشة تحيطها المشانق و السجون و تخرج بشرا يخافون من الهمس ان ينقله تقرير او لاقطة مزروعة.
عادت مفارزنا للعمل السياسي و اختيار كوادر من الداخل لا لإفهام النظام اننا لم و لن نزال بقراره ، بل للتواصل مع الجيل الذي لم نرد له ان يخضع لفكر مسرطن كان ختامه في٢٠٠٣ جولة عسكرية واحدة.

كانت ثورة گولان جالبة لمكتسب مكمل لاتفاقية اذار التي وقّعنا عليها مع بغداد و احترمنا توقيعنا عليها، ثم اكملت گولان ذلك المسار السياسي و الفكري و التنظيمي لتأتي انتفاضة اذار ١٩٩١ حيث بينت الجماهير الكوردستانية استعدادها السريع للانعتاق و ظهرت ثمار عمل السنوات الممتدة من بعد النكسة لتكون بمثابة التصويت المبكر لصالح حزبنا و احزاب وطنية كوردستانية و حركات من النسيج الوطني ذات العرقية غير الكوردية و الدينية اسلامية و غير اسلامية، لترفض النظام الشمولي و تبدي رغبتها بنظام آخر تشيد تحت قيادته حكما فتيا تعدديا تداوليا حريصٍ على الحياة الكريمة غير مسكون بجراثيم المغامرة.
ان الخسارات الكثيرة التي يغفل او يتغافل عنها صناع قرار معروفون، او يغطونها بدعايات لا تساوي ثمنا مهما كان زهيدا و لا تستحق العين و الاذن الاتساخ برؤيتها و سماعها، انما هي خسارات الجهل و رفض التعلم و وضع الاصابع في الاذن امام النصيحة الصادقة.
لقد ضيعوا من فرص العراق كثيرا و من اراضيه كثيرا و تصحرت الارض و لم يتمكنوا من صيانة الدم و المال و الماء و يفتعلون الازمات و يوردون الناس موارد الهلكة و لا يراجعون العطب الذي اصاب الاقتصاد فضرب اعصابا اخرى في المجتمع، وقبالتهم كنّا نقف و سنقف بكل حرص و قوة و فهم و جرأة لتصحيح المسار، فصححنا في ثورة ايلول و في گولان و الانتفاضة و في العراق الجديد لمنع الانهيار او على الاقل لتأخير حدوثه و حصر اضراره.

*مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني

قد يعجبك ايضا