متابعة – التآخي
يستمع ثلث الأمريكيين الآن إلى “البودكاست” مرة واحدة في الأقل أسبوعيا، ويتلقى نحو واحد من كل خمسة منهم الأخبار بانتظام من مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد خلق هذا بيئة شبه مثالية لنشر معلومات مضللة بشأن المناخ، لا سيما أن تسعة من أصل عشرة برامج إلكترونية رائدة في الولايات المتحدة تميل إلى اليمين وتنكر تغير المناخ، بحسب تقرير صادر عن منظمة “ميديا ماترز فور أمريكا”.
وتوصل تحليل أجراه مركز Yale Climate Connections إلى أن 80% من هذه البرامج نشرت معلومات مضللة بشأن تغير المناخ.
وجاء في البيان “جزء كبير من المعلومات المضللة المتعلقة بالمناخ، التي تُنشر عبر هذه البرامج، يتبع نهجًا متجددًا في إنكار تغير المناخ، يُركّز على إنكار فعالية الحلول، ويجادل بأن تغير المناخ مفيد”.
وأضاف البيان “كما صوّر المؤثران جوردان بيترسون وتشارلي كيرك المهتمين بتغير المناخ على أنهم مُعتنقو ’دين زائف‘”.
تأتي هذه النتائج في وقتٍ تتفشى فيه المعلومات المضللة المتعلقة بالمناخ في الولايات المتحدة، ولا يُساعد على ذلك أن الرئيس السابق دونالد ترامب نفسه يُشكك في تغير المناخ.
كما أن الأمريكيين باتوا يتلقّون مزيدًا من أخبارهم من وسائط إعلامية جديدة، مثل البودكاست وبرامج يوتيوب، التي لا تلتزم بنفس أخلاقيات ومعايير الصحافة التقليدية.
تُظهر الأبحاث أن نسبة الأمريكيين الذين يتابعون الأخبار عبر منصات التواصل الاجتماعي ارتفعت من 19% عام 2021 إلى 25% في عام 2024، مع تفوّق يوتيوب وفيسبوك على بقية المنصات.
إن ميل المشهد الإعلامي الرقمي نحو التضليل يزيد الأمور تعقيدًا بالنسبة للعمل المناخي.
تشير الأبحاث إلى تباين واضح في المواقف بشأن إنكار تغير المناخ في الولايات المتحدة. قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، عبّر 85% من الأمريكيين من الجيل “Z” عن قلقهم إزاء تغير المناخ، فيما قال 58% منهم إنهم “قلقون جدًا” أو “بشدة”.
كما أكد 86% من الديمقراطيين، و75% من المستقلين، و62% من الجمهوريين أنهم سيصوتون لمرشحين يدعمون “سياسات قوية للحد من تغير المناخ”.
في استطلاع أُجري في آب 2024، قال 25% من الأمريكيين إنهم يشككون في أزمة المناخ أو يتجاهلونها.
وفي هذا العام، كشف استطلاع أجرته مؤسسة “غالوب” أن 51% من الأمريكيين لا يعدون تغير المناخ تهديدًا خطيرًا، وهي نسبة أعلى من الذين يرونه كذلك.
ويميل التشكك في تغير المناخ بدرجة أكبر إلى الجمهوريين، ففي عام 2024، صُنف نحو ربع أعضاء الكونجرس كمنكرين لتغير المناخ، جميعهم من الحزب الجمهوري.
وأظهر استطلاع “غالوب” أن 14% من الناخبين الجمهوريين لا يشعرون بالتهديد من تغير المناخ، وأن ثلاثة فقط من كل عشرة يعتقدون أن تأثيراته بدأت بالفعل، برغم أن فيضانات العام الماضي ضربت الولايات ذات الأغلبية الجمهورية أكثر من غيرها.
اللافت أن 78% من الجمهوريين يعتقدون أن وسائل الإعلام التقليدية تبالغ في تقدير خطورة الأزمة، مقارنة بـ6% فقط من الديمقراطيين و38% من المستقلين.
وهناك علاقة مباشرة بين هذا الاعتقاد وما تنشره البرامج الصوتية والإذاعية على الإنترنت، التي تُشكّل النظام البيئي للإعلام الجديد.
وفقًا لموقع “ميديا ماترز”، تشكّل البرامج ذات التوجه اليميني غالبية المشهد الإعلامي الجديد عبر الإنترنت في الولايات المتحدة، وتحظى بخمسة أضعاف عدد المتابعين مقارنة بغيرها.
وقد استفاد كثير منهم من الطروحات التي يروج لها منكر تغير المناخ الدنماركي بيورن لومبورغ، الذي طالبه علماء المناخ، بحسب مركز Yale Climate Communications، بالتوقف عن تحريف أبحاثهم.
وقد ظهر في برامج شهيرة مثل “ذا جو روجان إكسبيرينس”، وبرامج بن شابيرو، وراسل براند، وغيرهم.
في الوقت ذاته، يزعم آخرون ان أزمة المناخ “خدعة” تهدف إلى السيطرة على الرأي العام.
فقد زعم اليوتيوب تشارلي كيرك “تغير المناخ هو غطاء للماركسية. الماركسية في الجوهر، وتغير المناخ في الشكل. النشاط البيئي والوثنية الزائفة ما هو إلا حصان طروادة”.
وفي تحليل أجرته شركة ييل للاتصالات المناخية، وُجد أن برنامجين فقط من بين العشرة الأوائل في قائمة البرامج الأكثر تأثيرًا شاركا معلومات دقيقة عن المناخ: برنامج “This Past Weekend” مع ثيو فون (يميني)، وبرنامج “What Now?” مع تريفور نوح (الوحيد اليساري في القائمة).
أما البقية، فانخرطوا فيما يُعرف بـ”الإنكار الجديد” لتغير المناخ، وهو إنكار لا يرفض حقيقة تغير المناخ بشكل مباشر، بل يُشكّك في جدوى الحلول، ويُقلل من خطورته، بل ويصف آثاره بأنها “غير ضارة” أو حتى “مفيدة”.
وبحسب مركز مكافحة الكراهية الرقمية، فإن هذا النوع من المحتوى شكّل 35% فقط من مقاطع فيديو إنكار المناخ على يوتيوب عام 2018، وقفز إلى 70% في عام 2023.
وشملت هذه المقاطع هجمات على علم المناخ، وادعاءات بأنه غير موثوق أو مُضخَّم، بل وصلت بعض المزاعم إلى وصف حركة المناخ بأنها “فاسدة” و”مثيرة للذعر”.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، ظهور إيلون ماسك في بودكاست “The Joe Rogan Experience”، حيث دافع هو وروجان عن استهلاك لحوم البقر، وقلّلا من أهمية الأضرار المناخية المثبتة علميًا المرتبطة بالزراعة الحيوانية.
قال ماسك في الحلقة التي حصدت 19 مليون مشاهدة على يوتيوب “لن يُحدث تناول الناس للحوم البقر الخالصة أي فرق في ظاهرة الاحتباس الحراري أو في تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. لا يهم، لا قيمة له. تناول ما تشاء من اللحوم”.
يأتي كل ذلك في ظل استمرار دونالد ترامب في التراجع عن السياسات المناخية. فقد أوقف دعم معظم الأبحاث المتعلقة بتغير المناخ، حتى تلك التي تذكره عرضًا، كما أزال مواقع إلكترونية حكومية تحتوي على بيانات مناخية، في محاولة لإخفاء الأدلة.