د. دژوار سندي
في خضم التحولات الجيوسياسية التي تعصف بالمنطقة، يبرز إقليم كوردستان العراق كفاعل إقليمي صاعد يمتلك مقومات التأثير في المعادلة السياسية العراقية والإقليمية والدولية. هذا الإقليم الذي كان يوماً منطقة نائية تحول إلى مركز جذب استثماري وسياسي بفضل رؤية قيادته الاستراتيجية وإصرار شعبها على بناء كيان مستقر مزدهر.
نجح الإقليم في تحويل تحدياته الجغرافية إلى مزايا تنافسية، حيث أصبح جسراً حيوياً يربط العراق بجيرانه والعالم. العلاقات الاقتصادية المتميزة مع تركيا، التي تجاوزت مليارات الدولارات سنوياً، تشهد على حنكة السياسة الكوردية في استثمار الموقع الجغرافي. كما تحولت قوات البيشمركة من قوات نظامية محلية إلى شريك استراتيجي في الحرب ضد الإرهاب، قدمت تضحيات جساماً في معارك تحرير الموصل.
النجاحات التنموية للإقليم لا تقل إبهاراً، حيث تصدر مؤشرات التنمية البشرية على مستوى العراق، وجذب استثمارات أجنبية ضخمة في قطاعات النفط والبناء والسياحة. هذه الإنجازات لم تأتِ من فراغ، بل هي ثمرة رؤية استثنائية تجمع بين الحفاظ على الخصوصية والانفتاح على العالم.
لكن الطموحات تتجاوز ما تحقق. فالإقليم يمتلك فرصاً ذهبية لتعزيز مكانته، بدءاً من تحوله إلى مركز إقليمي للطاقة باحتياطياته النفطية الهائلة، مروراً بإمكانية إنشاء ممرات تجارية دولية تربط الشرق بالغرب، ووصولاً إلى استقطاب ملايين السياح سنوياً بفضل تنوعه الطبيعي الخلاب.
كما يمكن لخبرات البيشمركة أن تتحول إلى اكاديميات للتدريب الأمني في المنطقة.
تحقيق هذه الطموحات يتطلب خطوات جريئة. على الصعيد الاقتصادي، يمكن إنشاء صندوق سيادي كوردي واستثمار عوائد النفط في مشاريع تنموية مستدامة. سياسياً، هناك حاجة لمزيد من التنسيق مع بغداد مع الحفاظ على هوية الإقليم. أما أمنياً، فمن الضروري تطوير القدرات الدفاعية وتعزيز التعاون الدولي.
المستقبل واعد لإقليم كوردستان إذا ما استمر في النهج المتوازن بين الخصوصية والانفتاح. هذا الإقليم الذي تحول من منطقة نزاع إلى واحة استقرار، قادر على أن يصبح نموذجاً للنجاح في المنطقة. القيادة الكوردية أمام فرصة تاريخية لكتابة فصل جديد من فصول التميز، حيث يمكن للإقليم أن يتحول من متلق للسياسات إلى صانع مؤثر فيها، ومن منطقة هامشية إلى مركز إشعاع إقليمي.
اللحظة حاسمة، والإمكانيات متوفرة، وما يبقى هو توحيد الجهود لتحويل هذه الرؤى إلى واقع ملموس. إقليم كوردستان ليس مجرد جغرافيا، بل هو قصة نجاح مستمرة تثبت أن الإرادة تصنع المعجزات حتى في أكثر الظروف تعقيداً.