د . صباح ايليا القس
قيس العاشق احد العشاق العرب بل هو اشهرهم اذا اقترن اسمه ب ( ليلى ) الحبيبة التي كانت ملهمته في اغلب نتاجه الشعري لاسيما غزله . اوقف طاقته الشعرية لها وحدها من دون نساء عصره .. مما يعرف عنه انه كان وسيما بشوش الوجه لطيف المحيا يشتمل على قامة مديدة ومظهر انيق بوصفه ذا نسب رفيع في آل عامر فضلا عن ثراء ظاهر وطلعة جذابة عامري حسبا ونسبا .
تعلق قلبه في مقتبل شبابه بقريبته ( ليلى ) العامرية ايضا اذ كانا يراعيان الغنم في المواسم على عادة الفتيان في ذلك الزمان اذ لم يكن ذلك ما يعيب البنت اذا خرجت للرعي لاسيما اذا لم يكن لها معين من الاولاد فتقع المهمة على البنات .
وقد رسم الشاعر قيس بن الملّوح لهذه الواقعة صورة شعرية يكاد المتلقي ان يتلمس مفرداتها ويعيش اجواءها يقول قيس :
تعلقت ليلى وهي ذات تمائـــــــــم ولم يبْدُ للاتراب من ثديها حجـم
صغيرين نرعي البهم يا ليت إننـا الى اليوم لم نكبرْ ولم يكبر البهم
التمائم هي خرزات توضع في الرقبة لطرد الحسد والاتراب تعني الرفاق والاصدقاء . البهم اي الحيوانات ما يعني انه احبها مذ كانا صغيرين لاسيما وهي تعلق خرز الطفولة وان ثديها ما يزال صغيرا دليلا على الطفولة .
وهو اذ يرافقها في الرعي للايام والشهور فقد نشبت هذه العلاقة وربطت القلبين وربما تعاهدا على الوفاء حتى اذا نضجت ليلى واكتملت انوثتها وظهرت في قيس ملامح الرجولة منعها اهلها من الخروج الى الرعي تحسبا لتقولات الوشاة مما جعل هذه العلاقة في حرج اللقاء فكان يسترقان من الزمن لحظات في غفلة العائلة قبيل الصبح او عند بئر الماء او للحلب واطعام الحيوان .
هذا التباعد المفروض قصرا اثار القريحة الشعرية عند قيس الذي يشعر بالغربة والحسرة وافتقاد الحبيبة التي كان يألفها يوميا فقال :
نهاري نهار الناس حتى اذا بــدا لي الليل هزتني إليكِ المضاجع
أُقضّي نهاري بالحديث وبالمنى ويجمعني بالهمّ والليل جامـــــعُ
هكذا هم الشعراء العشاق لا يكون لهم ولا يشغلهم شاغل سوى الحديث عن الحبيبة ليلا ونهارا فهو هنا في النهار يعيش كما يعيش الناس ولكن هواجس الحب تتصاعد كل ما اقترب الليل والليل طويل في حسابات الحب فهو في النهار يشغله بالحديث والامنيات اما في الليل وعند انقطاع الناس والانفراد بالنفس فليس هناك سوى تكاثر الهموم والسهر المستمر والاحلام والآمال التي لا تنتهي .
هذا الكلام وهذه اللوعة ومثل هذه القصائد كانت تطيب لها الافواه ويتبادلها الناس لخفتها وجمالها والمحبوبة هي اول من تصلها هذه الابيات لكن قصائد الغزل مطلوبة لان مجالس السمر الليلي وسيلة لانتشارها وتداولها وانتقالها بين الدواوين ويحملها الركبان الى الديار البعيدة ايضا .
ظل الاثنان يستلذان بطعم الحب والشباب ويعيشان حالة الغرام والانسجام والمزيد من الاحلام من دون ان يفكرا ان الايام والساعات كفيلات بقلب الاحوال واختلاق العجائب والفجائع فالدهر غدار حاقد خؤون حتى قبل ان تحين ساعة المنون .
واذ رأى الاهل ما يشاع عن تطور العلاقة بين الحبيبين حجبها الاهل ومنعوها من لقاء قيس تحسبا من انتشار اخبارهما التي اصبحت على كل لسان فقال :
شغف الفؤاد بجارة الجنبِ فظللتُ ذا أسف وذا كرْبِ
يا جارتي امسيتِ مالكــةً روحي وغالبة على لبّـــي
الكرب = الحزن , اللب = القلب
هذه لوعة الحب التي يطلقها شاعر عاشق عرف الحزن والبعد والعذاب . وربما يكون هناك حديث اخر .